الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    الأهلي ينتصر على الفيحاء بهدف رياض محرز    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    القبض على 4 مقيمين في جدة لترويجهم «الشبو»    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القوات الجوية المصرية ... تخلصت في حرب 1973من عقدة الذنب الموروثة من 1967 : خطوات الإعداد والتجهيز في السنوات الست قبل المعركة ... أنجزتها القيادة وتبناها الأفراد بحماسة
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 2001

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر يوم 6 تشرين الأول أكتوبر 1973 عندما عبرت طائرات سورية ومصر خطوط المواجهة مع إسرائيل، واتجهت نحو أهدافها المحددة في الخطة المشتركة، ثم هدرت مدافع العرب على طول الجبهتين الشمالية والجنوبية في أقوى تمهيد نيراني شهده الشرق الأوسط.
على الجبهة المصرية انطلقت مئتان وخمسون طائرة تشق عنان السماء في طريقها المرسوم إلى عمق سيناء، حيث تقع أهدافها المنتخبة بحذق ومهارة، لتنفيذ الضربة الجوية المركزة التي كان عليها تحطيم ثلاثة مطارات وقواعد جوية، وعشرة مواقع صواريخ "هوك"، وثلاثة مراكز قيادة وسيطرة وإعاقة الكترونية، بالإضافة إلى عدد آخر من محطات الرادار، وموقعي مدفعية بعيدة المدى، وثلاث مناطق شؤون إدارية، وحصون العدو شرق بور فؤاد.
وفي اللحظة نفسها هدرت نيران أكثر من ألفي مدفع على طول الجبهة، بين مدفعية ميدان ومدفعية متوسطة وثقيلة، ومدفعيات وهاونات تشكيلات ووحدات المشاة والمدرعات ولواء صواريخ تكتيكية متوسطة المدى أرض/ أرض.
وبينما استمر الألفا مدفع ونيف تصب حممها على خط بارليف ونقطه الحصينة بدقة وكثافة لم يسبق لها مثيل، ولمدة 53 دقيقة كاملة، راح عدد كبير آخر من المدافع يطلق نيرانه بالتنشين المباشر المحكم التصويب على دشم العدو وأهدافه المنظورة التي نجح المراقبون في كشف خباياها، على رغم ما بذله العدو من جهد ومال لإخفائها وتمويهها عن المراقبة الأرضية والجوية.
وتحت ستر هذه النيران القاتلة، التي ناهز وزنها الإجمالي ثلاثة آلاف طن على إمتداد التمهيد للعبور المجيد، أخذت جماعات من الصاعقة ومفارز اقتناص الدبابات تعبر مياه قناة السويس، لتبث الألغام والشراك في مصاطب دبابات العدو، وتقيم الكمائن على طرق المدرعات إلى القناة، لتشل حركتها وتمنعها من التدخل في عملية الاقتحام الوشيكة.
كانت الساعة الثانية وخمس دقائق هي ساعة البدء التي حددتها القيادة الاتحادية المصرية - السورية. وكانت هي الساعة التي طال انتظار العرب لها ليثأروا لنكسات سابقة، ويستردوا حقوقاً مسلوبة. كانت هي الساعة التي أراد العرب أن يبدأوا فيها الجولة الرابعة مع إسرائيل.
وسرعان ما تتابعت الأحداث الجسام بوتيرة عالية، ثم استمر تتابعها ثلاثة وعشرين يوماً حافلاً بأخطر الأمور. أيام كانت كلها مشحونة بالقتال الضاري العنيف الذي تحطمت خلاله أساطير، وتهاوت نظريات، وسقطت عقائد، وتوارت استراتيجيات وانكشف زيف مزاعم، وافتضحت الدعاوى التي طالما اطلقتها أبواق الدعاية الإسرائيلية على امتداد ربع القرن المنصرم، عن العرب وتخلفهم الحضاري المزعوم، والفجوة التكنولوجية التي تمسك بتلابيبهم، وعن أمن إسرائيل والحدود الآمنة، والجيش الذي لا يقهر، والذراع الطويلة وحصانة خط بارليف الرهيب الذي من المستحيل اختراقه.
لقد صدقت إسرائيل أكاذيبها، حتى خرج عليها يوم 24 تشرين الأول اكتوبر رئيس دولتها، ابراهام كاتزير، يوقظها من أحلام الخيال، ويكشف لشعبها المخدوع طرفاً من الحقائق الأليمة ويقول: "لقد كنا نعيش في ما بين 1967 و1973 في نشوة لم تكن الظروف تبررها، بل كنا نعيش في عالم من الخيال لا صلة له بالواقع. وهذه الحالة النفسية هي المسؤولة عن الأخطاء التي حدثت قبل حرب أكتوبر، وفي الأيام الأولى للحرب، لأنها كانت تفشت في كل المجالات العسكرية والسياسية والاجتماعية، وأحدثت فيها مواطن ضعف خطيرة، يجب على الإسرائيليين جميعاً أن يتحملوا مسؤوليتها. وعلينا أن نتعلم بعد هذه الحرب الفظيعة أن نكون أكثر تواضعاً وأقل نزوعاً إلى المادية، كما يتحتم علينا أن نبذل كل طاقاتنا لإزالة الفجوة الاجتماعية، والتغلب على المادية التي أحدقت بنا".
وفي تشرين الأول أكتوبر 1973 لم تكن القوات البرية في المعركة وحدها، بل تجلت معركة الاسلحة المشتركة الحديثة في أروع صورها. وأبلت القوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوي بلاءً حسناً أذهل العدو قبل الصديق.
وعلى نحو مشرف للعسكرية المصرية قاتل رجال القوات الجوية المصرية في حرب رمضان المجيدة فصالوا وجالوا فوق السحاب، وانجزوا المهمات الجسيمة، وحققوا الهدف المنشود.
السيطرة الجوية
إن خصائص السرعة التي تتميز بها عمليات القوات الجوية في العالم والقدرة التدميرية التي تتسلح بها الطائرات، تجعل لهذه القوات دورها البارز في ميدان القتال. وهناك فارق كبير بين جيش بري أو اسطول بحري يعمل تحت غطاء جوي يحمي رأسه ويظلل سماءه، وبين افتقاد مثل هذا الغطاء. ومن ثم فإن إحراز السيطرة الجوية، هو مبدأ من مبادئ تحقيق النصر بالإضافة إلى كونه باعثاً معنوياً يشيع الثقة في نفوس المقاتلين في الميدان، ويحقق الأمن لمجموع المواطنين المدنيين البعيدين عن حلبة الصراع. والحق يقال إن تحقيق السيطرة الجوية كان السمة الرئيسية التي تفرق بين موقف القوات المسلحة المصرية في معارك الأيام الستة عام 1967، ومعارك الساعات الست عام 1973، ففي الأولى فقدنا هذه السيطرة في ساعات وطائراتنا على الأرض، وفي الثانية أحرزناها، على رغم أن العدو يمتلك قوة جوية لا يستهان بها ولديه أنواع من الطائرات هي أحدث ما وصلت إليه ترسانات الأسلحة في العالم.
وعلى رغم أن عمليات العاشر من رمضان دامت ما يقرب من ثلاثة وعشرين يوماً، فإن الكثيرين يحلو لهم أن ينعتوها بأنها حرب الساعات الست، لأن الساعات الأولى في المعركة كانت حاسمة، إلى الدرجة التي أفقدت العدو توازنه، وانعكس ذلك على كل عملياته التالية. ولا شك أن دور القوات الجوية، خلال هذه الساعات، كان حاسماً، إلى الحد الذي حقق ترنح العدو، وتخبطه. وتوالت عمليات القوات الجوية، مع ايقاعات سيمفونية النصر، التي عزفتها قواتنا المسلحة مجتمعة، حتى إيقاف إطلاق النار.
ومن أبلغ ما قيل في وصف هذا الدور قول الفريق محمد عبد الغني الجمسي: "إن القوات الجوية، هي التي بدأت الحرب، وهي التي أنهتها".
وهذا القول يعكس في طياته الاعتماد على خصائص الطيران، الذي جعل أول نيران عملية الشرارة، وأول عمل لتحقيق المفاجأة والأخذ بزمام المبادأة، هي الضربة الجوية المركزة التي جعلت من ساعة الصفر جحيماً يستعر فوق كل أهداف سيناء في لحظة واحدة.
نظرة إلى الوراء
إن الدروس المستفادة من عمليات السادس من أكتوبر لا حصر لها، وهي محل دراسة من قبل أجيال العسكريين المعاصرة، والمقبلة. ولا شك أن هذه العمليات، قد غيرت كثيراً من المفاهيم العسكرية، ووضعت علماء الاستراتيجية والتكتيك أمام حقائق جديدة جديرة بالبحث والتمحيص ولقد عبر الرئيس أنور السادات عن ذلك بقوله: "إن التاريخ العسكري سيتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية السادس من أكتوبر 1973".
والحقيقة أن الدروس المستفادة من الحرب، لا يمكن أن نستقيها من المعارك التي دارت وحدها، ولا أن نستوحيها من ملاحم البطولة التي نضرب بها الأمثال فحسب، ولكن لا بد من أن ننظر إلى جذورها وأعماقها، لنرى كيف تم الإعداد وكيف كان التجهيز والتخطيط، وكيف توالى التدريب، وكيف تم التنسيق في إعداد الخطة. ويأتي هذا سعياً وراء الحكمة التي تقول: النصر لا يكتسب خلال العمليات ولكن قبلها. والحقيقة التي لا تغرب عن بال، هي أن النصر لا يأتي عفواً ولا يسوقه الله للكسالى والمتواكلين، ولكن يؤيد به المجتهدين مصداقاً لقوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". ولو لا أننا غيرنا من أمرنا في ضوء الدروس البليغة التي استفدناها من نكسة عام 1967، وسعينا إلى تلافي كل نواحي القصور، ما كانت الصورة تغيرت عام 1973.
لذلك لا بد لنا من نظرة إلى الخلف، لنلقي الضوء على ما كان من قبل حتى تتضح لنا صورة ما تم.
* لقد ضاعفت القوات الجوية من رجالها على مختلف تخصصاتهم، بين طيار وملاح ومهندس وإداري وفني. أن الطائرة الواحدة، قد يستقلها طيار واحد، ولكن تتضافر جهود لفيف من المتخصصين بين 20 و24 على الأرض لتحقيق أمن وسلامة مهمتها. ومن ثم فإن تأهيل هذه الأعداد الكبيرة من الرجال، استلزم فتح مئات من فصول التعليم، فيها احترام العلم، ومئات من المعامل فيها احترمت التجربة. وذلك لتترجم في النهاية إلى مئات من ساعات طيران، يطيرها كل طيار خاض المعركة.
* وفي الوقت الذي كان فيه إعداد الرجال يمضي على قدم وساق، كانت الطائرات تتضاعف وتتزايد عدداً، ويتزايد معها أعداد المعدات الفنية المكملة لحلقات التعامل معها.
* وكان لا بد أن يزيد عدد القواعد الجوية والمطارات، فوق رقعة الجمهورية لتستطيع الطائرات أن تنشر حمايتها على ربوع الدلتا والصعيد، وأن تطاول قوات العدو من أماكن متفرقة. ولتنتشر الأعداد الكبيرة من الطائرات بلا تكدس فوق مواقع عمل عدة.
* وصاحب جهد انشاء الكثير من المطارات الجديدة، هنا وهناك جهد التجهيز الهندسي الذي مهما حاولنا وصفه فلن نستطيع رسم أبعاد ما بذل فيه من فكر وعرق وتعب. وأقل ما يوصف به أنه اهرامات العصر الحديث أقيمت في كل مطار، متمثلة في "دشمة" لكل طائرة، وملجأ لكل معدة فنية، وموقع محصن لكل مركز عمليات أو مجموعة قيادة، وخندق لكل جندي أو عامل.
ولا بد ألا نغفل أن هذا التجهيز لم يكن تصميماً هندسياً نقل عن الدول الغربية بحذافيره بقدر ما كان فكراً مصرياً آتى ابتكاراً وتوالى تطوره على مر الزمن. بل ليس من قبيل المغالاة القول إن حلف الاطلسي غير من تصميمات دشمه في ضوء ما أنجزه المهندسون المصريون في دشمهم.
* كانت الأهداف الرئيسية للتدريب، هي تحقيق الواجبات التي ستلزم في العمليات، ومن ثم أعطى التدريب التعبوي عناية قصوى على هيئة مشاريع مشتركة، لتحقيق الدور الذي تلعبه القوات الجوية في معاونة الجيوش والتشكيلات البحرية بالإضافة إلى تنسيق جهود الدفاع الجوي بين المقاتلات والصواريخ.
* أوليت عناية خاصة لتدريب الطيارين على أنواع خاصة من الطيران، كالطيران المنخفض للإفلات من شبكات الرادار، ولمباغتة بطاريات الصواريخ المعادية. وتركز التدريب على عمليات مهاجمة الأهداف الأرضية، بنيران المدافع والصواريخ أثناء الطيران المنخفض، واقتضى ذلك إقامة كثيرة من ميادين الرمي المزودة بأهداف هيكلية كالمعادية تماماً، يوجه إليها الطيارون مدافعهم وصواريخهم، ويقذفونها بقنابلهم.
* درب طيارو كثير من أسراب المقاتلات على التخلي عن واجبهم التقليدي في الحماية والاعتراض، ودوريات الحراسة، ليقوموا بدور المقاتلات القاذفة إذا اقتضى الأمر ذلك.
* تم التركيز على تدريب الطيارين - خصوصاً المكلفين بمناوبة حالة الاستعداد الأولى - على الاقلاع في أزمان قياسية قصيرة، هبطت إلى أن بلغت دقيقتين.
* كان لزاماً تنسيق تدريب اسراب المقاتلات على عمليات الاعتراض والتوجيه، وفي هذا المجال تم إعداد جيل من الطيارين والملاحين والمراقبين الجويين ذوي الخبرة، كانوا قادرين على توجيه مقاتلاتنا لاعتراض الطائرات المعادية تحت مختلف الظروف بما فيها ظروف التداخل الالكتروني المعادي.
كما أوليت عناية كبرى لتدريب التخصصات الفنية المختلفة العاملة في حقل الاتصالات والاصلاح الهندسي للطائرات والملاحة الجوية والاستطلاع والتصوير الجوي وتفسير الصور الجوية وتشغيل المعدات الفنية الخاصة التي تكمل عمل الطائرة كخزانات الوقود، والمقزمات الكهربية، وضاغطات الاوكسجين، وأعمال الورش والتسليح.
* اقتضت ضرورات تدريب كل طيار على العمل من مختلف المطارات، إعادة تمركز الأسراب، في أدوار متلاحقة بين مطارات الجنوب والشمال، ومع هذه الحركة الدائمة في تغير مكان العمل، اكتسب الطيارون والملاحون والمهندسون والفنيون خبرة العمل فوق مختلف الأراضي، وفي مختلف الأجواء.
* أضيف إلى ذلك سيل من اساليب الشحن المعنوي للأفراد في كل المواقع، بين الحديث بالكلمة والصورة وعبر الكتاب والكتيب ومن خلال الحديث والخطة والاجتماع، للإطلاع على حقائق الموقف واستجلاء كل مستغلق، لتعميق دراسة القضايا المختلفة.
وكان من أثر ذلك وضوح هذه الشحنة من مظاهر الإيمان التي تحلى بها طيارونا وضباطنا خلال المعارك. فقد كان أغلبهم يتيمنون بلفظ "لا إله إلا الله" على صدورهم أو فوق خوذاتهم. وعمد كثيرون منهم إلى قص شعورهم قبل المعركة تشبهاً بصحابة الرسول الكريم في غزوة بدر. ولم يكن نداء أي منهم خلال المعارك الجوية إلا "الله أكبر" ترديداً لنداء اخواتهم على الأرض، عند اقتحام خط بارليف وترديداً لنشيد ارتضته جموع شعبنا معبراً عما في قلوبهم.
التطوير كان غاية
واستكمالاً لجهود الإعداد، لا بد من الإشارة إلى أن أساليب جديدة أخذ بها، ليس لها نظير في قوات جوية أخرى، أوجدتها الممارسة فكانت وليدة شرعية للتجربة والحاجة.
وحسبنا في نطاق ما تستلزمه السرية، والحفاظ على الأسرار الإشارة إلى انه:
* أنشىء في معظم المطارات أكثر من ممر واحد، بعضها متواز، ليسهل الاقلاع والهبوط في مختلف الظروف الجوية لعدد كبير من الطائرات، وليكون كل منها بديلاً للآخر.
* موهت الدشم بذكاء، باستغلال البيئة المحيطة بها، كما موهت بعض الممرات بما يجعلها صعبة الرؤية من الجو، على من لا يعرف اتجاهها ومعالم نقط الاقتراب اليها.
* ابتكر استخدام البالونات كوسيلة دفاع سلبية عن المطارات ضد الطيران المنخفض، على رغم أن فكرة البالونات كانت توارت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
* استحدث استخدام طائرات إعادة الإذاعة، لنقل المعلومات الى الطائرات اثناء الطيران المنخفض، حيث يصعب بلوغ الموجات ذات الترددات العالية جداً إلا للطائرات ذات الارتفاع العالي.
* اتخذت تدبيرات فنية تحقق الاستقلال الذاتي لكل مجموعة طائرات في إعادة الملء للتزود بالوقود والتحميل بالقنابل والصواريخ في زمن بلغ قصره أن الطلعات كانت تتوالى وكأنها بلا توقف.
* توصل مهندسو المطارات بالتنسيق مع أجهزة القطاع العام إلى تركيب خلطة ساخنة يستطيعون بها سد الحفر التي تحدثها القنابل في الممرات خلال ساعات معدودة بعد أن كان ذلك يقتضي وقتاً طويلاً.
الضربة المركزة
لو تتبعنا أعمال القوات الجوية خلال المعارك فيمكن إيجازها في الأعمال التالية التي انهت إلى غير رجعة أسطورة التفوق الجوي الإسرائيلي وأثبتت أن التفوق التكنولوجي ليس هو وحده عنصر اكتساب النصر، ولكن يجب أن تؤازره عزائم الرجال. كما ثبت أن خطوات الإعداد والتجهيز في السنوات الست قبل المعركة كانت خطة هادفة من أعمال القيادة العليا لها أعماقها ولها خطواتها.
* أتت الضربة الجوية المركزة كأول عمل لتنفيذ الخطة "بدر" بواسطة أكثر من 200 طائرة عبرت كلها خطوط الكشف الراداري في ساعة صفر، متجهة إلى أهداف سيناء المختلفة. وبعد دقائق كانت مراكز القيادات الإسرائيلية أصبحت في خبر كان، وتعطلت بطاريات الهوك وعطلت ممرات المطارات والقواعد الجوية، وتقوضت مراكز الشوشرة، ومراكز الارسال، والورش الميدانية ومعسكرات تجمع الأفراد.
وهكذا سكت مركز قيادة "أم مرجم" وتعطل مركز شوشرة "أم خشيب" وانسحبت الفلول الناجية إلى العريش، وتعطل مطار "المليز" وظل معطلاً مدة ثلاثة أيام، وحدث الشيء نفسه بالنسبة لمطار "تمادة".
وأتت الضربة الجوية، بنتائج الاحباط المرجوة منها، بل بأكثر مما كان يتوقعه أحد وحققت مع نجاح اقتحام خط بارليف إفقاد العدو توازنه، ومن ثم قررت القيادة عدم تكرار هذه الضربة، بهذا العدد الهائل من الطائرات كما كان موضوعاً في الخطة.
* بعد تطوير الهجوم عبر قناة السويس، قامت القوات الجوية بالتركيز على حماية رؤوس الكباري والمعابر، بالإضافة إلى تشكيل الغطاء الجوي فوق القوات التي عبرت إلى الضفة الشرقية.
* شاركت المقاتلات القاذفة في دك حصون خط بارليف التي لم تستسلم قواتنا العابرة، مثل نقطة شرق بورفؤاد الحصينة، وكذلك أهداف العدو التي أقامها بعد الضربة المركزة ووحداته التي دفع بها من الخلف إلى الأمام وخصوصاً القوات المدرعة.
* شكلت المقاتلات مع صواريخ الدفاع الجوي جدار الحماية حول المطارات والمنشآت الحيوية، والمدن لصد الهجوم عليها.
* وضعت نسبة من مجهود المقاتلات في معاونة قيادات الجيوش البرية والقيادات البحرية، تطلب مباشرة بواسطة جماعات معاونة جوية ألحقت على هذه القيادات، وكانت هذه الجماعات على اتصال دائم بمطارات الجبهة لتنسيق التعاون المطلوب.
* قامت القاذفات البعيدة المدى بدك الأهداف الاستراتيجية في عمق سيناء شمالاً وجنوباً كمطارات العريش وشرم الشيخ.
* نجحت تشكيلات الطوافات في اسقاط رجال الصاعقة وعمليات الإبرار في عمق سيناء تحت جنح الظلام، كما واصلت عمليات الإمداد لهذه الوحدات خلال مراحل المعركة.
* استبسل الطيارون من كل التشكيلات في التعامل مع المدرعات والصواريخ المعادية التي تسربت إلى الثغرة، وأصلتها ناراً حدت من توغلها وزادت من خسائرها.
* حقق طيارو الطوافات طلعات ناجحة لإمداد الجيش الثالث بالطعام والماء والدواء.
* وقفت كل الأجهزة الفنية والإدارية من كل التخصصات في خدمة المعركة على قدم وساق، ليلاً ونهاراً.
لغة الأرقام القياسية
من تقارير القتال، ومن خلال تقريري السيد وزير الحربية وقائد القوات الجوية أمام مجلس الشعب البرلمان ومن تصريحات المسؤولين تكشفت للعالم مقاييس جديدة في حروب القوات الجوية. ووقف العالم أمام ملحمة من حماس الرجال هزت كثيراً من معايير الحروب الجوية، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
* حقق كثير من الطيارين بين 6 و7 طلعات في اليوم ضاربين الرقم القياسي المعروف في العالم وهو 3 و4 طلعة.
* دامت بعض المعارك الجوية، وخصوصاً تلك التي تركزت حول بورسعيد ما يقرب من 50 دقيقة، على رغم أن الزمن التقليدي لأي اشتباك لا يزيد على 7-10 دقائق. وكان السبب الرئيسي في ذلك هو تعدد الطائرات المعادية بكثافة بلغت أحياناً 60، 70 طائرة في آونة واحدة فضلاً عن توفر الوقود لدى طائراتنا لأن المعارك كانت تتم فوق مناطق غير بعيدة عن مطاراتها.
* لم يتعطل مطار واحد أو قاعدة جوية واحدة خلال المعركة أكثر من 6-8 ساعات، رغم تعدد مرات قصفه بالقنابل لمبادرة مهندسي المطارات بسرعة إصلاح الممرات.
* انخفضت المدة اللازمة لإعادة تزويد الطائرة الواحدة بالوقود والذخيرة إلى 6 دقائق، وكان الرقم القياسي الذي تشدقت به إسرائيل عام 1967 هو 8 دقائق.
* كان تدمير الدبابة الواحدة في جداول التدمير النظرية يستلزم من 2، 3 هجمة طائرة غير أن نسورنا حققوا إمكان تدمير أكثر من دبابة واحدة في هجمة واحدة.
* حققت التشكيلات أرقاماً خرافية في عدد الطلعات خلال أيام قليلة، فأحد الألوية الجوية انجزت آلاف عدة من الطلعات خلال أيام المعركة التي لم تتعد سبعة عشر يوماً.
ملحمة البطولات
أعادت العمليات الجوية الناجحة، الثقة إلى نفوس الطيارين المصريين، أمام وهم صقور إسرائيل، ومنذ اللحظات الأولى للمعركة كشف رجالنا عن أصالة في المعدن، نسجت ملحمة من البطولات النادرة في الجو.
وفي كل تشكيل جوي، كانت التضحية بالنفس غاية، والشهادة قربى إلى الله، وفداء للوطن. ومن أجل ذلك توالت صور للبطولات تجل عن الحصر والوصف.
وحسبنا الصورة التالية في محاولة لضرب الأمثال.
* أثبت طيارونا ما قاله المشير أحمد اسماعيل "السلاح بالرجل، وليس الرجل بالسلاح"، فقد أفلحت طائرة "ميغ 17" في اسقاط طائرة "فانتوم"، وهي دونها كثيراً في التسليح والسرعة والأداء، بل ذهل الكثيرون عندما علموا أن طائرة "هيلوكوبتر" اسقطت طائرة "فانتوم" معادية، ولم يكن ذلك من قبيل المغالاة، بل كان حقيقة تعكس صورة من صور الجسارة.
* عمد كثير من الطيارين إلى تكرار عدد الهجمات فوق الأهداف الأرضية التي تعاملوا معها بنيران طائراتهم، رغم أن عرف القتال الجوي يستلزم هجمة واحدة. ولكن كان ذلك للإجهاز على الهدف كله.
* كثير من الطيارين اصيبت طائراتهم اثناء المعارك الجوية، واضطروا الى القفز منها بالمظلات، لكنهم واصلوا الطيران في اليوم نفسه بلا عرض على الاطباء، واكتفوا بوضع رباط ضاغط على ظهورهم.
* في معركة جوية قوامها 80 طائرة معادية تقريباً اسقط طيار مصري واحد خمس طائرات "فانتوم" وهو يهتف "الله أكبر".
* مهندس مصري يعمل على تطهير ممر جوي من القنابل التي اسقطت عليه، فيلقى ربه، فيخلفه التالي له في الرتبة فيلقى المصير نفسه، ويتوالى الأمر حتى يقود الوحدة ملازم أكمل تطهير أجناب الممر من 75 قنبلة واصبح المطار صالحاً مرة أخرى.
* جندي سائق يرى قنبلة اهتزازية بجوار الممر، ويعرف أنها ستنفجر إذا اقترب منها أحد لتتناثر منها كرات البلى لتصيب الأفراد، فيتحرك بعربته ليصبح فوقها فيمتص جسده أغلب هذه الكرات.
* مساعد ميكانيكي يلتقط قنبلة معادية بيديه وهي تتدحرج فوق منزلق يؤدي إلى دشمة طائرة ويجري ليلقي بها في فضاء بعيد عن الدشمة، وما يكاد يتركها حتى تنفجر خلفه.
* ولعله ليس سراً القول بأن القوات الجوية اضطرت أن تدخل المعركة بعد حدوث ثغرة الدفراسور بطائرات التدريب، وبواسطة الطيارين مدرسي الكلية الجوية.
انها طائرات بطيئة بالنسبة الى طائرات القتال، وتجهيزها بالأسلحة ليس على مستوى المقاتلات أو المقاتلات القاذفة. ولكن الحقيقة أن إدخال هذه الطائرات في المعارك الجوية لقصف الأهداف المعادية في الثغرة، لم يكن بسبب قلة في عدد الطائرات، ولكن بسبب أجل وأهم، كان لإنهاء روح القلق التي ألمت بمعظم مدرسي الكلية الجوية من الضباط الطيارين الذين أعربت غالبيتهم عن رغبتهم في الانضمام الى أسراب القتال، ورفضهم الوقوف من المعركة وقفة المتفرج.
وساعة اتخذ قرار هجوم هذه التشكيلات، فوجئ العدو بأعداد غزيرة من هذه الطائرات ذات السرعات المحدودة، ولعل أجهزة الانذار والاستكشاف لم تكن ألغت وجودها في المجال الجوي، غير أن النتائج الباهرة التي احرزوها يمكن أن تكون مضرب المثل. وعلى قمتها نجاح أحد هؤلاء المدرسين في اصابة المعبر الرئيسي للتسلل، وقصفه بالقنابل، ثم استشهد.
دروس لا تنسى
إن ملحمة البطولات التي نسجها الطيارون والفنيون المصريون في قيادة الطائرات، وتشغيلها، لم تكن هي مفاجأة المعركة الجوية من جانب مصر، وكل الأرقام القياسية التي تمسك بها المصريون والتي اشرنا إليها سابقاً لم تأت وليدة ساعة، بل كان حصيلة تدريب شاق، وثمرة شحنة معنوية ضخمة، جعلت الطيارين جسورين جسارة الأسود، وجعلت الأطقم الأرضية من مهندسين وفنيين وإداريين في مثل دقة العلماء، وعلى أيدي هؤلاء تبدلت صورة المعارك الجوية التقليدية، واصبح العالم أمام مفاهيم جديدة في تكنولوجيا إدارة الحروب الجوية. تأكد منها:
* نجاح عنصر الحشد في الطيران، باستخدام أعداد غزيرة من الطائرات في آن واحد لتوجيه ضربة جوية مركزة إلى أهداف العدو. وإن كان ذلك تم من قبل القوات الجوية بأكثر من 200 طائرة، فإن كل طائرة من هذه الطائرات اصابت هدفاً معيناً. وكان نتيجة ذلك أن كثيراً من المطارات الإسرائيلية كالمليز - ورأس نصراني - وتمادا - والعريش أخرجت من المعركة منذ لحظاتها الأولى. وبذلك اكتسبنا السيطرة الجوية وحالة الشلل التي اصابت القيادة الإسرائيلية في الساعات الأولى للمعركة كان مرجعها اصابة مراكز قيادته بواسطة الطائرات وخصوصاً تلك الأهداف التي كانت دون متناول المدفعية لكونها في العمق.
* ثبتت أهمية الروح المعنوية في رفع الكفاءة القتالية سواء بين الطيارين أو غيرهم من الأطقم الأرضية وأكد ارتفاع هذه الروح إن الأطقم الأرضية التي تدير حركة العمل في تجهيز الطائرات واصلاحها وإعادة تزويدها بالوقود والذخيرة، تقوم بواجب خطير، وأن عملها يجب أن يكون منسقاً إلى الحد الذي يضمن قيام الطلعات في مواعيدها المقررة وبأسرع ما يمكن. ومن ثم وجدنا أن دور المهندسين والفنيين الميكانيكيين والسائقين وعمال الإصلاح المدنيين، ورجال الإدارة برز في استبسال وبإيقاع منظم خدم جميع أهداف تحقيق السيطرة الجوية.
إن القوات الجوية المصرية بعد أن تحررت من عقدة الذنب التي ألصقت بها ظلماً في نكسة عام 1967، تحس إزاء ما قدمته في معارك رمضان بكثير من الفخر. فقد استطاع قادتها ورجالها أن يثبتوا للعالم أن التجهيز السليم والتخطيط الدقيق أهم لوازم المعارك. وأن أوضاع الارتجال التي سبقت نكسة 1967 لم يكن للقوات الجوية دور فيها، ولكن كان قدرها أن تتحمل أوزارها.
* لواء ركن متقاعد وخبير استراتيجي مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.