"هنالك فتاة يابانية في معسكر بن لادن لها من العمر 29 عاماً واسمها ماسومي". هذا ما قاله صحافي إيرلندي متخصص في شؤون الجماعات الإرهابية لمجلة "شوكان شينتشو" الأسبوعية اليابانية! وعلى رغم الصورة المعروفة عن اليابانيين كباراً وصغاراً بأنهم في غاية التهذيب والمسالمة، إلا أنه في الآن ذاته لا يكاد يخلو أي تنظيم عالمي متطرف من عناصر يابانية. كما حفل المشهد السياسي الشبابي الياباني في العصور الحديثة بجميع أشكال التطرف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. والتنظيمات المغايرة والأقلوّية كثيرة العدد والاتجاهات، لكن التحركات المتطرفة الرئيسية في يابان اليوم هي حركات يمينية في الغالب. ولكن، لم يكن الحال كذلك دائماً، ففي الستينات كانت القيادة للتيارات اليسارية الطالبية التي اقامت الدنيا ولم تقعدها. فالثورات الطالبية في اليابان فاقت مثيلاتها في الدول الأخرى عنفاً وطولاً زمنياً. وتحولت الجامعات اليابانية إلى ثكنات عسكرية طالبية شهدت معارك عنيفة، وقام الطلاب باحتلال البناء الأكاديمي تلو الآخر على طول سنوات أواخر الستينات وأوائل السبعينات. كما يعرف العرب الكثير من فصول نشاطات منظمة يسارية الأيديولوجيا وهي الجيش الأحمر الياباني. وأكثر تلك النشاطات شهرة هي عملية مطار اللد حيث استغل شباب المنظمة بعد السياح اليابانيين عن الشك لدخول المطار الإسرائيلي بأسلحتهم وتنفيذ ضربتهم الموجعة. في تلك الفترة لم تكن التيارات اليمينية مسيطرة ولكن، لا يعني ذلك أنها كانت غائبة تماماً عن الساحة. ومن أشهر الشخصيات اليمينية الكاريزماتية التي تحلقت حولها مجموعات شبابية الكاتب المعروف يوكيو ميشيما الذي ألقى خطابه الأخير أمام مجموعة من عناصر وكالة الدفاع اليابانية داعياً إياهم للثورة وتسلم زمام الحكم في اليابان بقيادة الإمبراطور قبل أن ينتحر شاقاً بطنه بسيفه على طريقة ال"هاراكيري" عام 1970. وقبل ذلك بعشر سنوات كان رئيس الحزب الإشتراكي الياباني يلقي خطاباً بحضور حشد من وسائل الإعلام عندما استل شاب ينتمي إلى إحدى المجموعات الفاشية سيفاً من نمط سيوف الساموراي التقليدية وقفز إلى المنصة ليشق أحشاء السياسي المخضرم ويرديه قتيلاً أمام ذهول الحضور وعدسات المصورين. ولعل ذلك الشاب يمثل الدور الموكل للشباب ضمن المنظمات ذات الاتجاه اليميني في اليابان. فالحركات اليسارية الطالبية منها أو العسكرية كالجيش الأحمر تم تأسيسها على أيدٍ شابة لم تتجاوز العشرينات من العمر في كثير من الأحيان تولت زعامتها من دون مرجعية جيل أبوي. أما الحركات اليمينية فلم يعرف فيها الشباب سوى التبعية لجيل أكبر يستخدم أولئك الشباب لمهمات تنفيذية وليس للمساهمة في توجيه المسيرة الأساسية للمجموعة. وهذا يعود إلى الأهمية الكبرى للتراتبية في المنظمات اليمينية حول العالم، فما بالك بالحركات الناشئة في المجتمع الياباني الذي يلقي في شكل تقليدي أهمية كبرى على التراتبيات. تلك الحركات اليمينية المسماة بال"أويوكو" حرفياً: الجناح الأيمن ترى في ذلك المجتمع المحافظ انحلالاً غير محتمل وتدعو إلى نظام اجتماعي - عسكري بالغ الشدة. ويبرز وجود الأعداء المستهدفين حالياً من قبل الأويوكو في شكل خاص في وسائل الإعلام التي تتصدى أحياناً لتغلغل جماعات الجريمة المنظمة في أهم مؤسسات الصناعة والأعمال، بل وفي الحياة السياسية من طريق رشوات وفضائح تم الكشف عن الكثير منها ويبقى القسم الآخر خافياً. وفي محاولة من الجماعات السياسية للأويوكو للتملص من صورتها المرتبطة بعصابات ال"ياكوزا" المافيا اليابانية فإنها تستخدم ذرائع "وطنية" لمهاجمة من يروق لها. ومن أكبر ضحايا الهجمات اليمينية صحيفة أساهي المعروفة بانفتاحها وتوجهاتها النقدية. فقد توالت الانتقادات القاسية من الأويوكو إزاء عدم استخدام الصحيفة للنعوت التبجيلية في شكلٍ كافٍ عند ذكر اسم الإمبراطور الياباني. وبلغت التهديدات قمة العنف عام 1987 عندما قام مسلح باغتيال كوجيرو أحد مراسلي الصحيفة. ولكن، في شكل عام، أصبح وصول المجابهات إلى درجة الإغتيال نادراً. والشائع الآن وبكثرة هو الضغط على وسائل الإعلام بوسائل غير دموية كما حدث مع مقدمي برنامج حواري مثير للجدل في أحدى محطات الإذاعة المحلية في غرب طوكيو. طرح المقدمان وهما سيدة يابانية وزوجها البريطاني موضوع زيارة قاما بها إلى مدينة نانكينغ في الصين وإلى المتحف التذكاري لضحايا المجزرة التي قام بها الجيش الياباني في المدينة أثناء احتلاله الصين في الثلاثينات. ومجزرة نانكينغ تعد من القضايا التاريخية التي لا يزال اليمين الياباني ينفي وقوعها بشدة. بل إن الموقف الرسمي الياباني عموماً لا يعترف إلا ب"لمحات" من التاريخ الأسود للجيش الإمبراطوري الياباني في آسيا في النصف الأول من القرن العشرين. وقد أدى غياب المعالجة الصادقة لتلك الفترة في الكتب المدرسية اليابانية من وجهة نظر الدول الآسيوية التي كانت جزءاً من الإمبراطورية اليابانية في آسيا، إلى تأزيم العلاقات اليابانية بتلك الدول كوريا والصين خصوصاً أخيراً. بعد بث حلقة "نانكينغ" قام وفد من الأويوكو بزيارة المحطة الإذاعية والتحدث إلى مديرها وسؤاله عما إذا كانت المحطة "شيوعية". ثم جرى التلميح إلى أنه إذا لم يعتذر مقدمو البرنامج فإن "الشباب" سيلعبون لعبتهم. والمقصود بحسب ما قاله مدير المحطة للمقدمين هو أن الفتوّات إياهم سيقومون بتحرشات وإزعاجات متواصلة للمؤسسات التي تمول إعلاناتها البرنامج. وفي ذلك الوقت كان المعلنون هم مجموعة من المطاعم والمكاتب العقارية، وما على شباب الأويوكو ليخدمو قضيتهم إلا أن يركبوا دراجاتهم النارية المزودة عوادم بالغة الضجيج، وأن يواصلوا الدوران حول المطاعم والمكاتب المذكورة لساعات عدة يومياً حتى تسحب إعلاناتها من البرنامج المذكور. نوع آخر من التنظيمات المتطرفة التي تجتذب الشباب الياباني وتتخذ طابعاً عنيفاً أحياناً هي الطوائف الدينية الجديدة. وأشهر تلك التنظيمات الجماعة المعروفة باسم "أوم" التي اشتهرت عالمياً بعدما نفذت هجمات بغاز السارين السام في محطات قطار يابانية أواسط التسعينات ألحقت الأذى بمئات الركاب وأدت إلى وفاة عدد منهم. تعرضت الطائفة لقمع شديد من الدولة والمجتمع وتم حظر نشاطاتها. ومن غير المتوقع أن يخرج مؤسسها أساهارا شوكو من السجن طالما بقي حياً، كما اضطرت الطائفة إلى تغيير اسمها إلى "ألف". وعلى رغم أن إطلاق الإسم الجديد حصل تيمناً بالحرف الأول من الأبجدية العبرية وليس العربية، إلا أن أشياء كثيرة تتعلق بهذه المجموعة الدينية تذكر بالمجموعات الدينية المتطرفة في البلاد العربية، بل وبالكلام المحيط بتنظيم القاعدة تحديداً. فعلى رغم ممارسة "أوم" أو "ألف" العنف بطريقة مرفوضة من كل شرائح المجتمع واتخاذها المدنيين هدفاً لهجماتها، فإن الطائفة تستمر لغاية الآن باجتذاب أعداد كبيرة من الشباب الياباني ومن الجامعات اليابانية النخبوية كجامعة طوكيو وغيرها. وأيضاً كما يقال عن تنظيم القاعدة، فإن أتباع "ألف" يكثرون بين المختصين بالكومبيوتر وبنظم المعلومات في المؤسسات المالية وغيرها، مما جعل الحكومة اليابانية تفشل حتى هذه اللحظة في الإحاطة بالطرق التي تستخدمها تلك الأعداد الكبيرة من الشباب المحترفين وذوي الكفاءات العالية لتمويل جماعتهم.