شهدت سماء أفغانستان ليل الأحد 7 تشرين الاول اكتوبر الموجة الأولى من هجومنا على شبكة "القاعدة". وتزامن الهجوم مع مساعدات انسانية الى ملايين الجياع في ذلك البلد. انها حرب ليست مثل غيرها. وستخاض على جبهات كثيرة متنوعة، وستكون في أكثرها غير عسكرية. اننا في حال اشتباك بالفعل على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية، بمساعدة مختلف الحلفاء، مع ذلك العالم الخفي، عالم الارهاب. لكن العمل الديبلوماسي المفتوح - وليس فقط التراسل بين العواصم، أو الاتصالات الهاتفية بين القادة، أو حرب مقالات التحرير في وسائل الاعلام العالمية - كان الحلقة المفقودة الحاسمة الأهمية. ذلك اننا نجلس على ضفتي هوة كبرى بيننا، هوة من الشك المتبادل الذي يساهم في تعميقه يومياً اولئك الذين يريدون لنا ان نكون في خلاف لا نهاية له. هؤلاء الأشخاص، مثل أسامة بن لادن، ينظرون الى عالمنا بأنه مسرح للحرب، بهذا الشكل أو ذاك، بين الحضارات والأديان. وهناك في بلدي أيضاً أطراف تشاركهم هذا المنظور البالغ الخطر. كيف لنا ان نتعامل مع بعضنا بعضاً في مرحلة عصيبة كهذه؟ اعتقد جازماً ان هناك حاجة ماسة الى تحسين قدرتنا على مخاطبة بعضنا بعضاً. لأن التفاهم بين شعوبنا عنصر جوهري لمواجهة الارهاب العالمي وتقوية علاقاتنا بالبلاد العربية والاسلامية. ولدي بعض الأفكار عن ايصال موقفكم الينا في شكل أكثر فاعلية، مستغلين استعداد ملايين الأميركيين حالياً للسماع الى منظوركم، ان لم يكن الاقتناع به. لأقدم أولاً المنظور الأميركي. ان من الصعب على غالبية شعبنا ان تتذكر ما عملنا أو فكرنا أو اهتممنا به قبل 11 أيلول سبتمبر الماضي. لأن تلك الصور المرعبة تتكرر في اذهاننا باستمرار. ولا نزال، اثناء مزاولة أشغالنا اليومية المعتادة، نتوقف بذهول عندما نمر بذلك الثقب الهائل في جانب البنتاغون، ويصدمنا التغيير في مشهد نيويورك بعد تدمير البرجين. ولا نزال في حداد على الوف الضحايا، الذين لم يعرفهم أكثرنا اثناء حياتهم، لكن موتهم أثّر علينا بعمق. لقد كانت تلك، بحق، لحظة فاصلة في حياة الأمة. إلا أننا في الوقت نفسه نواصل حملتنا على أسامة بن لادن و"القاعدة". ويتابع الأميركيون بشغف الاخبار التلفزيونية والاذاعية التي تبث على مدار الساعة، ويحاولون فهم تعقيدات الوضع الدولي، التي كانت حتى 11 أيلول حصراً على قطاع صغير من السكان. ان غالبية الأميركيين لم تسمع قبلها ببعض حلفائنا الجدد، فيما يعرف آخرون أن بعض الدول الأخرى لا تزال على قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للارهاب. انها فترة مليئة بالتضارب والغموض لشعب لم يعر اهتماماً كبيراً بالعالم حولنا قبل كارثة أيلول. واذ يبذل بعض الفئات، وهي قليلة نسبياً، جهوداً للنيل من الاسلام وتحريض الأميركيين على العرب، فهناك بالمقابل جهود هادئة لكن مهمة يقوم بها الملايين للحصول على فهم أفضل. وسجل موقع "معهد الشرق الأوسط" على الانترنت ارتفاعاً في عدد الزوار يومياً من ثلاثة آلاف زائر قبل 11 أيلول الى أكثر من 40 ألف بعده. كما حصل ارتباطنا مع مواقع اخرى، اضافة الى نصنا التعليمي عن الاسلام على الانترنت، على تغطية ايجابية من "نيويورك تايمز". وشهدت منظمات اخرى تركز على قضايا عربية - أميركية أو تدعم برامج التنمية في الشرق الأوسط موجة مشابهة من الاهتمام الشعبي. وقد ساهمت في عدد من البرامج الحوارية على التلفزيون واعجبت بالانفتاح الذهني الذي أبدته الغالبية الكبرى من المتصلين. يشعر الأميركيون حالياً بجوع عميق الى المعرفة. انهم يحاولون التوفيق بين صور النساء اليائسات في أفغانستان ومقابلة "سي ان ان" مع الملكة رانية التي نالت الكثير من الاعجاب. وهم يقرأون في الصحف عن رسائل الدعم والمواساة من قادتكم لكنهم يرون مظاهر الغضب على سياسات أميركا في شوارع الكثير من العواصم المسلمة. ويسمعون انكم معنا في الحرب ضد الارهاب لكن مساهمتكم لن تكون عسكرية. ازاء كل هذا يشعر الأميركيون بالحيرة، وليس الكره أو التصلب. انهم مضطربون، ويشاركهم في ذلك - بصراحة - كثيرون من المراسلين والصحافيين الذين يسارعون الآن الى تغطية الجوانب التي لا حصر لها للتطورات. انهم بحاجة الى مساعدة منكم للتمييز بين الحقائق من جهة والمبالغات والتضليل من الثانية. عندما بدأت عملي الحالي قابلت رؤساء عدد من المنظمات الأميركية الأخرى المتعاطفة عموماً مع قضايا العرب، ويتكلم عدد منهم العربية. سألتهم عن المصدر الذي يستقون منه معلوماتهم كل صباح عن الاحداث في المنطقة. جواب الكل كان انه صحيفة "هآرتس"، الصحيفة الاسرائيلية المعتدلة والراقية. وهنا المفارقة: مصدر التقارير المعمقة عن الشرق الأوسط للكثير من الأميركيين، خصوصاً المهنيين والمثقفين الذين لهم بعض الخبرة بالمنطقة، هو تلك الصحيفة الاسرائيلية. انها صحيفة جيدة وصريحة من دون شك. لكن العنصر الحاسم انها تنشر يومياً بالعبرية والانكليزية. قد يزعجكم هذا الاعتماد على مصدر غير عربي لتغطية العالم العربي. لكن لا اعرف عن صحيفة بالانكليزية في العالم العربي مطروحة يومياً على الانترنت. "الحياة" صحيفة رائعة بالطبع، لكن اين اجدها يومياً بالانكليزية، وليس مقاطع منها مترجمة الى تلك اللغة. ان غياب صحيفة كهذه يعوّق جهودكم للتأثير في شكل متواصل على دوائر السياسة الخارجية الأميركية والمساهمة في تغيير منظور أميركا للمنطقة. والآن بعدما قدمت منظورنا، هاكم بعض النصح. الاتصال ليس طريقاً باتجاه واحد، وقد زادت أهميته اضعافاً في عالم ما بعد 11 أيلول، عالم التحالفات الجديدة المتغيرة وخطوط القتال الغامضة. نريد ان نسمع الأصوات الكثيرة التي تشكل العالم العربي والاسلامي. لا حاجة لطمس التناقضات والخلافات، لأن عندنا منها الكثير أيضاً. لكننا بحاجة الى ان نسمع منكم، وان يكون ذلك بالانكليزية. نريد منكم التعبير عن شكاواكم من سياساتنا. لكن لا داعي للصياح، لأن ذلك لن يجدي. أيضاً تجنبوا البلاغيات والروح السلبية، التي قد تبدو مقبولة بالعربية لكن منفّرة بالانكليزية. اقترحوا علينا سبلاً بنّاءة لتناول قضاياكم. الأهم من كل هذا: وجهوا الكلام الينا، وليس الى بعضكم بعضاً. اتيح لي خلال العقود الثلاثة من عملي في السلك الديبلوماسي الأميركي أن أرى بوادر السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وقد استفاد من ذلك الملايين من العرب. لكن شيئاً آخر تأصل هناك أيضاً: روح السلبية لدى المجموع، وشعور اليأس بين الفقراء. وعلينا العمل سوية للتخلص من الاثنين من اجل عالم يسوده السلام والرخاء نخلفه لأطفالنا. اننا نقف اليوم على عتبة عالم بامكانات لا حد لها، وأمامنا فرصة للتعاون بعيداً عن القيود والعراقيل التي واجهتنا قبل 11 أيلول. ان في امكاننا اليوم طرح الماضي جانبا والتطلع الى مستقبل جديد. لكن الوقت يمضي. وأمامنا الآن اما التقدم سوية أو اضاعة هذه الفرصة التاريخية. *رئيس "معهد الشرق الاوسط"، واشنطن.