تنبع المفاهيم الأمنية للدولة العظمى من كيفية وعيها لذاتها، لمصالحها، ومن كيفية ادراكها للآخر كائناً من كان. فتكوّن نتيجة لذلك صورها الذهنية الخاصة بها، وتتصرف على هذا الأساس، لتنتج الاستراتيجيات ووسائل تطبيقها. يعكس التطبيق على ارض الواقع الصورة الحقيقية للأمور، وهي حتماً ليست كما توقعتها الدولة العظمى في صورها الذهنية، فتحاول التعديل وتصحيح المسار اذا استطاعت امراً لذلك. لم يستطع الاتحاد السوفياتي السابق تصحيح مساره عندما عكس الواقع الصورة الحقيقية لوضعه، فكان خيار الانسحاب من المنافسة. يتجلى وعي الدولة العظمى لذاتها عادة في الخطاب السياسي لنخبتها، الذي يحدد عادة الأهداف والاستراتيجيات المنافسة. لذلك سنستعرض بعضاً من الخطاب السياسي النخبوي الأميركي. قال الرئيس جورج واشنطن عام 1781 للقائد الفرنسي لافاييت: "من دون قوة بحرية لا يمكننا القيام بأي شيء حاسم. ومعها يمكننا القيام بكل شيء مشرّف ومجيد". يعكس قول الرئيس واشنطن وعيه لأهمية السيطرة على الطرق البحرية، ليندرج القتال بين الدول القارية والبحرية، على مثال اسبارطة وأثينا، الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي. في العام 1822 أطلق الرئيس مونرو عقيدته، التي تقوم على تحذير القوى الأوروبية الكبرى من التدخل في نصف الكرة الغربي، فهي منطقة نفوذ للولايات المتحدة. في العام 1840 كتب جون أو سوليفان مقالاً شهيراً حدد فيه مهمة الولاياتالمتحدة تجاه البشرية، دُعي هذا المقال بالمانيفست. اعتبر الكاتب ان قيام اميركا، بغير قيام تاريخ جديد. وان قدر هذه البلاد ان تكون في المستقبل أمة عظيمة. انها أمة مؤلفة من أمم قدرها ان تنقل الى العنصر البشري أينما كان "المبادئ الإلهية". انها قبلة الأنظار ... قدر اميركا انها اختيرت لضرب الطغاة ونشر مبادئ الحرية والمساواة. شكّل هذا البيان "المانيفست" الدفاع الأساس الذي غيّر وجه اميركا. فمن مستعمرات عددها 13 انحصرت في شرق القارة، ابتدأ التوسع على الصعيدين الداخلي والخارجي. الداخلي، بعد القضاء على السكان الأصليين. الخارجي، بعد ان سعت اميركا الى السيطرة على البحار، وهذا ما يعيدنا الى ما قاله جورج واشنطن آنفاً. بعد أن وعى الأميركيون قدرهم، وبعد ان ساعدتهم جغرافيا البلاد وثرواتها، اعتبروا أنفسهم لا يُقهرون Invincible. فهم لم يُقهروا في عقر دارهم ابداً، لأن المصادفة الجغرافية حمتهم بمحيطين من الشرق والغرب. فتحولت بذلك هذه الطاقة من الداخل الى التوسع الخارجي. الاستثناء الوحيد هو في الحرب ضد الانكليز عام 1812، عندما أحرق الانكليز واشنطن والبيت الأبيض، تاه على اثرها الرئيس جايمس ماديسون واحتار الى اين يلجأ، على غرار ما حصل مع بوش في 11 أيلول سبتمبر. أطلق الرئيس هاري ترومان عقيدته عام 1947 خلال خطاب كان يلقيه في الكونغرس. قامت عقيدة ترومان على دعم الدول الحرة التي ترفض الاذعان للضغوط الخارجية. فما كان من الكونغرس إلا ان وافق له على الدعم المالي المطلوب لكل من تركيا واليونان. أدت هذه العقيدة وبطريقة غير مباشرة الى تبنّي اميركا لأمن الشاطئ الشرقي للمتوسط. تبنّت الولاياتالمتحدة استراتيجية "الاحتواء" للاتحاد السوفياتي، وهي الاستراتيجية التي اقترحها الديبلوماسي جورج كينان، من خلال مقال كتبه في مجلة "فورين أفيرز" عام 1948 تحت اسم "أكس". شكّل سقوط الشاه عام 1979 قلقاً للإدارة الأميركية. تبعه غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، الأمر الذي جعل منطقة الخليج على مرمى حجر إذا صح التعبير من القوات الروسية. أطلق الرئيس كارتر عقيدته عام 1980 حذّر فيها اي قوة من محاولة السيطرة على الخليج، لأن الأمر سيعتبر وكأنه تهديد للمصالح الحيوية الأميركية، وقد يكون الرد عليه عسكرياً. وتبدو هذه العقيدة اكثر جرأة من عقيدة نيكسون، فهي "تورطية" اكثر منها انعزالية. نتج عن هذه العقيدة تدابير عسكرية كتأليف قوة التدخل السريع. استرسل المحللون السياسيون في كتاباتهم عما ستكون عليه سياسة الولاياتالمتحدة الاميركية بعد وصول جورج بوش الابن الى السلطة. فهو الهاوي في هذا المجال، حتى انه يخطئ في لفظ بعض اسماء رؤساء الدول. لكن تعيينه الجنرال كولن باول وزيراً للخارجية، اعتبر ضربة معلم. فالجنرال الوزير لديه من الخبرة العسكرية والسياسية ما يكفيه بالتمام لصوغ سياسة خارجية تحقق المصالح العليا لأميركا. فهو المحارب الذي جرح في رجله في فيتنام. وهو أيضاً السياسي الذي تمرّس في أروقة واشنطن السياسية لأكثر من عشرين عاماً. ومن هاتين الخبرتين العسكرية، والسياسية تكونت نظرة الجنرال الخاصة حول العالم ككل ومشكلاته وكيفية مقاربتها. فبتنا نسمع بعقيدة باول. ما هي العقيدة؟ تبدو هذه المغالطة في نسب اسس هذه العقيدة الى الجنرال باول. لكن التدقيق في تاريخ هذا الجنرال يجعلنا نصحح التسمية لنقول انها بالفعل نسخة منقحة عن عقيدة واينبرغر الذي كان وزيراً للدفاع عام 1984. أتت هذه العقيدة نتيجة السيندروم الفيتنامي. تقوم عقيدة باول على الأسس الآتية: 1- عدم زج القوى العسكرية الأميركية إلا عندما تكون المصالح العليا مهددة. 2- في حال التدخل، لا بد من نصر سريع على العدو باستعمال الحد الأقصى للقوة، مع اقل عدد ممكن من الخسائر في الأرواح البشرية الأميركية. 3- لا بد من ايجاد استراتيجية المخرج بعد تحقيق الأهداف. ماذا ينتج عن إطلاق هذه العقائد والاستراتيجيات؟ كما لاحظنا، تحدد هذه العقائد والاستراتيجيات الأهداف، المصالح والسلوك السياسي أو الموقف تجاه مسألة ما، تعتبرها اميركا حيوية لمصالحها العليا. وبهدف التنفيذ لا بد من خلق الآليات المناسبة، التي تتطلب تخصيص وصرف الأموال الطائلة. وتندرج سياسة الاحتواء للاتحاد السوفياتي السابق في هذا المجال وكأنها المثال الأفضل. فقد خيضت الحروب التي استهلكت آلاف القتلى، وصُرفت الأموال التي لا تحصى. فمن الحرب الكورية التي لا تزال آثارها ماثلة حتى الآن، الى السيندروم الفيتنامي يبدو ان "الأفكار تسيّر العالم" كما قال المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه. ولا تشذ عقيدة كارتر عن ذلك لأنها هيأت أرضية دخول القوات الأميركية الى منطقة الخليج. وذلك بعد ان انشأت قوات التدخل السريع التي تدربت على قتال الصحراء. ويظهر هذا الأمر، اهمية الخليج ونفطه لمصالح الولاياتالمتحدة. ويميز في هذا الإطار روبرت تاكر في كتابه "أهداف القوة الأميركية" بين ما يسميه "ما نحتاج" و"ما يزيد". فيقول يجب علينا ان نكون مستعدين لاستعمال القوة اذا دعت الحاجة، لأن النفط هو "ما نحتاج". من خلال ما استعرضناه يمكننا القول عن المفهوم الأمني الاستراتيجي، هو الذي تعتقد دولة ما انه الطريقة الفضلى لتحقيق اهدافها في مختلف الأبعاد، خصوصاً هدف استمرارية الكيان. فنجد مثلاً أن لدى اسرائيل مفهومها الأمني، واستراتيجيتها العسكرية، وبهدف التنفيذ تعمد اسرائيل الى تأمين الوسائل اللازمة لذلك. فيأتي النووي الإسرائيلي، وسياسة الغموض المتبعة مثالاً حياً على ذلك. لكن الانتقال من المفاهيم العامة الى مجال التطبيق يستلزم ايجاد البنى التحتية Force Structure، وتحديد نوعية التجهيز، والتدريب ايضاً. الى هذه الأبعاد يضاف العامل المعلوماتي - الاستخباراتي. فنجد السي آي اي وان اس اي، كذلك الأمر الوكالات التابعة للأسلحة. إذاً وخلال الحرب الباردة نظّمت القوى الأميركية ودُرّبت وجُهزت لقتال عدو معين الاتحاد السوفياتي، في إطار جغرافي محدد تمثل بأوروبا. واعتمدت في الوقت نفسه تأمين السيطرة على البحار، مع تأمين انتشار متقدم Forward Presence، وتقسيم العالم جغرافياً الى مناطق عسكرية عدة، لها هيكليتها وموازنتها الخ... سقط الاتحاد السوفياتي وتفرّدت الولاياتالمتحدة بمصير العالم، وراحت تبحث عن عدو. كان العراق الضحية الأولى، واعتبرت هذه الحرب آنذاك ثورة في الشؤون العسكرية RMA. وبدت في هذا الإطار الدول الكبرى محتارة تجاه الوجه الجديد للحروب المستقبلية فالتحضير لحروب المستقبل، يتم بعقلية الماضي. فإن هي ارادت المنافسة، كان لا بد لها من صرف المال، وإذا صرفت المال، فهذا يعني تراجع النمو الاقتصادي، وهذا الأمر لم يكن من ضمن حسابات هذه الدول، خصوصاً العالم الغربي. فقد كان في فكر الرئيس الأميركي بيل كلينتون، مثلاً أن الاقتصاد يتقدم على كل شيء. فأهمل العسكر، لكنه استعمله كثيراً، وفي اماكن ليست حيوية للولايات المتحدة. وانتقد هنري كيسنجر هذا التصرف معتبراً أن اميركا تخلط ما بين مصالحها الحيوية، ومبادئها المثالية. عندما أتى بوش الابن، اراد تغيير العالم على طريقته. فقرر بناء الدرع الصاروخية لدرء خطر "الدول المارقة"، وذلك بناء على تقرير كان "أعده وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد. أراد سحب الجيش الأميركي من مناطق انتشاره في العالم 000،100 في اوروبا، 000،100 في آسيا و25000 في الشرق الأوسط. وحدد الصين منافساً استراتيجياً بدل ان تكون حليفاً. كما اعتمد دراسة اندرو مارشال الخبير في الشؤون الاستراتيجية التابع للبنتاغون، والتي تنص على نقل الصراع الى آسيا بعد تراجع الخطر السوفياتي. فكانت اولى بوادر الصراع في آسيا حادثة طائرة التجسس، وتعهد بوش الدفاع عن تايوان. وبهدف تحقيق هذا النقل الاستراتيجي، حاولت الدراسات تحديد وسائل هذا الصراع الجديد، في ابعاده الأربعة، البر، البحر، الجو والفضاء. وتنافست شركات الصناعات العسكرية لتحجز دوراً في العقود المستقبلية. وفي هذا الإطار بدت صورة الحرب المستقبلية على الشكل الآتي: ستكون القوات الأميركية، خفيفة، قليلة العدد، ومجهزة بأحدث العتاد الإلكتروني الحديث، الذي يعتمد على التكنولوجيا الشبح Stealth. سينشأ لها اجهزة متقدمة تعمل في مجالات جمع المعلومات، معالجتها، تقويمها، واستغلالها بسرعة فائقة لاتخاذ القرار وذلك بعد منع العدو من الحصول عليها اي المعلومات. وستدور حروب الكترونية على شاشات الكومبيوتر والإنترنت، اضافة الى عمليات قرصنة وتدمير للأقمار الاصطناعية. وسوف يتضاءل الوجود العسكري الأميركي في اوروبا، الباسفيك وأوروبا. باختصار اراد بوش ان تكون حربه المستقبلية في العالم الافتراضي Virtual Reality. في هذا الإطار، لم يكن أمن الداخل الأميركي على الأجندة الأساسية للاستراتيجية العسكرية الأميركية، وذلك على رغم تكليف لجان خاصة لدرس الموضوع. وشكلت "لجنة غيلمور" عام 1999، ولجنة بريمر في حزيران يونيو 2000، ولجنة هارت - رودمان في كانون الثاني يناير من العام 2000. أتت نتيجة هذه اللجان تقريباً متشابهة وتضمنت كلها الأمور الآتية: "أصبحت أميركا من دون شك معرضة للهجمات الارهابية أكثر من ذي قبل. العسكر الأميركي سوف لن يستطيع بالتأكيد الدفاع عنا... ان دولاً ومجموعات ارهابية سوف تحصل على أسلحة دمار شامل، وبعضهم سيستعملها ضدنا. وأميركيون سيموتون على الأرض الأميركية من دون شك، وبأعداد كبيرة". توصلت اللجان الى نقطة مشتركة تقول: ان اميركا ليست مهيأة ابداً لدرء، وردع هذه التهديدات. إذاً، وقع المحظور وحصل أكبر اعتداء على الأرض الأميركية، منهم من سمّاه بيرل هاربور ثانية، ومنهم من شبّهه بمفاجأة حرب تشرين الأول اكتوبر عام 1973. أما الصحافة الأميركية عموماً فأطلقت الشعار الآتي: "اعلان حرب ارهابية على الولاياتالمتحدة" وفعلاً صدقت توقعات اللجان المذكورة. وبدت أميركا عاجزة عن الرد. فالوسائل كانت معدة لغير نوع من الحروب من حيث يمكن الانتصار على العدو، وحيث يمكن قياس النصر المحقق أيضاً العراق مثلاً، وحتى ما كان يُطلق عليه ارهاباً في السابق كان محدداً تقريباً، في مكانه، مصادر دعمه، وكيفية عمله كإرهاب. أما العدو الجديد فيتطلب نوعاً جديداً من الاستراتيجية، والتدريب والتسليح. وبدت صورة القوى الأميركية، التي حلم بها الرئيس بوش، غير مناسبة. فمن العالم الافتراضي، أصبح لا بد من العودة الى المربّع الأول، والى طبيعة الحرب القديمة وصورها التي تعود الى الموجة الزراعية الأولى كما يسميها الكاتب الأميركي الفن توفلر. لكن الفارق الآن هو في ان هذا المجتمع الزراعي الأول Low Tech، وبدل ان يستعمل وسائله القديمة الخنجر، السيف راح يستغلّ وسائل القوي لطعنه بها. في ال30 من أيلول 2000 أطلق وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد مراجعته للاستراتيجية العسكرية الأميركية QDR حدّد فيها الخطوط العريضة التي تقوم على الآتي: 1 - تحقيق أمن الولاياتالمتحدة، وحرية الحركة. 2 - المحافظة على سيادة الولاياتالمتحدة ووحدة أراضيها. 3 - سلامة المواطنين الأميركيين في الداخل والخارج. 4 - حماية البنى التحتية الأميركية. 5 - التعهد بالمحافظة على أمن الدول الصديقة. 6 - عدم السماح لقوى معادية باحتلال مناطق حيوية للولايات المتحدة، في كل من شمال شرقي آسيا، وشواطئ الأوسط ومنطقة جنوب غربي آسيا. 7 - المحافظة على أمن البحار، الجو، الفضاء وعلى سرية المعلومات. 8 - تحقيق الوصول الى الأسواق الأساسية، والى الموارد الاستراتيجية. ويتطلب كل ذلك الأمور الآتية: تأمني ديبلوماسية فاعلة، واقتصاد قوي، وقوة عسكرية جاهزة، عصرية. أبقى رامسفيلد على مبدأ خوض حربين اقليميتين 2MRC والانتصار فيهما في الوقت نفسه لم يُخفض القوات الأميركية، كذلك وسائلها من حاملات طائرات وغيرها. كذلك أبقى على الصين تحت شعار "المنافس الاستراتيجي". الأمر الذي يعيد شرق آسيا الى قلب الفكر الاستراتيجي الأميركي. لكن الجديد في هذه المراجعة هو ادخال تأثيرات ضربة 11 أيلول. فقد أصبح الارهاب أساسياً في الفكر الأميركي وأنشئت وزارة الداخلية للمرة الأولى. تقوم الخطوط العريضة للاستراتيجية الأميركية لمكافحة الارهاب على الأدوات الآتية: قوات خاصة أكثر، مراقبة دقيقة، استعلام مستمر، تدخل سريع لتدمير الأهداف، وعدم السماح بتأمين الملاذ Sanctuary. باختصار المزيد من العمل الاستخباراتي، والعمليات الخاصة، ومزيد من المال والرجال. تبدو الصورة الكبرى من خلال هذه المراجعة كالآتي: عودة الجيوستراتيجيا لاحتلال مركز الصدارة في الفكر الاستراتيجي الأميركي، بعد ان أخذ الاقتصاد هذا الموقع. تقود الولايات صراعها على جبهتين، تقليدية، وغير تقليدية. التقليدية من خلال تحديث بقايا القوى من "الحرب الباردة". غير تقليدية من خلال العمليات الخاصة الموجودة أو المستحدثة. وهنا لا بد من الابتكار في ايجاد الوسائل الجديدة لخوض الحرب المقبلة. فعملية 11 أيلول جزء بسيط من حرب كبيرة تقودها دولة معينة على الولاياتالمتحدة في المستقبل. وكتب في هذا المجال كل من Qiao Liang وWang Xiangsui الصينيين دراسة مهمة تحت عنوان "الحرب من دون حدود" Unrestricted Warfare في عام 1999. هدفت الدراسة الى تقديم النصائح للحكومة الصينية في كيفية تعويض النقص التكنولوجي مع الولاياتالمتحدة في حال نشوب حرب. اول قاعدة لهذه الحرب انه لا توجد قواعد، وتقوم على العمليات الارهابية في الداخل الاميركي: ضرب البنى التحتية والاقتصادية، عمليات داخل المدن، القيام بعمليات ارهابية على وسائل المعلومات والكومبيوتر، وضرب الاقمار الاصطناعية. اين تكمن المعضلة الاميركية في الصراع المستقبلي؟ اولاً: في وضعها كدولة مهيمنة Hegemonic Power، فهي تريد الاستقرار، ومنع قيام اية دولة منافسة. ويبدو هذا الامر مستحيلاً في الظرف الراهن، نظراً لما تعانيه الولاياتالمتحدة الآن من صعوبات عسكرية، وسياسية في عمليتها العسكرية في افغانستان. وقد يؤسس تصرفها الحالي وما ينتج منه، الصورة المستقبلية للنظام العالمي الآتي. ثانياً: في المخاطر والتضحيات. بعد الحرب الباردة ركّز على الاقتصاد في شكل اساس. اما الناحية العسكرية، فقد ركّز فيها على استغلال التكنولوجيا حتى حدودها القصوى، بهدف التقليل من الخسائر Harm Free واعتماد السلاح عن بعد Push Button. لكن للتكنولوجيا حدودها، الامر الذي يذكرنا بهو شي منه عندما دخل مركز القيادة الاميركي في عاصمة فيتنامالجنوبية ووجد الكثير من الحواسيب فقال: "لا عجب انهم لا يفكرون". إذاً المرحلة الجديدة تتطلب التضحيات خصوصاً في الأرواح البشرية، فهل المجتمع الاميركي مستعد لذلك؟ ثالثاً: يبدو ان الولاياتالمتحدة تعاني كما اسرائىل من مفعول ردعها. فلكي يقوم الردع لا بد من توافر الامور الآتية: ان تتوافر وسائل الردع، ان يكون الرادع مستعداً لاستعمال هذه الوسائل في حال فشل ردعه، وأخيراً ان يكون المردوع مقتنعاً ان الرادع سيستعمل وسائله الامر الذي يردعه. المعضلة في الردع الاميركي، هو في ان المردوع في هذه الحرب على الارهاب مقتنع تماماً بأن الاميركي سيعمد الى استعمال القوة. لكنه يقدم على التحدي متجاهلاً النتائج المترتبة على فعله. لذلك تبدو حيرة الاميركي في عدم وصول الامور الى نهاياتها المعهودة بعد مرحلة الحرب War Termination Process، فتبدو الاوضاع مفتوحة في شكل دائم، وفي وضع كهذا يربح عادة الاضعف، لأنه يأخذ دائماً من رصيد الاقوى. مقارنة مع 11 ايلول، يمكن القول: هناك عقود من الزمن قد لا يحصل فيها شيء، وهناك يوم واحد فقط، قد يغيّر التاريخ. والقلق الذي ينتابنا هو في اننا لا نعرف من صورة المستقبل سوى العنف الأكيد. * كاتب لبناني وعميد ركن متقاعد. والمقال ملخص محاضرة ألقيت في ندوة مركز الدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 17/10/2001.