الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    سياسات أقطاب «النظام العالمي» تجاه المنطقة.. !    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    انطلاق أولى سباقات ميدان فروسية الجبيل للموسم الحالي    إعلان برنامج انتخابات الاتحادات الرياضية    ألوان الأرصفة ودلالاتها    الارتقاء بالتعاون السعودي - الفرنسي في العُلا لمستويات أعلى    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    ختام مزاد الصقور السعودي    الإعلان عن أسماء الفنانين العالميين في «نور الرياض» ومشاركة «18» سعوديًا    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    زيلينسكي يفضل الحلول الدبلوماسية.. ومجموعة السبع تهاجم روسيا    أسعار اليوريا العالمية تتباين في أعقاب الركود وتأمين المخزون في أميركا والهند    إحباط تهريب (32200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    «إنسان».. خمس جوائز وتأهل للعالمية    المملكة تقدم مساعدات إنسانية وإغاثية ب133 مليار دولار ل170 دولة    تحقيق يكشف الدهاء الروسي في أوكرانيا    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ضبط 20124 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل    التواصل الحضاري ينظم ملتقى التسامح السنوي    "ديوان المظالم" يقيم ورشة عمل لبوابة الجهات الحكومية    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    إمام المسجد النبوي: استبصار أسباب الفلاح يؤدي إلى السعادة    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    اتحاد القدم يحصل على العضوية الذهبية في ميثاق الاتحاد الآسيوي لكرة القدم للواعدين    الاخضر يدشن تدريباته في جاكرتا لمواجهة اندونيسيا    تدريبات النصر: بيولي يستدعي 12 لاعبًا شابًا    74 تشكيليا يؤصلون تراث وحضارة النخلة    توقيع مذكّرة تفاهم بين السعودية وتونس لتشجيع الاستثمار المباشر    المملكة تتسلم رسمياً استضافة منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات 2026 في الرياض    ضبط يمني في الدمام سكب الأسيد على آخر وطعنه حتى الموت    الزفير يكشف سرطان الرئة    تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد لعلاج القلب    القهوة سريعة الذوبان تهدد بالسرطان    مسلح بسكين يحتجز عمالاً داخل مطعم في باريس    قوافل إغاثية سعودية جديدة تصل غزة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    الأحساء وجهة سياحية ب5 مواقع مميزة    «هلال نجران» ينفذ فرضية الإصابات الخطيرة    خطأ في قائمة بولندا يحرم شفيدرسكي من المشاركة أمام البرتغال بدوري الأمم    حسن آل الشيخ يعطّر «قيصرية الكتاب» بإنجازاته الوطنيّة    المواصفات السعودية تنظم غدا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله أنس رفيق "أسد بانشير" يروي ل"الحياة" فصولاً من تجربته الأفغانية . مسيرة 40 يوماً إلى مزار الشريف بينها 3 أيام بلا كلام و"مواجهة" مع الهزارة اغتالوا ذبيح الله قبل أن نلقاه وراحوا يرددون إسم "الأمير المحترم" أحمد شاه مسعود الحلقة الثانية
نشر في الحياة يوم 31 - 10 - 2001

} يروي عبدالله أنس في هذه الحلقة الثانية قصة رحلته الأولى ضمن قافلة المجاهدين الأفغان الى مزار الشريف وتأسيس "مكتب الخدمات". وكان تحدث في الحلقة الأولى عن أول لقاء مع الشيخ عبد الله عزام في مكة المكرمة ثم انتقاله إلى باكستان حيث بات عنده استعداداً للانتقال إلى أفغانستان.
كان الشتاء على الأبواب عندما استعدت القافلة لعبور الحدود الباكستانية الى داخل أفغانستان. اشتريت بعض الملابس لأتقي بها صقيع الشتاء الأفغاني القارس. انطلقنا. لكنني لم أكن أعرف حجم المغامرة التي أُقدم عليها. سرنا 40 يوماً. كانت الثلوج تتساقط علينا، والبرد يخترق العظام. توفي إثنان أو ثلاثة معنا في القافلة من شدة البرد. ولكن لم يكن من مفر سوى متابعة الرحلة على رغم كل الصعاب. فالعودة الى باكستان مستحيلة.
وعلى رغم كل هذه المصاعب، كنا نشعر بسعادة عجيبة. كانت تغمرنا السعادة لأننا، على أقل تقدير، نساهم مع هؤلاء الأفغان الشجعان الذين بدأوا الجهاد قبلنا بخمس سنوات، وما زالوا صامدين على رغم كل العظمة العسكرية للإتحاد السوفياتي.
في الطريق الى مزار الشريف، دخلنا منطقة تُدعى هزاراجاد، وهي للشيعة في وسط أفغانستان. أذكر انني لم أكن أعرف الفارسية بعد، وكان معنا مترجم هو نفسه يحتاج الى مترجم لكي يفهم علينا ويُفهمنا ماذا يحصل. كان يسألنا، مثلاً: هل تريدون بيضاً؟ لكننا لم نكن نفهم ماذا يقصد.
في هزاراجاد، انتحى بي جانباً قائد القافلة. كان عمره 24 سنة، ويُدعى ظريف وهو ظريف فعلاً. تأثرت به. أعجبني انه لا يزال في سن الشباب ولم يدرس في كليات حربية لكنه على رغم ذلك يتحمل مسؤولية قافلة تضم 300 مجاهد محمّلة بالسلاح والذخائر يريد أن ينقلها من باكستان إلى مزار الشريف على حدود روسيا تقريباً. كنت أنظر إليه نظرة إكبار، ولا أدري ما الذي حصل له. إذ لم أره بعد تلك القافلة.
جاءني قائد القافلة وكلّمني بحكم أنني "أمير" الأخوة العرب. قال: في هذه المناطق عليكم لمدة ثلاثة أيام ان تسيروا بلا كلام. لا بد من ان تُغيّروا أيضاً القبعات التي على رؤوسكم وتضعوا عمائم محلها. وعلى رغم صعوبة الفهم بيننا، فهو لا يعرف العربية جيداً ونحن لا نعرف لغته، لكننا فهمنا ان هناك رسالة يريدنا ان نستوعبها وهي ليست في مصلحتنا. بالتكرار، فهمنا انه يقول لنا اننا الآن في مناطق الشيعة والسكان لا يحبونكم، وانهم لو عرفوا انكم من العرب فسيعطّلون القافلة بسببكم.
وحتى الآن لا أفهم ذلك التغيير. إذ كنا قبل دخولنا مناطق الشيعة نشتري رغيف الخبر بثلاث روبيات، أي أقل بكثير من بنس أميركي واحد. لكننا عندما دخلنا مناطق هزاراجاد صرنا نشتري رغيف الخبر بثلاثين روبية. عجبنا لذلك. عجبنا ايضاً عندما رأينا هذه المناطق خضراء والورشات فيها مفتوحة والحياة فيها تدب، في حين تعاني بقية أفغانستان من الدمار. لكن ذلك بالنسبة إلي لم يكن يعني شيئاً. فأنا جئت من منطقة ليس فيها عرق طائفي، ولا أديان أخرى. في الجزائر، الحمد لله، الجميع مسلم، وليست عندنا مشكلة المجتمعات التي تتكون من عرقيات وطوائف ومذهبيات مختلفة.
ثلاثة أيام بلا كلام... وتحقيق!
في أي حال، كنا نسير في تلك المناطق ونحن صامتون. ثلاثة أيام كنا مثل "الأطرش بالزفّة"، لا نعرف ما الذي يدور حولنا. كنا نتناول عشاءنا الأخير في هزاراجاد. كان الوقت ليلاً عندما وصلت فرقة تفتيش الى المطعم. وعندما أقول مطعم، فهذا الإسم يجب ان يُوضع بين قوسين. فهو في الحقيقة أشبه بزريبة مُغطاة بالزنك وفيها إبريق شاي يغلي. وعندما نقول "عشاء" فالمقصود هو "الشاي والخبز"، الذي كان طعامنا في معظم الأيام ال40 لرحلتنا.
توجهت مجموعة المفتشين، وهم من القادة المحليين المسؤولين عن تلك المنطقة، إلى قائد القافلة ظريف: "معكم أجانب هنا"، قال: ليس بيننا أجانب. قالوا له: بل بينكم أجانب. إقتربوا مني وقالوا: تكلّم بالفارسية. التزمت الصمت. فعرفوا أنني أجنبي، وطلبوا مني ان أسير معهم.
سرنا قرابة عشر دقائق. ادخلوني الى مركز قيادتهم. رأيت شباباً من الهزارة الشيعة وعلى الحائط وراءهم صورة ضخمة للإمام الخميني تغطّي الحائط كله. قال لي واحد منهم وكان يتكلم العربية واعتقد بأنه قائدهم إذ جلس في صدر المجلس والناس تقف إلى يمنيه وشماله: من أين انت؟ قالها باللهجة المفخّمة. أجبته: أنا جزائري. فسألني: كيف تدخل أفغانستان من دون تأشيرة؟ قلت له: لا أعرف انني احتاج الى تأشيرة. ففي أفغانستان نظام خاضع للروس، وشعب أفغاني يقاوم ليحرر أرضه. ونحن دخلنا مع هؤلاء الذين يريدون تحرير أرضهم. لم أعرف أن عليّ أن أحصل على تأشيرة منكم أيضاً. فقال: لا بد لك من أن تحصل على تأشيرة لتدخل أفغانستان، ولا بد لك من إذن حتى تدخل مناطقنا. فقلت له: حصل ما حصل، فماذا عليّ أن أفعل؟ قال: لا بد من ان ننظر في أمرك.
شعرت بأن الأمر قد يزداد تعقيداً ولا يستطيع المجاهدون نصرتي. إذ عليهم ان يسيروا في منطقة هازارجاد قرابة سبعة أيام قبل الوصول الى منطقة لا تخضع لهؤلاء القوم الهزارة. وبالتالي فإن قافلتنا، وإن ضمت 300 مقاتل لا يمكنها أن تنصرك لأنها ستخسر المعركة في النهاية. إذ يمكن أن يقطع الهزارة الطريق وتُحاصر القافلة.
فكّرت في الأمر. ألهمني الله ان أقول لقائد مجموعة الهزارة: حسناً، قبل أن آتي الى أفغانستان كنت في الجزائر. وهناك كنا نقرأ أن الإمام الخميني إمام المستضعفين. وأنا انسان مستضعف الآن. كنت أظن أنني سأكون ضيفاً على الشعب الأفغاني.
فنظر اليّ وقال: تعرف تتكلم!... وبعد ذلك، لان الجو. وقال لي: إذهب خلاص. أكمل طريقك مع القافلة.
ذبيح الله ومزار الشريف
بعد مسيرة 40 يوماً وصلنا الى حدود الولاية التي تقع فيها مزار الشريف. كُنت قد ابتليت بتورم أظافري بفعل الثلوج. فأوصلوني الى النقطة الأولى من نقاط الجمعية الإسلامية وتركوني فيها. إذ لا يمكن ان تنتظرني القافلة، فعليها أن تسير مسافة ثلاثة أيام أخرى للوصول الى وجهتها في قلب الولاية.
لدى وصولنا الى حدود الولاية بدأ المجاهدون يُكبّرون ويُطلقون النار فرحاً. قالوا لي: سنأخذكم الى بيت قاري إبراهيم. وهو أحد قادتهم في المنطقة. أخذوني الى بيته وبدأوا يبحثون عن طبيب أو دواء لمعالجتي. لكنهم لم يجدوا شيئاً. فوضعوني في الفراش وأتوا بمادة مصنوعة من العنب يخزّنونها. وضعوا لي منها على أظافري وضمّدوا قدمي وقالوا: الله يشفيك. وغادروا.
بقيت هناك ثلاثة أيام حتى خفّ الألم. تابعت الرحلة مع بعض الشباب والتحقنا بالقافلة الى وجهتها النهائية. كنت أسمع طوال الرحلة - في أيامها الأربعين - بزعيم اسمه ذبيح الله هو "أمير" ولاية مزار الشريف. وكان تحت إمرته قرابة تسعة الآف مجاهد. كنت اُلاحظ طوال الرحلة المجاهدين يتلهّفون للوصول الى مزار الشريف لرؤية ذبيح الله. عجبت لدرجة تعلّق هؤلاء المجاهدين بقائدهم. ولكثرة تهلّفهم اليه، صرنا نحن العرب أيضاً متلهفين لرؤية هذا الأسطورة. ذبيح الله، ذبيح الله. كنا نسمع بهذا الإسم على الدوام. وكنا كلما دخلنا منطقة او منزلاً نسمع بإسمه أيضاً. كل شخص في المنطقة كان يمتدحه ويذكره بإجلال.
فجأة بدأ العويل والبكاء. ارتبكت القافلة. لم نكن نعرف شيئاً عما يحصل. فاللغة جديدة، وكذلك العادات والتقاليد. فقال لي "أبو أُسيد السوري": لا أدري ما الذي حصل لهم؟ الأمور تغيّرت.
بدأنا نحاول ان نحشر أنفسنا في ما يحصل علّنا نسمع خبراً يشرح لنا ما الخطب. لكنهم أخفوا عنا كل شيء. كنا نقترب منهم ويكونون ثلاثة أو أربعة جالسين بعضهم إلى بعض، لكنهم ما ان يلحظوا وصولنا حتى يمسحوا دموعهم ويصطنعوا البسمات. ربما لم يريدوا إقلاقنا. لكننا عرفنا أن شيئاً كبيراً حصل.
بعد وصولنا الى مزار الشريف، استقبلنا أميرها بالنيابة مولوي علم، وكان عالم دين تخرّج من كلية الشريعة في كابول. لكنه أخفى عنا الخبر أيضاً. كنا نقول: أين ذبيح الله؟ نريد ان نرى ذبيح الله. كل الطريق والناس تتكلم عنه، والآن بات لنا أربعة أيام في الولاية ولم نره. أين الأمير؟
أخفوا الأمر علينا حتى أعلنه زعيم الجمعية الإسلامية برهان الدين رباني من مقر قيادة حزبه في بيشاور لوسائل الإعلام. قال إن ذبيح الله تعرّض لعملية اغتيال بتفجير سيارته. كانت المنطقة كلها في حداد. كنا نسمع عويل النساء من داخل بيوتهن، على رغم شدة محافظة الشعب الأفغاني. هول الصدمة كان عظيماً. أدركت ما هي قيمة هذا الرجل العظيم في منطقته، والى اي حد تقدّره الناس. بقينا معهم وحزنا معهم. واتُفق على تعيين مولوي علم أميراً خلفاً لذبيح الله، وتشكّلت الجبهة من جديد.
بعد فترة بدأنا نعي ما يحصل من حولنا، إذ بدأت فارسيتنا تتحسن. صرنا نقدر ان نضع كلمة الى جانب أخرى، ونوصل معنى ما نريده... بعد تكرار الجملة عشرات المرات.
"أمير صيب"
إضافة الى تقدير المجاهدين لذبيح الله، الأمير المباشر للمنطقة، لفت انتباهي ان هناك إسماً آخر يُطرق باستمرار الى جانب اسمه. كانوا يكررون دوماً عبارة "أمير صيب"، ولكن من دون تحديد المقصود. "أمير صيب" تعني "الأمير المحترم"، وهي كلمة بالفارسية تعني "أمير صاحب"، والكلمة الأخيرة يلفظها الأفغان "صيب". لكنهم لم يكونوا يذكرون إسم هذا "الأمير المحترم". سألت مولوي علم، الأمير الذي خلف ذبيح الله: من المقصود ب"أمير صيب"؟ فإجابني: يقصدون أحمد شاه مسعود.
وتبيّن لي أن هذا الرجل لا يقلّ تأثيراً عن ذبيح الله. فقلت لمولوي علم: أين يقبع أحمد شاه مسعود؟ ولم أكن حتى ذلك الوقت قد سمعت باسمه. فقال لي: أحمد شاه مسعود قائد عظيم، دوّخ الروس في أفغانستان، وجبهتنا كلها تأتمر بأمره، وهو الذي درّب ذبيح الله وهو أستاذه في الجهاد.
فكّرت في الأمر ووجدت ان ذبيح الله الذي كنت أشعر بأنه الأول والأخير في افغانستان، يذوب أمام رجل آخر اسمه أحمد شاه مسعود. وكنت بدأت أدرك في تلك الأيام الأولى من وجودي في شمال أفغانستان أن هناك نوعاً من الخلافات داخل جبهة مجاهدي الجمعية الإسلامية. تبيّن لي أن هناك خلافاً بين ثلاث شخصيات على قيادة الجبهة خلفاً لذبيح الله: مولوي علم الأمير العالم، وعلم خان القائد العسكري في أيام ذبيح الله، وعلم خان آخر كان نائب ذبيح الله.
وقع خلاف بين الثلاثة على من يخلف ذبيح الله: العالم مولوي، القائد العسكري، أم نائبه الفعلي. وكان هناك قائد قوي في المنطقة يدعى مولوي عبدالله عالم، وكان قاضي الجبهة. كانت شخصيته قوية جداً، واستطاع حسم الخلافة لمصلحة مولوي علم. لكن هذا لا ينفي ان الجبهة كانت بالفعل بدأت تشهد تفككاً. فالانسجام أيام ذبيح الله الذي كان يأتمر بأمره تسعة آلاف مجاهد، بدأ يتفكك. وعلى رغم تعيين أمير من الناحية الإدارية، إلا ان الولاءات على الأرض كانت اهتزت.
كنت لا أزال جديداً بينهم، لكنني أدركت ان الأوضاع لا تسير في مسارها الصحيح. فخطر في بالي مسعود، هذا الرجل الذي ذُكر اسمه أمامي والذي يحظى بهذا القدر من الإعجاب وهو محل إجماع حتى عند هؤلاء الثلاثة المختلفين بحكم أن أباهم الروحي ذبيح الله، قائدهم المحنّك، هو نفسه يذوب في مسعود. قلت إن الثلاثة سيأتمرون تلقائياً بأمر مسعود. فخطر في ذهني أن أطلب منهم نقلي على جناح السرعة لأرى مسعود واطلعه على المشكلة التي قد تقع في المستقبل وبسببها يمكن ان تتفكك الجبهة.
رجعت الى مولوي علم وقلت له: هل يمكن ان ترسلني الى أحمد شاه مسعود. فقال: كيف تذهب الى مسعود؟ نحن الآن في فصل الشتاء، وإذا أردت الانتقال الى بانشير فإنك ستقضي 15 يوماً لتصل. الطريق شاقة ويمكن أن تموت في الطريق. يمكن ان تسقط في مكمن روسي. يجب ان تقطع خمس ولايات من مزار الشريف للوصول الى بانشير. بعد مزار الشريف، هناك ولاية جوجيزان وقُندز وباميان وتاخار قبل الوصول الى مسعود في بانشير. أجبته: لا بد من أن أذهب. لكنه منعني من السفر.
فتبيّن لي ان الأمر أكبر بكثير منا، نحن العرب الثلاثة الذين جئنا مع القافلة. كنا ثلاثة شباب ليس لديهم خبرة ولا تدريب ولا مال. ففكّرت في أن المشاركة في الجهاد أكبر من مستوانا بكثير. ما يحتاج الىه الشعب الأفغاني، سواء في بعده التثقيفي او التعليمي او الإغاثي او الدعوي او حتى الحربي، هو مشاركة أقوى وأعلى من مستوانا.
قررت، بعدما منعني من الذهاب الى مسعود، أن أعود الى بيشاور على وجه السرعة. لم يكن هناك مفر من ذلك، فالأوضاع كانت على حافة الانفجار، وتيقّنت ان قيمة مشاركتنا في الجهاد الأفغاني، نحن العرب، سطحية جداً ولا تكفي، وان لا بد من مخاطبة العالم الإسلامي ليتحمّل مسؤوليته. فالقضية الأفغانية أكبر من خمسة عرب أو 25 عربياً أو 50 عربياً. كنت أُفكّر في أن أشرح هذا الأمر للشيخ عبدالله عزام على أن ينقل هو هذه الصورة الى العالم العربي والإسلامي، ويطلب مزيداً من الدعم للقضية الأفغانية.
قال لي مولوي علم: إذا كنت مصراً سنجهز لك قافلة تُعيدك الى باكستان. ليست قافلة كاملة وانما سبعة رجال أو ثمانية يكونون بمثابة دليل في الطريق. فقلت له: قبل أن أعود الى باكستان وفي انتظار ترتيب أمر القافلة، عندي تعليمة من الشيخ عبدالله عزام تنص على ضرورة ان آتي بصورة كاملة عن قادة "الحزب الإسلامي" و"الاتحاد الإسلامي" والحركات الأخرى الناشطة في المنطقة، لئلا تقتصر الزيارة على قادة "الجمعية الإسلامية" فقط.
أعطاني مولوي علم حصاناً ودليلاً. وقال ان مولوي عبدالسلام، أمير "الحزب الإسلامي" بقيادة غلب الدين حكمتيار، يسكن في المنطقة الفلانية التي تبعد ثلاثة أيام ركوباً على ظهر الحصان. ذهبت اليه. كانت المناطق التي نقطعها كلها جبلية. ليست فيها طرقات، ولا كهرباء. لا شيء. وكان هو على علم بأن قافلة من العرب وصلت الى أفغانستان، وكان على أتم الاستعداد لاستقبالنا. وما أن وصلنا الى الوادي حتى بدأوا بإطلاق النار فرحاً بنا. سألنا مولوي عبدالسلام، وكان يتكلّم العربية، عن الأوضاع في بيشاور وعن حكمتيار. ومن خلال حديثه، أدركت أمراً ثانياً وهو أن قادة "الحزب الإسلامي" متعلّقون بحكمتيار تعلّق مؤيدي "الجمعية الإسلامية" بذبيح الله ومسعود. كانت صور حكمتيار في كل مكان. وأشرطة محاضراته تُسمع كل يوم في المغاور والجبال حيث مراكز "الحزب الإسلامي". بقيت مع "الحزب الإسلامي" ثلاثة أيام وتعرفت إلى حجمهم وتنقلت معهم في جبهاتهم، واستطعت ان أكوّن صورة أوضح عن أفكارهم وطريقة عيشهم.
كذلك ذهبت في زيارة أخرى الى مولوي جمعة، وهو أحد القادة التابعين للشيخ سيّاف في المنطقة. وكان الشيخ عزام، عندما كنت في بيشاور، عرّفني إلى عبد الرسول سيّاف بصفته "أمير المجاهدين" في ذلك الوقت، لأنهم بايعوه في مكة المكرّمة بعدما فُتحت لهم الكعبة. وعلى هذا الأساس، كان الشيخ عزام يأخذنا تلقائياً الى سيّاف. لكن هذه الصورة تغيّرت خلال وجودي في داخل أفغانستان، ورأيت ان الثقل الحقيقي هو ل"الحزب الإسلامي" و"الجمعية الإسلامية" وليس لسياف.
العودة الى بيشاور
رجعت الى باكستان. استغرقت الرحلة هذه المرة 30 يوماً وليس 40. فالقافلة المحملة بالأسلحة يختلف تنقلها عن تنقل مجموعة صغيرة من ثمانية أشخاص.
وجدت أن الأوضاع تغيّرت في باكستان. استغرقت رحلتي كلها قرابة أربعة شهور فقط. لكنني عندما رجعت وجدت الأمر تغيّر. فالشباب الذين تركناهم في بابي بين الأفغان وجدناهم في بيشاور قد فتحوا مضافة مستقلة للعرب اسمها "مضافة أبي عثمان". والمضافة تعني بيتاً خاصاً. كان العرب قبل ذهابنا الى مزار الشريف ينزلون عند الشيخ سياف في قريته بابي، وكان عددهم لا يتجاوز ال15. لكنهم الآن بات لهم بيتهم الخاص، كما ان عددهم ارتفع الى .7 أو80 شخصاً.
رجعت الى الشيخ عبدالله، رحمه الله، وكانت فرحته لا توصف. فهو يرى أول شخص عربي يعود من قافلة أرسلها إلى داخل أفغانستان، وها هو يروي الآن أمامه الصورة الكاملة الحقيقية للوضع في الداخل. نقلت إليه الصورة، وشرحت له من هو مولوي علم ومولوي عبدالسلام وقادة الجهاد الآخرين في شمال أفغانستان.
وكان من بين الأمور التي حصلت انه أخذني إلى برهان الدين رباني، زعيم "الجمعية الإسلامية". فقال لي: كيف رأيت جبهاتي في الداخل؟ لم يكن رباني قادراً في ذلك الوقت على الانتقال الى الداخل. وكان المقاتلون بمعظمهم لا يعرفون قادتهم. وبعض الأمراء كان يجاهد منذ سنوات ولم يلتق أميره أبداً. قادة الجهاد الأفغاني كانوا متمركزين في باكستان مثل سياف وحكمتيار ورباني، وكان ارتبطاهم بقادة الجبهات في الداخل عبر موفدين في معظم الأحيان. كان الموفد يأتي من الجبهات الى بيشاور ويلتقي قادة الجهاد ويحمل التعليمات الى الداخل.
قال لي رباني: كيف رأيت قادتي هناك؟ فقدّمت إليه صورة عمّا رأيت. لكنني قلت له إنني أخشى ما يمكن ان يحصل مستقبلاً. فهناك ثلاثة أسماء مطروحة لخلافة ذبيح الله، ولكل منها قوتها واحترامها وهيبتها بين المجاهدين في صفوف الجمعية في مزار الشريف. وقلت له إنني أخشى أن ينفجر الوضع بين الثلاثة - وهم مولوي علم وعلم خان وعلم خان نائب ذبيح الله - وتتأثر بذلك الجبهة برمتها، وهو أمر يمكن ان يستغّله الروس. فقال لي: إنني أتابع هذا الأمر بقلق، فماذا تقترح؟ قلت له إنني لا أزال شاباً صغيراً لا أعرف ماذا اقترح، ولكن ما يمكن ان أقوله هو ان مولوي علم إنسان لا غبار عليه. فقال انه يفكّر في تشكيلة معيّنة لإرضاء الخواطر: ان أُبقي مولوي علم في منصبه أميراً على المنطقة، وعلم خان في وضعه القديم قائداً عسكرياً، وأسحب علم خان نائب الأمير وليس القائد العسكري وأرسله ليمثّل الجمعية الاسلامية في مكتبنا في القاهرة. ولم تكن مصر آنذاك تمانع في الجهاد الأفغاني، بل كانت تقدّم إليه الدعم. وأذكر انني وجدت على بعض الجبهات شباباً يفضّلون الكلاشنيكوف المصري على الصيني.
العرب قطرة في بحر
قدّمت إلى الشيخ عزام تقريراً مفصلاً عن زيارتي، وقلت له: يجب أن تعلم أن مشاركة العرب في أفغانستان هي قطرة في بحر. إن الأموال التي في أيديكم لا تكفي لإطعام جبهة واحدة ليوم واحد. وكان الشيخ عبدالله أعطاني عندما ذهبت الى أفغانستان مساعدة مقدارها مئة الف روبية باكستانية لإعانة المجاهدين. وبالكاد غطّى المبلغ نفقات رحلة القافلة الى الداخل. إذن، كان واضحاً ان مساعدات العرب للأفغان لم تكن بشيء.
وقلت له أيضاً: الأمر أكبر بكثير من الإمكانات التي عندنا. الجهاد يحتاج الى مساعدات أكبر وأعداد أكبر والى نوعيات قبل العدد. ان الشعب الأفغاني متعصّب للمذهب الحنفي ولا يعرف شيئاً عن المذاهب الأخرى. وبالتالي، فإن على أي عربي أن يفهم هذا الوضع قبل دخوله أفغانستان. ولا بد، أولاً، من دعاة قادرين على الدعوة الإسلامية بالحكمة والتفتح، وعلى قدر كاف من الذكاء واللباقة. إذ ليس كل خطيب داعية. لا بد من داعية ذكي لبق قادر على التعامل مع مجتمع معقّد وسطحي مثل المجتمع الأفغاني. ثانياً، يجب ان تكون لدى الدعاة قدرة على إصلاح ذات البين. فللأسف، إضافة الى قتال المجاهدين الروس داخل أفغانستان، إنهم يتقاتلون أيضاً في ما بينهم. اننا بحاجة الى أشخاص قادرين على تقريب وجهات النظر بين الحزب الإسلامي والجمعية الإسلامية خصوصاً. لأن أكبر المشاكل داخل أفغانستان كانت بين هذين الحزبين بحكم الندية. وقلت، ثالثاً، ان علينا جلب مزيد من الإغاثة الى الشعب الأفغاني لأن ما يُقدّم اليهم ليس سوى قطرة في بحر.
وأذكر انه قال لي: إذن، لا بد من أن تذهب معي في موسم الحج عام 1985. فهناك سأعطيك الكلمة للتحدث أمام رابطة العالم الإسلامي في مكة، ويجب أن تنقل هذه الصورة إلى العلماء.
"مكتب الخدمات"
ثم كشف لي الشيخ عبدالله أنه أسس، خلال غيابي في الشمال الأفغاني، مكتباً أُطلق عليه اسم "مكتب الخدمات"، وكانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها بمكتب الخدمات. قال: أسسنا مكتب الخدمات نحن ومجموعة من الأخوة في غيابك، وكان بينهم أسامة بن لادن. أسسنا المكتب لتنظيم مشاركة العرب في الجهاد الأفغاني. لا نريد إبقاءهم في المضافات الأفغانية المتفرقة. نريد ان نجعل لهم مواقع مستقلة فتكون مشاركتنا مع الجميع وليس مع طرف واحد ضد الآخر.
ثم شرح لي هدف تأسيس المكتب قائلاً: الشعب الأفغاني منقسم إلى سبعة أحزاب، وإذا بقي الأمر كما هو الآن، أي ان يشارك العربي مع من يشاء من فصائل المجاهدين، فإن خلافات الأفغان في ما بينهم ستنعكس على العرب الذين سيختلفون بالتالي في ما بينهم. وأداؤنا هنا بدل ان يكون ايجابياً سيتحول مشاركة سلبية. فالدعاية المضادة التي يقوم بها هذا الحزب ضد الحزب الآخر سيتبناها العرب الذين مع هذا الحزب. وفي الوقت ذاته فإن العرب الذين يقاتلون مع الجانب الآخر سيحملون الدعاية المضادة نفسها ضد الآخرين. وإذا تأثر العرب في كلا الطرفين بأفكار الأحزاب التي ينتمون اليها فإن الخلاف سينتقل بدوره الى العرب الذين سيكونون مشكلة على الشعب الأفغاني بدل أن يكونوا عاملاً مساعداً لقضيتهم. ومن هنا، لما كانت المهمة صعبة جداً فإنها كانت أيضاً تحتاج الى أشخاص خاصين لكي يقوموا بهذا الأمر.
وأضاف: على هذا الأساس أسسنا مكتب الخدمات لينظّم المشاركة في أي عمل داخل أفغانستان، ويجب ان يمر عبر المكتب ليفهموا الأفغان اننا جئنا الى داخل أفغانستان للوقوف الى جانب شعبهم برمته وليس الى جانب حزب ضد آخر.
من هنا جاءت فكرة تأسيس "مكتب الخدمات" في أواخر 1984 ومطلع 1985. تأسس المكتب ليقوم بهذه الأبعاد الثلاثة: إغاثية وإصلاحية ودعوية. بدأ المكتب بفتح معاهد ومدارس في داخل أفغانستان، كما فتح معاهد دينية للإفغان الذين فروا الى باكستان وكان عددهم يُقدر بثلاثة ملايين. وبالنسبة الى البُعد الإغاثي تولّى المكتب كفالة مئاف الآلاف من الأيتام والأرامل. طبعاً، لم يكن المؤسسة الإغاثية الوحيدة في بيشاور. إذ كان هناك الهلال الأحمر السعودي والهلال الأحمر الكويتي. وكانت هناك مؤسسات إغاثية غربية من بريطانيا وفرنسا وأميركا والمانيا.
لكن ثمة فرقاً كبيراً بين العمل الإغاثي الذي يقوم به "مكتب الخدمات" والعمل الذي تقوم به مؤسسات الإغاثة الأخرى. فهذه كانت كلها ابتعاثية، أي ان المسؤولين عنها مبتعثون من قبل حكوماتها لفترة محددة، قد تكون سنة أو سنتين أو ثلاثة. أما "مكتب الخدمات" فكانت مهمته تنظيم المتطوعين وليس المبتعثين. المؤسسات الأخرى كانت تمتلك إمكانات كبيرة لأنها كانت مبتعثة من دول. لكن مشكلتها انها لم يكن عندها متطوع ينقل المساعدات الى المحتاجين داخل أفغانستان. فكان لا مفر أمامها من التعامل مع المكتب الذي كان بمثابة "اليد الضاربة" التي تنقل المساعدات الى الداخل. فإدخال الأدوية أو البطانيات او الملابس او المساعدات العينية الى الداخل ليس رحلة أو جولة سياحية. إذ يمكن ان تموت وتفقد قافلتك كلها. وبالتالي كان ضرورياً وجود متطوع جاء قبل أي شيء آخر ليستشهد. وهذا الفرق بين المبتعث والمتطوع. الأول مبتعث من دولته ليمضي سنة او سنتين في ساحة بيشاور، بسيارة خاصة وحرس ومفتاح المخازن في بيشاور. المساعدات كانت تأتي بالطائرات من العالم العربي لكنها كانت تُخزّن في بيشاور، وهناك مسافة طويلة لنقلها الى داخل أفغانستان.
المبتعث يكون متعهداً لدولته ان يمثّلها في بيشاور. لكنه ليس مستعداً للذهاب عبر الحدود على رجليه الى قندهار ومزار الشريف في رحلة قد تكلّفه حياته. ومن هنا كان لا بد من العنصر العربي، لأن رأس الأمر فيه هو انه جاء للشهادة في سبيل الله. وبالتالي فإنه في طريقه الى داخل الجبهات في أفغانستان كان ينقل معه ألف بطانية أو خمسين ألف حذاء أو مستشفى متحركاً. نقل الإغاثات كان مهمة ضمنية ضمن مهمته داخل أفغانستان.
على هذا الأساس، كانت مهمة مكتب الخدمات فعالة جداً. وكان الشيخ عبدالله عزام، رحمه الله، يحاول دائما الحفاظ على هذا الكيان لئلا يدخل وينشغل في معارك جانبية أخرى غير الجانب الأصلي الكبير الذي جئنا من أجله وهو ان نقف الى جانب الشعب الأفغاني وننصره ونساهم في تعليمه وإغاثته وان لا نغرق في المفاسد التي تحصل بين فصائله.
ولذلك حُصر عمل "مكتب الخدمات" بثلاث مهمات إغاثية إصلاحية ودعوية كان الشيخ عبدالله لا يقبل دونها أي تفريع. فقد كان هناك بعض الشباب يقولون أحياناً: لماذا لا تُجري لنا دروساً في المضافات في بعض المواضيع مثل الولاء والبراء وتكفير هذه الحكومة أو تلك. وكان يرد: انتم يا أخوة منّ الله عليكم بأن تأتوا الى هذه الأرض للجهاد في سبيل الله، وهذا الشعب الأفغاني بحاجة الى مساعدتكم التي لا تُقدّر بشيء في الأصل وإنما هي لمصلحتكم انتم قبل ان تكون في مصلحتهم هم. فلا تُفرّعوا معركتكم. حُكّام العالم لا يهموننا. معركتنا هنا محصورة بأفغانستان.
لم يكن الشيخ عبدالله مهتماً سوى بالقضية الأفغانية. كان يذهب الى السعودية ويخطب في مساجدها علناً ويجمع التبرعات بالملايين. وكان المسؤول عن البريد في "مكتب الخدمات" ينزل كل يوم الى مكتب البريد ويأتي بعشرات الرسائل تضم شيكات الواحد منها بعشرة او عشرين الف دولار من التبرعات التي تأتي من السعودية. وحتى السلطات السعودية كانت تُقدّم خصماً مقداره 75 في المئة من تذاكر السفر لمن يريد الذهاب للجهاد في أفغانستان.
إذن في ذلك الوقت، لم يكن "مكتب الخدمات" ذلك المكتب الخطير. كان رئيسه الشيخ عزام يصول ويجول في المملكة والخليج. وكان يزور كل سنة أميركا لحضور المؤتمرات ويُكلّم المسلمين الأميركيين عن الجهاد الأفغاني. وكانت مكاتب المجاهدين، مكاتب حكمتيار ورباني وغيرهما، منتشرة في أنحاء العالم الغربي. لم يكن هناك آنذاك غبار على الجهاد الأفغاني الذي يُريدون تصويره الآن بُعبعاً يُهدد العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.