تجاوزت معاناة الافغان كل المعايير، اذ ان اللاجئين الذين هربوا بالملايين من بلادهم، تجمعهم هموم التشرد بسبب الحروب المتعددة والمتنوعة. ويؤوي مخيم تربت جم 7500 لاجئ هجرّتهم مجموعة حروب، بدءاً من فترة الاحتلال السوفياتي، مروراً بحروب الأخوة الأعداء داخل البيت الأفغاني، وصولاً الى الحرب الاميركية - البريطانية مع "طالبان". وفي مخيم تربت جم الذي اقامته السلطات الايرانية قبل ثماني سنوات، تتوحد الأسر الافغانية في مشكلاتها وتنسى كل الفوارق العرقية، وأبرز تجسيدات هذا الواقع حالات المصاهرة بين البشتون والطاجيك والهزارة وغيرهم داخل المخيم. واللافت ان اعداداً كبيرة من أبناء الجيل الجديد في المخيم، لا يعرفون شيئاً عن افغانستان، ومنهم صفية خاوري 25 سنة التي هجرت بلادها اثناء الاحتلال السوفياتي، وكان عمرها آنذاك خمس سنوات، وانتقلت لتعيش 11 سنة كلاجئة في باكستان، ثم في ايران. قالت صفية ل"الحياة": "كل ما أتمناه ان أرى بلادي يوماً، لأنني لا أذكر منها شيئاً، ولا استطيع وصفها لطفلتي. أتمنى ان تتحرك دول العالم بجدية لاعادتنا الى افغانستان. فهي الأفضل على رغم كل الخراب الذي أصابها والدمار". في احدى ساحات المخيم تجلس صفية وصديقاتها حول بركة مياه صغيرة، حيث يقمن بغسل الملابس وتنظيف الصحون. ويتحلق حولهن اطفالهن، ويحاول بعض الفتيات الصغيرات تقليد الامهات. وتحول المخيم الى قرية صغيرة، اذ شيدت فيه السلطات الايرانية مدرسة ومستوصفاً وسوقاً شعبية. ويتأمن لكثيرين من سكان المخيم فرص عمل اخرى غير التجارة، مثل حياكة السجاد، خصوصاً للنساء اللواتي يعكفن على نسج آمالهن عبر خيوط من الصوف. ويسمح للرجال بمغادرة المخيم بموجب أذونات، كي يتمكنوا من العمل خارجه، خصوصاً في مدينة مشهد القريبة، وهي مركز محافظة خراسان الحدودية. نائب مدير المخيم محمد رضا سرغزي قال ل"الحياة": "لا نمانع في خروج الآباء طلباً للرزق، ونسعى دائماً الى تحسين الظروف المعيشية والصحية لضيوفنا الأفغان في هذا المخيم، ولدينا اضافة الى المدرسة، صفوف لمحو الأمية ترتادها كثيرات من النسوة". وترتسم على وجوه اللاجئين، خصوصاً العجز، علامات قلق مما يجري في افغانستان بفعل الحرب الاميركية - البريطانية، واكثر ما يقلقهم مصير اقاربهم في القرى والمدن الافغانية. وهم يظهرون بوضوح عدم اقتناعهم بمبررات الحملة العسكرية، على رغم معارضتهم حركة "طالبان"، اذ ان اكثر ما يهمهم هو "عدم تعرض افغانستان الى مزيد من المصائب التي تقع دائماً على رؤوس المدنيين". وعند مغادرتنا المخيم تحلق الاطفال ورددوا نشيداً لأفغانستان: "بلادنا، بلادنا، اضنانا البعد والجفا، فمتى يكون اللقاء يا أرض الآباء والأجداد".