التقت كاتبة ماركسية مصرية هي فريدة النقاش مع كاتب اسلامي مصري ايضاً هو حلمي القاعود في التهجم على رواية لويس عوض "العنقاء أو تاريخ حسن مفتاح"، وركّزت الكاتبة على مضمون الرواية باعتبارها مرآة للتهجمات السطحية ضد الشيوعية التي شاعت في الخمسينات، وأن لويس عوض عمد الى توأمة الفاشية والشيوعية، ونظر الى تجربة الماركسيين المصريين باعتبارها عنفاً أو حتى جريمة. اما الكاتب حلمي القاعود فقلل من اهمية الرواية فنياً وعرض مآخذه عليها. قال بعض الحاضرين في ندوة "المشروع الثقافي للويس عوض" التي عقدت في القاهرة قبل يومين، ان الشموليتين، الشيوعية والإسلام السياسي، اجتمعتا ضد لويس عوض ما يدل الى كونه توفيقياً أو ليبرالياً. والحال أن الندوة كانت نادرة بين نظيراتها في مصر، إذ العادة ان تتحول الندوات الى مدائح مضمرة إذا تناولت شخصية راحلة أو حاضرة، لكن اغلب المتكلمين على لويس عوض كانوا من اعدائه وخصومه وأقلّهم ممن عاداهم في حياته ويصرون على التقرب منه حياً وميتاً. إن شخصية خلافية مثل لويس عوض تتطلب مثل هذا الاستثناء، حتى إذا نُشرت وقائع الندوة في كتاب يحسّ القراء انه حوار بل خصام اكثر مما هو كتاب تعريف بالشخص ودراسة لأعماله. ماركسي طلّق الماركسية، وباحث في الأدب الإنكليزي يعتمد مناهج النقاد اليساريين البريطانيين، وكاتب شعر يعلن استحالة مثل هذه الكتابة، وروائي يروي كمن يريد ان يبلّغ رسالة براءة وتنصّل، وباحث في تاريخ الفكر المصري يخوّن ابطالاً ويبرئ خونة، ومعاد للعروبة يعطيها اسماً آخر: المجال الجيوبوليتيكي لمصر، وداعية للعامية ينصرف الى العربية الفصحى ويبحث في فقهها فيثير إشكالات. لم يتح للويس عوض ان يسير على خطى طه حسين أو يطوّرها لأسباب متعددة، منها قلقه وحساسيته ونزوعه الفنّي العميق الذي كان يكبته فينفجر في كتاباته العلمية في شكل عناد ومجابهة وصدم السائد لمجرد الصدم. ولعله استراح اكثر ما استراح في كتابة مذكراته التي حاول فيها تقصّي خطى روسو في اعترافاته الصريحة، فكتب عن النبل كما عن المباذل، ورسم لشقيقه صورة سلبية هي في العادة من اسرار البيوت. لكن لويس عوض عبّر عن حيوية الفكر المصري امام خيارات صعبة على صعيد المنهج والاجتماع والسياسة، هو الذي كانت تنشئته وبداياته في العصر الملكي ونضجه في العصر الناصري، وهما عصران متناقضان، الثاني منهما يجبّ الأول ويلغيه مع ما قبله، فكأن مصر كانت في عدم وولدت على يد الضباط الأحرار. وقد عانى لويس عوض مع رجال الثورة الذين حلم بهم فتمثلوا لديه في صورة حكم شمولي قاس، فلم يجرؤ على الحوار بصراحة، لذلك كان حضوره موارباً ويجد العزاء في ما يقدم من تنوير ونزعة ليبرالية مداورة لا صريحة. قارئ لويس عوض اليوم يُستفزّ وينهض الى دفاع او حوار أو توضيح، لكن كتابات الرجل وترجماته التي يعيد المجلس الأعلى للثقافة في مصر طبعها تضعنا امام منشطات للنهضة العربية التي لم تتم، والأسئلة الضاجة التي تثيرها لا تجد جواباً سوى في الاعتراف بالتنوع والتعدد، وأن الاجتماع والفكر في العالم العربي لن يكونا في صورة صفّ مرصوص ذي ألبسة موحدة وأحياناً وجهة واحدة وأسلحة.