قدمت فرقة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون - فرع الدمام عرض "الحافة" ضمن المهرجان السابع للفرق المسرحية في دول مجلس التعاون الخليجي وهي من إخراج راشد الورثان وتأليف عبدالعزيز السماعيل. أثار هذا العرض نقاشاً حاداً تناول شجاعة المسرحيين السعوديين في اختراق "تابوهات" وتجاوز عقبات كثيرة ودخول معترك المسرح في ظل المنع والتحريم ويعتبر هؤلاء المسرحيون انهم تجاوزوا هذه الصعوبات، وهم اليوم يلقون الدعم الحكومي. وفي سائر عروض المسرح الخليجي اشتغل هؤلاء على التراث، ولكنهم نأوا عن اتخاذ العلاقة مع البحر وهجرة الشباب للاتجار باللؤلؤ ذريعة لموضوع مسرحي، وإن كانت قد ظهرت في عرض "الحافة" بعض الإشارات التي ترمي الى الكلام عن البحر، ولكنها ظلت في إطار ايحائي. كما ان الجامع المشترك بين هذه العروض كان لجوء الشباب المسرحي الخليجي الى الماضي، الى الموروث، الأمر الذي يستدعي التوقف عنده والتساؤل عما إذا كانت العودة الى الوراء هي خوف من الآتي، ام هي هروب لصعوبة التعبير عن الحاضر وعن معاناتهم بجرأة وحرية، فيصير اللجوء الى الماضي متراساً أو ترسانة تحمي هؤلاء الشباب من المنع والتحريم، ومن ضغوط الحاضر؟ ولكن عرض "الحافة" جاء من وجهة نظر اكثر حداثة وتجاوزاً للمفهوم الجامد والسكوني للتراث/ المشار إليه بالماضي. إذ جعل المخرج الماضي والمستقبل متقابلين، فلم يعد أحدهما استمراراً للآخر او مكملاً له. جسد العرض صراع الشباب/ الجيل الجديد بين الماضي والحاضر والمستقبل، صراع التقليد والحداثة، وصور حال الإنسان الجديد المنشد الى التراث والماضي هرباً من الحاضر وخوفاً ورعباً من المستقبل، ولكن ضمن دائرة الدار القديمة والبنايات الشاهقة. بدا موضوع العرض حديثاً - قديماً، ذلك لأن المفروض ان يهجر الشباب الماضي الى مستقبل المدنية والمدينة، إلى الأوتوسترادات، وكل ما هو حديث، اما ان يهرب الشباب الى الماضي، فهنا تكمن جدة الفكرة. وترتسم شخصيات العرض في حلم سند الشاب الرافض الحاضر، فتتوالد من حلمه شخصيات الجد والأب والأخوة وأصدقاء الجد والأب، وكلهم يمثلون الماضي، بينما يمثل شقيقا سند الحاضر والمستقبل، فهم يصرون على بيع البيت من اجل بناء بناية كبيرة شاهقة. ولا يعيش سند قهر الحاضر بل تتداعى الأفكار مجسدة في حلمه، عندما يستدعي قهر الجد ابنه اب سند وقهر شقيقي سند له، وقهر الأصدقاء لسند، فهم يريدون شراء الدار لهدمها، وقهر الحاضر المتمثل بالزيف الحضاري والمدني الذي يرفضه سند ويظل الماضي المتغلغل في داخله، وإذا حاول التخلص منه، فهو يستحضره في الحلم عندما يستحضر سند الأب والجد ويظل سند في حوار دائم مع هذا الجد الذي يفضل الطعام الذي كان يأكله على الطعام الحديث. فيتبين لاحقاً ان هذا الطعام يحتوي الكثير من السكر، ويتسبب بأمراض كثيرة. ويعيش سند ايضاً قهراً كبيراً سببته له ابنة عمه التي احبها وتزوجت من غيره. ولكن حضورها، وإن كان يدل على خطورة متطورة في المسرح السعودي ولو باستخدام الصوت المسجل للمرأة التي يصعب حضورها على المسرح السعودي، أحدث خللاً في اسياق الدرامي في العرض اذ انه لم يسهم في تطوير الحدث، بل اخل في السياق، وذلك لأنه لم ترد اشارة خلال النص تدل على علاقته بابنة عمه. رأيناها تظهر كخيال من دون اي مسوغ، وتركته لأنه لا يملك داراً تظل الدار الخيط الدرامي الذي يربط مشاهد العرض في ما بينها. اما المعادل المرئي لهذه الفكرة على الخشبة، فكان الديكور، الذي تحرك من خلاله سند، فحاول إعادة بناء منزل العائلة كما كان، ولكن أنى له ذلك، إذ ان هذا المنزل فقد روحيته، ويبدو ذلك عندما حاول سند تركيب الشباك والباب، فجاء كل منهما مقلوباً، وربما أراد المخرج من ذلك ان يدل على هوية سند التي اضاعها، فهو يريد العودة الى الماضي، ولكن عودته جاءت مشوهة، وهو في الوقت نفسه، يرفض الحاضر، حاضر الإسنمت والباطون. كما أراد المخرج ان يصور الصراع الذي يعيشه سند، من خلال رؤية فنية لافتة، وإن كانت استخدمت كثيراً في المسرح. لقد شظى المخرج شخصية سند الى شخصيات تتصارع بين الحداثة والتقليد. وألبسها ثياباً: النصف الأيمن منها ابيض والنصف الآخر اسود، وكانت حركة هذه الشخصيات متقابلة، فهي لم تلتق، وإن التقت، تأتي كلقاء الأبيض والأسود، لقد خرجت هذه الشخصيات عن التقليد لتتغلغل في عمق الحال، فتدل على التناقض الذي تعيش تحت ثقله، وثقل الحلم الذي كان المحرك الرئيس للفعل في هذا العرض. من خلاله يصور المؤلف الصراع الذي يعانيه سند عندما يطلب منه شقيقاه سند تمليك المنزل لبيعه وهدمه، وتترافق هذه الفكرة مع مشهد التفجير، وصوت الديناميت الذي يفجر الأبنية القديمة لاستبدالها بأبنية حديثة. كما حاول المخرج تجسيد بعض الأفكار بمشاهد راوغت المباشرة وانحازت الى الرمزية، كاستخدام النخلة/ المعادل الموضوعي لسند. زرعت عندما ولد، وكبرت معه، ولم يبق سواها الى جانب المنزل يرتبطان بسند ويربطانه بماضيه. فضلاً عن ان هناك ملامح جمالية استخدمت في العرض، مثل استخدام خيال الظل، بشكل متساوق مع الحلم، وقد تمثل هذا المشهد وبجرأة بليلة الزواج، الذي رمز إلى العلاقة التي تمت في هذه الليلة بصعود الرجل الى درج السلم، وذلك من خلال لعبة خيال الظل. كما برع المخرج في استخدام خيال الظل وتشغيله عندما صور علاقة المرأة بالرجل، إذ وضعهما وراء قضبان الشباك، فأوحت هذه الوضعية بدلالات عدة يمكن ان تترجم الى تأويلات متنوعة منها: انها النافذة الوحيدة التي وصلت سند بابنة عمه، بإنسانيته، وبروحه، إنها المتنفس الوحيد الذي جعل سنداً انساناً عاشقاً، ولكن بائس، عندما تركته ابنة عمه، وتزوجت من سواه. وظف المخرج هذه الأدوات، وتحديداً الشباك في سياق يتلاءم ورؤيته الفنية والفكرية. تركز الأداء لدى سند عبدالباقي بخيت على الأداء الخارجي الذي لم يتمكن إلا في لحظات قليلة من الدخول في حال الانسجام مع اداء الشخصية التي تشظت، وصارت مقابلة للخشصيات الأخرى. ولكن هذه الشخصية بلغت حال من التعبير الصادق في آخر العرض عندما وقعت في المحظور/ لحظة الحسم، لحظة تفجر الصراع، فتعالت صرختها مستنجدة بقولها: ماذا أفعل، هل أعطيهم سند الدار أم أحتفظ بالدار؟ وبلغت هذه اللحظة مستوى درامياً ترافق مع حركة الممثل بجلوسه على "حافة" الخشبة المسرحية، فهو ما زال متأرجحاً بين الماضي والحاضر، بين التقليد والحداثة، إنه على "الحافة". اما الشخصيات الأخرى التي أداها الممثلون ماهر الغانم وعبدالرحمن بودي وحسان الغريب وغيرهم، فقد ظلت تتحرك كأشباح/ إنها الظل المقابل لشخصية سند، لم تسلط عليها الإضاءة، بل ارادها المخرج من دون ملامح، فهي متشابهة في ما بينها ومتقابلة مع سند. ارادها صفراء مملة، قانطة تتلاءم مع حالات سند القلقة، والمتأرجحة، والمضطربة، تؤجج هذه الحال مؤثرات موسيقية عذبة تنبعث من عمق التراث لتزيد من وجع سند، وتتركه على "الحافة".