أرخت أجواء الحرب والرعب والقلق التي تجتاح العالم جرّاء الهجمات على برجي مركز التجارة العالمية ووزارة الدفاع الاميركية البنتاغون وما تبعها من حرب على افغانستان، بظلالها على مصر متسببة بخسائر على المستويات الاقتصادية والثقافية والفنية والاجتماعية. وخسر الكثيرون وظائفهم حين بدأت بعض الشركات الكبرى بالاستغناء عن خدمات عدد من العاملين فيها، كما أُلغي الكثير من العروض الفنية والثقافية. مؤسسة "مصر للطيران" قررت الاستغناء عن 90 في المئة من العمالة الموقتة لديها، كما قررت تخفيض نفقاتها لمواجهة الظروف السيئة التي تتعرض لها صناعة النقل الجوي على مستوى العالم، حيث تم منح العاملين الإداريين في الفترة الصباحية اجازة يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع لتوفير نفقات النقل والتشغيل. كما قررت شركة "جنرال موتورز مصر" الاميركية الأصل والمتخصصة في صناعة السيارات، الاستغناء عن خدمات ثلاثين موظفاً من العاملين بها، "والبقية تأتي لاحقاً" كما صرح أحد المُديرين في الشركة. أما على المستويين الثقافي والفني، فألغت فرقة "البولشوي" الروسية عروضها التي كان من المقرر ان تقدم في بداية العام المقبل على المسرح الكبير في دار الاوبرا المصرية. الغاء اوبرا "عايدة" ولعل الخسارة الأكبر تعرضت لها دار الاوبرا ووزارة الثقافة المصريتان، وتمثلت بالغاء عروض "اوبرا عايدة" التي كان من المقرر أن تعرض هذا الشهر، بعدما انفقت ملايين الجنيهات على الاستعدادات والتجهيزات والتي بدأت منذ العام الماضي. وكانت الاوبرا الغيت العام الماضي ولكن لأسباب اخرى، وهي عدم الاستعداد جيداً للحدث، وشملت هذه الاستعدادات بناء المسرح الضخم، الديكورات الضخمة بطبيعة الحال حيث تصور حقبة تاريخية مهمة في مصر وتدور من خلالها الاحداث وهي الفترة الفرعونية، وأيضاً إعداد الملابس الخاصة بالعرض، بالمجاميع الهائلة التي تُمثل بالعرض، كما شملت الاتفاقات ايضاً الاتفاق مع مغني الاوبرا العالميين ودفع جزء من أجورهم مقدماً. ويقول وزير الثقافة المصري فاروق حسني عن أسباب إلغاء العرض: "أُلغيت اوبرا عايدة لأننا لا نعيش بمعزل عن العالم الخارجي ولا عن الاحداث الجارية في العالم". اما المسؤولون في دار الاوبرا فتحدثوا عن إلغاءات عدة لتذاكر الطيران وتذاكر الحفلة، أُبلغوها من طريق شركات السياحة، وكان أول الغاء من الولاياتالمتحدة، ومن ابنة نائب الرئيس ديك تشيني التي كانت قد حجزت مقاعد عدة لاوبرا عايدة. ... وعروض سينمائىة اما على المستوى السينمائي فتعرضت الافلام التي عرضت بعد الهجوم على اميركا، لخسارة فادحة اذ انخفضت نسبة الاقبال على دور العرض السينمائي بنسبة ما بين 40 و50 في المئة على حد قول المنتج والموزع السينمائي والمسرحي وصاحب الكثير من دور العرض في القاهرة وائل عبدالله الذي يقول ايضاً: "ان تلك الأزمة لم تفرق بين فيلم مصري وآخر أميركي فالجميع تعرّض للخسارة، حتى بعض الافلام التي حققت نجاحاً كبيراً في الخارج وجاءت مسبوقة بدعاية إعلامية كبيرة مثل "مولان روج" لم يفلت ايضاً من الخسارة. أما بالنسبة للتوزيع الخارجي فبالطبع تأثر ايضاً. وأتكلم هنا عن تجربتي مع فيلم "ايام السادات" الذي أتولى توزيعه في الدول العربية، والذي صادف أول يوم عرض له في لبنان يوم الهجوم الارهابي نفسه، فتعرض ايضاً للخسارة، ونسبة المشاهدة ما زالت تقل تدريجاً وان كانت الحال اسوأ في مصر. أما مهرجان القاهرة السينمائي فعلى رغم توقع الجميع الغاء دورته لهذا العام نظراً للظروف العالمية، إلا أن رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي أصر على افتتاحه في الموعد نفسه، من دون تأجيل احتفالاً بيوبيله الفضي. فكانت النتيجة انه جاء من دون فاعليات حقيقية، ولم يصاحب كالعادة بدعاية كافية وبالتالي تراجعت نسبة الاقبال على مشاهدة الافلام بصورة تثير الدهشة، على رغم وجود الكثير من افلام الاثارة التي كان يعتمد عليها المهرجان في السابق لجذب الجمهور، وإن كان البعض يُرجع السبب ايضاً لارتفاع اسعار تذاكر المهرجان. واضطرت ادارة المهرجان الى الغاء عدد من العروض السينمائية لعدم وجود جمهور، كما أرسلت برقية استغاثة للتلفزيون المصري لدعم المهرجان إعلانياً، في الوقت الذي اقتصرت فيه اخبار المهرجان في الصحف المصرية على الرحلات النيلية التي يدعو إليها رئيس المهرجان ضيوفه من العرب والاجانب لمشاهدة معالم مصر السياحية. مجالات تتراجع وفي مجال آخر من مجالات الحياة الاقتصادية في مصر، وهو مجال "التأمين" توقع البعض زيادة معدل التأمينات على الحياة اذ نشطت حركة شركات التأمين في مصر في العقد الأخير، فأصبحت هناك ثلاث عشرة شركة مصرية واجنبية تعمل في هذا المجال منها ثلاث شركات تنتمي للقطاع العام المصري التابع للدولة. وعلى رغم توقع رواج فكرة التأمين لا سيما بعد الأحداث الأخيرة إلا أن "الريح تأتي بما لا تشتهي السفن" كما يقول الوسيط التأميني وليد نور الدين الذي يقول إن نسبة المؤمِّنين على حياتهم او على مشاريعهم او على مصانعهم تراجعت خلال الشهر الماضي بنسبة 40 الى 50 في المئة، وهذا لا يعني بالضرورة تراجع فكرة التأمين نفسها، بل بالعكس هناك رغبة ووعي تام داخل مصر بالتأمين، لكن الحال الاقتصادية الراهنة التي تعيشها مصر، إضافة الى توابع الأزمة والأحداث العالمية الأخيرة ادت الى نسبة تصفيات كبيرة جداً داخل السوق المصري، إضافة الى الأضرار التي اصابت السياحة المصرية، التي تؤثر في قطاعات عدة ومتنوعة من الشعب المصري بجميع فئاته. وهي الفئات التي كانت شركات التأمين تعتمد عليهم في شكل كبير جداً فكانت تتعامل مع الفنادق وشركات السياحة وشركات الطيران والبواخر النيلية، والعاملين في كل هذه المشاريع، أما الآن فكل هذه الموارد الاساسية والمهمة بالنسبة لشركات التأمين إما أنها تتوقف عن دفع أقساطها، او تحاول تخفيض المبلغ الذي رصدته للتأمين سابقاً. انها أجواء الحرب التي تهيمن على العالم في آثارها على مصر.