مضى على آرييل شارون ثمانية أشهر في رئاسة الوزارة الاسرائيلية تميزت بفشله على كل صعيد، فهو لم يحقق الأمن، وإنما تسبب في زيادة العمليات الانتحارية، وقد ضرب الاقتصاد الاسرائيلي مرتين، واحدة بسبب الانتفاضة، والثانية بسبب انكماش الاقتصاد العالمي، وسقوط أسهم التكنولوجيا. غير أن زيادة الفشل زادت شعبية شارون فاستفتاءات الرأي العام الاسرائيلي كلها الأسبوع الماضي أظهرت ارتفاع شعبيته، وهو أمر غريب يزداد غرابة اذا رجحنا ان سبب هذه الزيادة هو تحديه الولاياتالمتحدة، أي أنها جاءت بسبب فشل آخر له هو تأزيم العلاقة مع الولاياتالمتحدة، وهذه دولة تقول اسرائيل انها حليفتها الأولى ونقول نحن انها سبب وجودها، فمن دون الولاياتالمتحدة ستنتهي اسرائيل كدولة وتفلس وتباع في مزاد. الاسرائيليون يحاولون مواجهة اسباب الفشل الفردي والجماعي، بتحميل ياسر عرفات مسؤولية كل شيء، لذلك فهم باتوا يتحدثون عن مرحلة "ما بعد عرفات"، وكأن ما بعد عرفات سيأتي لهم بما يريدون. اذا كان الاسرائيليون لا يستطيعون الاتفاق مع الرئيس عرفات، فهم لن يتفقوا أبداً مع المعارضة الوحيدة التي يمكن أن تخلفه، فهم سيواجهون حماس والجهاد الاسلامي، ومعهما حزب الله، وأعداداً متزايدة من الفلسطينيين والعرب والمسلمين تقول ان التفاوض فشل، وان من الضروري التعامل مع اسرائيل بأسلوب حزب الله. يفترض ان يكون الاسرائيليون أذكياء، إلا أنهم صدقوا كذبة العمل وايهود باراك ومزاعم رفض الفلسطينيين عرضاً يشمل 99 في المئة من الضفة والقطاع مع القدسالشرقية، ثم صدقوا ان مجرم حرب قديماً من نوع شارون سيأتي لهم بالأمن. وافتتح شارون نشاطه الارهابي بجرائم أدت الى مضاعفة العمليات الانتحارية أضعافاً، ثم أخذ يتحدث عن أن أبو عمار لن يبقى الى الأبد. وبما أن أبو عمار أصغر سناً منه، فقد فهم الجميع أن رئيس الوزراء المجرم يتحدث عن قتل الرئيس الفلسطيني، والاميركيون يعتقدون ان عند الجيش الاسرائيلي خطة لاغتيال السيد عرفات. وقد بدا بوضوح في الأسابيع الأخيرة ان الجيش الاسرائيلي يتصرف مستقلاً عن القيادة السياسية، فكأنه جيش بلد آخر من العالم الثالث. ومع ذلك فالاستفتاءات تظهر ان الاسرائيليين يؤيدون عمليات الجيش الاسرائيلي التي لم تنجح في شيء سوى زيادة العنف المضاد. وقد أصبحت بيت ريما مثل قانا وكفرقاسم ودير ياسين اسماً آخر لمجزرة اسرائيلية هناك ألف مسلح آخر يطلب الثأر لضحاياها. ويبدو أن هناك سباقاً في ارتكاب الأخطاء بين الحكومة والشعب الاسرائيلي، فالحديث عن مرحلة ما بعد عرفات حديث عن وضع يصبح السلام فيه ممكناً مع الاسرائيليين بشروطهم. إلا أن هذا مستحيل، فما بعد عرفات حرب مع منظمات اسلامية وأخرى متطرفة. والمعارضة الاسرائيلية ليست أكثر حكمة من الحكومة أو الشارع. ومنافس شارون الوحيد على زعامة ليكود، أي المتطرف الآخر بنيامين نتانياهو، تحدث عن "رحيل" عرفات، ومع انه لم يدع علناً لاغتياله فإنه ترك ذلك الاحتمال مفتوحاً بوضوح، واعتبر قبول شارون دولة فلسطينية خطأ أساسياً وتكتيكياً. أما اليسار، فقط طلع منه حاييم رامون وشلومو بن عامي، وهما من أركان العمل، بأفكار أساسها انه لا يمكن الاتفاق مع عرفات لذلك فمن الواجب انتظار مرحلة ما بعده. وفي غضون ذلك فهما يقترحان فصلاً على أساس انسحاب اسرائيل من طرف واحد من 80 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجميع المستوطنين في العشرين في المئة الباقية من الأرض، وعدم الانسحاب منها في أي اتفاق في المستقبل البعيد. بل انني قرأت مقابلة مع الأخ محمد دحلان في "يديعوت أحرونوت" عاد السائل فيها مرة بعد مرة الى موضوع "ما بعد عرفات"، كأن ما بعده سيأتي بالحل الذي تطلبه اسرائيل. الطرح الصحيح للموضوع هو التفكير في مرحلة "ما بعد شارون" فمجرم الحرب هذا فشل على كل صعيد، وهو يغطي فشله بمزيد من الجرائم. وأبو عمار قادر على قبول حل يبقى للفلسطينيين فيه 22 في المئة من فلسطين التاريخية، في مقابل 78 في المئة لاسرائيل، الا ان شارون لا يقبل هذا، ويعتقد انه يستطيع قتل الفلسطينيين حتى لا يبقى بينهم من يقبل أو يرفض. وقرأت ان بعض أنصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة بدأوا ىشكون من موقف شارون، كما قرأت ان كبار المسؤولين في الادارة توعدوا بتصفية حساباتهم مع شارون عندما تنتهي المواجهة مع أسامة بن لادن وقاعدته وطالبان. إلا اني شخصياً لا أصدق شيئاً من هذا فأنصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة تستروا تاريخياً على جرائمها، وبعضهم يدين بالولاء لها وحدها، ولا تهمه أي مصلحة اميركية. ثم ان المسؤولين الاميركيين لن يخوضوا حرباً مع أنصار اسرائيل مهما بلغ غضبهم على شارون. في مثل هذا الوضع انتظر مرحلة "ما بعد شارون" فمعه لا يوجد حل على اساس تقريري تينيت وميتشل، أو قرارات اوسلو او مؤتمر مدريد او القرارين 242 و338 أو أي قرار آخر أو تقرير.