يكاد الحديث عن وقف اطلاق النار والمفاوضات بين الفلسطينيين واسرائىل يتحول الى نوع من العبث، فهناك خلاف عليه بين الجانبين، وخلاف اكبر في كل جانب. ونعرف ان "حماس" و"الجهاد الاسلامي" رفضتا وقف اطلاق النار، وأعلنتا انهما لن تلتزما به. وقد جاء انفجار القدس امس ليؤكد استمرار موقفهما، بربط العمليات بالقدرة على التنفيذ فقط، وبمعزل عن اي تطورات اقليمية او دولية. الخلاف في الجانب الاسرائيلي اكبر، ووزير الخارجية شمعون بيريز يقود وحيداً حملة للعودة الى مائدة المفاوضات في وجه معارضة شرسة من وزراء في حكومة آرييل شارون، ومن قيادة الجيش الاسرائىلي التي تبدو وكأنها حكومة مستقلة، تتصرف من منطلق حساباتها الخاصة، بمعزل عن القرار السياسي. داخل الحكومة طالب الوزيران العنصريان افيغدور ليبرمان ورحبعام زئيفي باستقالة بيريز، وطالب الوزيران اوزي لانداو وشلومو بنزيري بسحب العلاقات العامة للدولة من وزارة الخارجية، لأن بيريز يدافع عن عرفات، وهو بالتالي "محامي الشيطان". وخلاف بيريز مع قيادة الجيش الاسرائيلي اكبر من خلافه مع اعضاء الحكومة، حتى ان وزير الدفاع بنيامين بن أليعيزر توسط لترتيب اجتماع بين وزير الخارجية ورئيس الأركان شاؤول موفاز ونائبه موشى إيالون. بيريز يسخر من قادة الجيش ويقول انهم اصبحوا يعرفون كيف يجب ان تتعامل اسرائيل مع الكونغرس الاميركي، وكيف تخوض حملة علاقات عامة في العالم، وماذا يريد شارون وعرفات. وهو يعتقد ان إيالون يريد قتل عرفات، ويقول ان الرئيس الفلسطيني يعترف باسرائيل، ولكن اذا رحل فسيأتي مكانه "حماس" و"الجهاد الاسلامي" و"حزب الله"، وهي تريد اقامة دولة فلسطينية بين العراق والبحر. شخصياً، اعتقد ان بيريز لا يستطيع ان يحقق شيئاً في وجه المعارضة السياسية والعسكرية له داخل اسرائيل، وهو بالتالي لا يزيد على رجل علاقات عامة لاسرائيل، بما يبدو من اعتداله، إلا انه "فاتح على حسابه"، ولا يمثل احداً غير نفسه. مع ذلك يجب الاسراع الى القول ان مواقف بيريز المرفوضة اسرائيلياً ليست بالضرورة مقبولة فلسطينياً، فهو يقول ان اي اتفاق مع الفلسطينيين يجب ان يبدأ باعتقال "المطلوبين" من "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، وهو طلب تعجيزي لأن القيادة الفلسطينية لن تعتقل احداً قبل ان تبدأ اسرائيل خطوات من عندها لرفع الحصار، وإعادة الاوضاع تدريجاً الى ما كانت عليه في 28 أيلول سبتمبر من العام الماضي. اقول انه يمكن اعتقال بعض رجال "حماس" و"الجهاد"، فوجودهم في سجون فلسطينية يحميهم من محاولة اسرائيل اغتيالهم، وهم يتركون السجن عندما يصبح الظرف مناسباً، لأن تسليمهم الى اسرائيل مستحيل اليوم او غداً. غير ان قيادتي "حماس" و"الجهاد" لن تقبلا التعاون مع السلطة في موضوع الاعتقالات، ولو صورياً، لأنهما ترفضان وقف اطلاق النار اصلاً، وهما بذلك اقرب الى موقف موفاز وإيالون منهما الى السلطة الوطنية او بيريز. السلطة الوطنية تقول ان هناك نظاماً عالمياً جديداً افرزته الهجمات الارهابية في الولاياتالمتحدة الشهر الماضي، وهي تريد ان تكون داخل الشرعية الدولية الجديدة، وهو موقف تؤيدها فيه الدول العربية والاتحاد الاوروبي. ويصرّ المسؤولون الفلسطينيون الذين تحدثت معهم في غزة ورام الله على ان السلطة الوطنية تريد صيانة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لأن هذه الوحدة هي الضمانة الأولى، وربما الوحيدة، لتحقيق المطالب الوطنية. غير انه بات من الواضح ان السلطة لم تقنع "حماس" و"الجهاد" بعد بإعطائها فرصة لسبر مردود التعاون مع التحالف الدولي ضد الارهاب، ووقف العمليات بشكل موقت. ارجو ان تقبل المقاومة الاسلامية مساعدة الرئيس الفلسطيني، لا لأنه مصيب في موقفه، بل لأن وقف اطلاق النار سينهار، والمفاوضات لن تحقق شيئاً، فالجيش الاسرائيلي مصمم على المواجهة، وقد رأينا في الايام الاخيرة تصاعد وتيرة العنف الاسرائيلي على الارض، مع ازدياد الحركة باتجاه المفاوضات، حتى ان عدد الشهداء الفلسطينيين خلال الايام الماضية زاد اضعافاً على عددهم خلال اي فترة مماثلة على امتداد السنة الماضية. يعني هذا الكلام ان يترك المتطرفون في الحكومة الاسرائيلية والجيش الاسرائيلي لتدمير الجهود المتواضعة على طريق السلام، ولمواجهة غضب الادارة الاميركية وهي تحاول بناء تحالف يضم الدول العربية والاسلامية لشن حرب على الارهاب الدولي. وطالما ان النتيجة الأكيدة للجهود الحالية هي الفشل، فان المقاومة الاسلامية تستطيع ان تقف جانباً وتترك الجيش الاسرائيلي ينفذ مهمته القذرة في تدمير فرص السلام، ليرى العالم كله مَنْ هو الارهابي الحقيقي الذي أطلق ارهابه كل ارهاب آخر في الشرق الاوسط والعالم.