يدور في الأوساط الإيرانية، على اختلافها، جدل حول آلية التعاطي مع النظام السوري، بعد أن أصبح الوضع مقلقاً للإيرانيين الذين راهنوا علي قدرة الحكومة السورية في استيعاب التطورات والأحداث الأخيرة، وتضاربت المصادر حول الاستراتيجية الجديدة التي تنتهجها الحكومة الإيرانية في التعاطي مع الملف السوري، وهل توجد هذه الاستراتيجية بالفعل؟ وماذا ستفعل طهران إذا تغير نظام الحكم في دمشق؟ حقيقة الأمر، أن إيران لم تواجه أوضاعاً إقليمية معقدة مثلما تواجه في الوضع الراهن، فطهران التي كانت تقرأ الأوضاع والتطورات في العراق بعد 9 نيسان (أبريل) 2003 في شكل دقيق، من خلال حلفائها الذين دخلوا المعادلة السياسية منذ أن فكرت الولاياتالمتحدة في تغيير النظام السياسي في بغداد والذي بدأ بإصدار قانون تحرير العراق، كانت مطمئنة لموقفها في أفغانستان عندما قررت الولاياتالمتحدة غزو هذا البلد الذي لم يكن غريباً عن الدوائر الإيرانية حين كانت تتعامل مع مختلف فرقائه وطوائفه ومذاهبه، منذ أن دخل الجيش السوفياتي الأراضي الأفغانية في كانون الأول (ديسمبر) 1979، كما أن تطورات الأوضاع في لبنان كانت تسير ضمن الخيارات الاستراتيجية التي رسمتها في مواجهة الوجود الإسرائيلي الذي كان يتربص بها الدوائر، وبذلك لم تكن طهران تفكر كثيراً في مستقبل الأوضاع التي باتت تصب في مصلحتها القومية والإقليمية، إنما كانت تدير هذه الملفات من خلال دوائر وزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي الذي أنشئ ليمسك بهذه الملفات الساخنة. ولعل الأمر الأكثر حساسية بالنسبة إلى إيران، هو صدقيتها الثورية التي رسم معالمها الزعيم الإيراني الراحل الإمام الخميني الذي دعا إلى الوقوف مع المظلومين والمستضعفين في المنطقة والعالم، ورفض كل أشكال الاضطهاد والعنف ضد الشعوب الإسلامية. لم يستطع المسؤولون الإيرانيون تبرير وقوفهم مع النظام السياسي في سورية، في الوقت الذي وقفوا مع شعوب مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن، عندما نادت شعوب هذه البلدان بإسقاط أنظمتها السياسية التي تحكمها منذ عقود. وقعت الحكومة الإيرانية في تناقض عبّر عنه الخبير في شؤون الشرق الأوسط محمد عطايي «بالتأثير في صدقيتها الثورية داخل العالم العربي، عندما استثنت سورية من بقية الدول التي تمر بالربيع العربي»، ويعتقد عطايي «أن إيران متهمة بالوقوف مع النظام العلوي – الشيعي – العلماني، ضد الأكثرية السنّية المضطهدة، حيث استغلت ذلك الدول الأخري والحركات الدينية المتطرفة لتتهم إيران بالاصطفاف طائفياً وراء النظام في سورية، وما أضاف التعقيد إلى الموقف الإيراني إدانة الفاعليات السنّية العربية أعمال العنف التي تمارس ضد الشعب السوري، الذي شكك في صدقية المواقف الإيرانية المتخذة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والتي كانت تركز علي ملفات المنطقة بعيداً من الطائفية سواء في لبنان أو في فلسطين، في الوقت الذي كان بعض الأنظمة السياسية العربية يركز علي الهوية الشيعية الإيرانية التي تتحرك ضد المصالح العربية والسنّية في المنطقة، وهدف ذلك إيجاد حاجز للوقوف أمام العدو القومي المذهبي المفترض». ويبدو واضحاً التغيير الذي طرأ لدى السياسيين الإيرانيين حيال الأوضاع في سورية، حيث بات ممكناً الآن سماع التفكير الإيراني في شكل مرتفع بعد ستة أشهر من التطورات، فأخذ يتحدث عن «أزمة تواجه الحكومة السورية»، في الوقت الذي لم يدخر جهداً في توجيه الانتقادات لهذه الحكومة بعدم الإسراع بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، الأمر الذي رأي فيه الكثير من المحلليين السياسيين الإيرانيين دعوة إلى ضرورة ممارسة الضغوط علي الحكومة السورية من أجل الإسراع بتنفيذ هذه الإصلاحات والرضوخ لمطالب الشارع. ويدعو محلل الشؤون الاستراتيجية أمير موسوي الحكومة السورية إلي اطلاق المعتقلين السياسيين، وسحب الجيش من المناطق والمدن السورية، وتأسيس مجلس سياسي لمعالجة الأوضاع، واتخاذ ما يمكن اتخاذه، لإجهاض العبث في مستقبل سورية والمنطقة. ويعتقد موسوي، أن تصريحات وزير الخارجية علي أكبر صالحي الأخيرة التي دعت إلي تفهم مطالب الشعب السوري، جاءت بناء علي ضغوط فاعليات سياسية ودينية للتعاطي بمنطقية وواقعية مع مطالب الشعب السوري. وينفي أمير موسوي وجود خلاف في المواقف بين الحرس الثوري، وتحديداً فيلق القدس، والخارجية الإيرانية «لأن هذه الأطراف وغيرها تعمل في إطار مجلس الأمن القومي الذي يرسم السياسة الإيرانية في الملفات الساخنة ويوكل تنفيذ المهام للدوائر المختلفة ذات العلاقة». ولم يتردّد موسوي في تأكيد بقاء الخيارات الإيرانية، إذا حصل أي تغيير في نظام الحكم في سورية «لأن إيران ستلتزم رأيَ الأكثرية وستقوم بمعالجاتها الجديدة لنظام الحكم الجديد»، لكنه يعتقد أن طهران ستتخذ مواقفها بدعم الشعب السوري بعيداً من خيارات الدول الكبري، «وستكون أكثر التزاماً بخيارات المقاومة والممانعة، لأن أي نظام يأتي إلى سدة الحكم في دمشق سيكون مضطراً للانضمام لهذه الخيارات من أجل تحرير الأراضي السورية المحتلة». وحول الخيارات المطروحة، ومنها الخيار العسكري، يوضح المحلل الاستراتيجي أمير موسوي، أن إيران لديها اتفاقية استراتيجية مع سورية لا زالت سارية المفعول، وسيكون لإيران موقف مهم وواضح حيال أي تدخل خارجي ولن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك». ويذهب بعض الدوائر الإيرانية إلي الاعتقاد أن الأوضاع في سورية لن تنتهي كما انتهت إليه في كل من مصر وتونس وليبيا، «وإنما سيكون الوضع مركباً من الحالات الثلاث». ويستبعد الكاتب علي موسوي خلخالي حدوث تغيير سريع في سورية، أو أن يكون حزب البعث في سورية يعيش ساعاته الأخيرة «لكن ذلك لا يعني أن النظام لا يعيش أزمة كبيرة»، مستبعداً سقوط النظام السياسي في سورية بهذه السهولة التي يتصورها البعض. ويعتقد أن تطور الأوضاع في سورية لا يدل علي أنها تسير في الشكل الذي سارت عليه في مصر وتونس وأنها تحتاج إلي فترة زمنية أطول. ولم تتأكد المعلومات التي تحدثت عن اتصال بين الحكومة الإيرانية والمعارضة السورية، إلا أن محمد صدر معاون وزير الخارجية في عهد الرئيس محمد خاتمي، دعا إلي اتصال مع المعارضة من أجل تقريب وجهات النظر مع الحكومة السورية «وإذا لم تطمئن المعارضة إلى الموقف الإيراني يمكن الاستعانة بالجانب التركي لعقد مؤتمر رباعي يضم الحكومات الثلاث التركية والإيرانية والسورية، إضافة إلي المعارضة السورية للتوصل إلي حلول لتنفيذ مطالب المعارضة والتي تصب في مصلحة جميع دول المنطقة». ويعتقد محمد صدر الذي رأس الدائرة العربية في وزارة الخارجية الإيرانية، أن إيران لا يمكن أن تقف موقف المتفرج حيال أعمال العنف التي ترتكب بحق المواطنيين السوريين «لأن سورية بلد مهم لإيران ويجب العمل علي مساعدة الشعب السوري في الوصول إلي أهدافه، لأن الشعب السوري يجب أن لا ينظر إلى إيران باعتبارها دولة عدوة لأن ذلك لا يصب في مصلحة الأمن القومي الإيراني». ويدعو صدر الحكومة الإيرانية إلي خطوات لا تؤثر سلباً في مستقبل إيران في المنطقة وفي عواطف شعوبها حيال إيران «لأن ذلك سيخلق أرضية معادية ضد الطائفة الشيعية وحالة من القطبية المذهبية والطائفية لا تخدم المصالح الإيرانية ولا مصالح المنطقة». ويعرب مندوب إيران السابق في منظمة الأممالمتحدة علي خرم أن الأسرة الدولية تتجه إلى استخدام الخيارات كافة من أجل الوصول إلي أهدافها، خطوة فخطوة، وفق ما تقتضي المرحلة، واضعاً الحكومة الإيرانية أمام خيارات منطقية وواقعية من أجل استيعاب تطورات الموقف في سورية والمنطقة. النخب السياسية التي استمعت لتصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأخيرة، فسّرتها علي أنها تغيير في الموقف الإيراني حيال التطورات السورية، حيث اختار الرئيس الإيراني قناة «المنار»، الصديق المشترك للنظامين الإيراني والسوري، والحليف المبدئي للبلدين، ليؤكد حق الشعب السوري في «الديموقراطية والعدالة والحرية»، لكنه حذر من تدخل القوي الكبري «لأنها ستعقد الأوضاع»، مشيراً في ذلك إلي ما حصل في ليبيا. وحاول نجاد متعمداً الإشارة إلي موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الداعم لحقوق جميع الشعوب في العدالة والحق «وأن الشعب الإيراني يسير إلي جانب الحرية والديموقراطية تحت ظل الأخوة والتفاهم»، معرباً عن استعداد إيران «للوقوف إلي جانب أنظمة هذه المنطقة وشعوبها». وتزامن هذا الموقف، مع تصريحات مماثلة أطلقها وزير الخارجية علي أكبر صالحي عندما دعا الحكومة السورية والمعارضة للحوار والمصالحة في شأن الإصلاحات «لأن القوي الغربية تسعي للهجوم علي سورية كما فعلت مع ليبيا». واختارت إيران سفيرها الجديد لدي دمشق محمد رؤوف شيباني بعناية خلفاً لأحمد موسوي التي انتهت فترة عمله الشهر الفائت، ويعتبر شيباني من الديبلوماسيين المخضرمين في الشؤون اللبنانية والسورية، وعمل معاوناً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، قبل أن يشد الرحال إلي دمشق، الأمر الذي فَسّر رغبة طهران في إرسال شخصية ديبلوماسية مهمة لتأكيد دعمها النظام السوري من جهة، ولنقل مواقف الجمهورية الإسلامية في شكل دقيق للقيادة السورية من جهة أخري، مع إمكانية دراسة تطورات الأوضاع علي الارض، واتخاذ المواقف المناسبة. وعلي رغم الانتقادات التي توجهها الدوائر الإيرانية للحكومة السورية، لكنها لا تعني بالضرورة الموافقة علي مطالب المعارضة بتنحي الرئيس بشار الأسد من السلطة، لأنها تعتقد بإمكان تقريب وجهات النظر بين الجانبين لتجنب الآثار السلبية التي تلحق الضرر بسورية والمنطقة علي حد سواء. وقد حلّ العميد قاسم سليماني قائد «فيلق قدس» التابع لقوات الحرس الثوري، وحيدر مصلحي وزير الأمن ضيفي شرف علي الاجتماع الدوري لمجلس خبراء القيادة، ما أعطى انطباعاً بحساسية الأوضاع التي تهم إيران سواء علي المستوي الخارجي والتي يطرحها سليماني، أو علي المستوي الداخلي التي يشرحها مصلحي. مصادر مقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني نقلت أن إيران ملتزمة ثلاثةَ خيارات لا يمكن المساومة عليها، وهي عدم السماح بتدخل القوي الخارجية، لأن ذلك يربك الوضع السياسي في المنطقة ويعزز المصالح الإسرائيلية، والعمل علي مساعدة الحكومة السورية لتنفيذ الإصلاحات التي تطالب بها المعارضة، والوقوف مع الشعب السوري لنيل حقوقه في الحرية والديموقراطية. وعند سؤالنا عن الموقف الإيراني في حال تغيير النظام السياسي في سورية، ومدي تأثر المصالح الإيرانية بهذا التغيير، رأت هذه المصادر، أن المعارضة السورية بشقيها القومي الوطني والإسلامي مدعوة لالتزام نهج المقاومة الذي يستطيع تحرير الأراضي السورية من الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن إيران لا تخشي هذه المعارضة التي وصفتها بالوطنية التي تريد مصلحة شعبها، وبالتالي «نحن نحاول تقريب وجهات النظر في الشكل الذي يخدم المصالح العليا ويعزز الحالة الوطنية عند جميع الأطراف».