الطريق من لوندي كوتال غرب بيشاور الى معبر طورخم مزدحمة... عشرات الشاحنات المحملة اكياساً من المواد الغذائية تنتظر السماح لها بالعبور، وأخرى في الاتجاه الآخر. تكدس فيها الناس، شيوخاً ونساء واطفالاً كالقطعان، لا يكادون ينطلقون حتى يترجلوا مجدداً عند حواجز الشرطة للخضوع لتدقيق في هوياتهم للتأكد من انهم دخلوا باكستان بصورة مشروعة، والا احيلوا الى مراكز مخصصة للاجئين غير الشرعيين تمهيداً لترحيلهم. الاخبار السيئة تصل بسرعة الى طورخم فتزداد حال الهيجان لدى العالقين وراء البوابة الضخمة التي تفصل بين الحياة والموت. وبالتواتر ينتشر نبأ سمعه احدهم عبر جهاز ترانزيستور فيبدأ الهمس في اوساط الفارين: "الطائرات الاميركية تقصف المدن وتسقط ضحايا"، فتزداد حال الهيجان. قلة من المحظوظين يتمكنون من الدخول الى الاراضي الباكستانية بعد ساعات طويلة من الانتظار والتحقيقات، منهكين متعبين: اطفال يحملون حقائب واكياس اكبر من قاماتهم الصغيرة ونساء وشيوخ يفترشون الارض، يأكلون ما تيسر من فتاة الطعام. معظم الوافدين الى طورخم جاؤوا من مناطق كابول وجلال اباد، مستعينين بوسائل نقل بدائية يتخلون عنها لتجار انتهازيين لقاء بضعة روبيات، فهم لا يحملون الا قليلاً من المال "لان الناس لم تتلق رواتبها منذ اكثر من شهرين، وكثيرون لم يتمكنوا من المغادرة لانهم لا يملكون نفقات السفر"، على ما قال احد اللاجئين ل"الحياة". احد هنا لم ير مساعدات غذائية قيل ان طائرات التحالف الغربي اسقطتها، علماً ان رجال "طالبان" يحذرون الناس سلفاً من الاقتراب منها بحجة انها مواد مسمومة. ومن الملفت في طورخم قلة الشبان العابرين من الجهة الاخرى، ذلك ان "طالبان" بدأت قبل ايام تجنيد كل من يقدر على حمل السلاح، وان كان اللاجئون لا يعترفون بذلك صراحة الا بعد الالحاح عليهم بالسؤال. خواجة احمد تاجر مواد غذائية فر وعائلته من ضواحي كابول في سيارة اجرة اوصلتهم الى جلال اباد حيث اكملوا الرحلة في شاحنة ثم سيراً على الاقدام، قال ل"الحياة" ان جاره معلم مدرسة لم يتمكن من السفر فاستحدث حفرة تحت منزله، يستعين بها كملجأ له ولعائلته لدى بدء الغارات الجوية. وربما كانت اجهزة الراديو الصغيرة التي يتسلح بها بعض اللاجئين هي العدو الاول للتحالف الغربي، فهي تبث تباعاً تقارير عن سقوط ضحايا للقصف، فتتصاعد مشاعر الكراهية للاميركيين في اوساط اللاجئين الذين لم يقتنعوا تماماً باهداف الحرب على الارهاب. ومساهمة منها في احراج السلطات الباكستانية، اقدمت "طالبان" مساء الثلثاء الماضي على فتح الحدود امام الفارين من دون التدقيق في اوراقهم، وتدفق على معبر طورخم مئات من الذين لا يحملون اوراقاً ثبوتية فجرى صدهم. ويضطر هؤلاء الى العودة ادراجهم كيلومترات عدة سيراً على الاقدام، ليبدأوا رحلة محفوفة بالمخاطر في الجبال، في محاولة للتسلل سراً الى باكستان، يقود كل مجموعة منهم دليل يكون عادة من المهربين الذين يعرفون المنطقة جيداً، لقاء مبلغ من المال يتعاونون على جمعه. والوصول الى هؤلاء صعب فهم يسارعون عادة الى الذوبان في المدن والارياف، ولا ينكشف امرهم الا اذا تعرضوا لاذى او مكروه، مثل الطفلين اللذين قضى عليهما العطش والجوع بعدما انهار مرافقوهم البالغون على بعد كيلومترات من الاراضي الباكستانية ولم يعودوا يقوون على اكمال المسيرة عبر الجبال الوعرة. مصادر اغاثة دولية في بيشاور ابلغت "الحياة" ان الاوبئة منتشرة في اوساط المشردين الذين يبيتون في العراء، المهددين بالجوع الى جانب مخاطر الالغام. وثمة تقديرات ان ما يصل الى مليون افغاني يعانون هذه الظروف المأسوية في رحلة التشرد داخل بلادهم.