خسرت روسيا رهانها على الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس بوريس يلتسن فعمد خلفه فلاديمير بوتين الى المراهنة على أوروبا، خصوصاً المانيا. ووصل الى موسكو أمس المستشار غيرهارد شرودر في زيارة غير رسمية يتوقع أن يبحث خلالها الديون المترتبة على موسكو وآفاق العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي. وأكدت مصادر مطلعة ان بوتين سيحاول اقناع ضيفه الألماني بضرورة مشاركة برلين في جهود التسوية في الشرق الأوسط. أبدت موسكو حفاوة بالغة بالمستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي خُصص لاقامته مع عقيلته وابنهما البالغ الثامنة من العمر جناح في الكرملين يقيم فيه عادة كبار الضيوف إذا كانوا وصلوا في زيارة رسمية، في حين أن شرودر لبى دعوة شخصية من بوتين لحضور عيد ميلاد عقيلته لودميلا، كما يحضر قداساً يقام عند منتصف ليل السبت - الأحد لمناسبة عيد الميلاد وفق التقويم الارثوذكسي المتأخر 13 يوماً عن الكاثوليكي. ومعروف أن يلتسن كان راهن على الولاياتالمتحدة إلا أنه فشل في جعلها "صديقاً" اذ كانت واشنطن تفضل ان تبقى فوق القمة بمفردها، فتوجهت موسكو الى المانيا وعقد يلتسن صداقة شخصية مع المستشار السابق هيلموت كول. وعندما تسلم بوتين السلطة عزز التوجه الأوروبي وركز على بريطانياوالمانيا وهو يعرف الأخيرة جيداً اذ عمل سنوات في محطة جهاز الاستخبارات السوفياتية في المانياالشرقية واتقن هو وزوجته وابنتاه الألمانية. الديون الروسية وعلى رغم الطابع "العائلي" فإن الزيارة تستثمر لاجراء محادثات في قضايا مهمة، في مقدمها مشكلة الديون المتراكمة على موسكو للدول المنتمية الى "نادي باريس"، وتقدر ب48 بليون دولار. وكان ناطق باسم الحكومة الروسية قال ان موسكو لن تسدد في السنة الحالية 1.5 بليون دولار بموجب اتفاق سابق، بل ستكتفي بدفع 640 مليوناً. وأثار هذا التصريح ردود فعل سلبية واعلنت برلين ان على موسكو الوفاء بالتزاماتها، فيما قال شرودر عشية وصوله الى العاصمة الروسية انه "لا يرى مبرراً لشطب ديون روسيا". ويتوقع ان يوضح بوتين لضيفه اقتراحات سابقة تقضي بتغطية الديون بأسهم شركات روسية أو المشاركة في مشاريع استثمارية. وكانت برلين أبدت اهتماماً بهذا العرض لكن المراقبين لا يتوقعون التوصل الى اتفاق سريع بسبب خلاف على طبيعة المشاريع المعروضة اذ يفضل الألمان المساهمة في شركات انتاج النفط والغاز. وتعد المانيا من أكبر مستوردي الغاز الروسي وكانت للخامات الطبيعية حصة الأسد في صادرات روسيا الى المانيا والتي بلغت في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي 9.3 بليون دولار، أي بزيادة 80 في المئة، بينما بلغت قيمة الصادرات الألمانية خلال الفترة ذاتها 4.1 بليون دولار. ويرى الخبراء ان هناك آفاقاً واعدة لتوسيع التعاون وزيادة الاستثمارات الالمانية التي بلغت حتى الآن 6.9 بليون دولار أي 23.7 في المئة من اجمالي الاستثمارات الأجنبية في روسيا. والى جانب القضايا الاقتصادية سيبحث الزعيمان العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي والاستقرار الاستراتيجي في ضوء نية الولاياتالمتحدة نشر شبكة الدفاع الصاروخي، وهو ما اعترضت عليه موسكو وأيدتها غالبية الدول الأوروبية. وصرح ناطق باسم الكرملين ان روسيا ستعرب عن عدم ارتياحها لأن المنظمات الأوروبية "تضع في مقدم اهتماماتها" القضايا الحساسة في دول الاتحاد السوفياتي السابق، ومنها الموضوع الشيشاني، فيما "لا تبدي اهتماماً كافياً" بمشاكل أخرى، ومنها بقاء 12 مليون كردي من دون كيان قومي. أي ان موسكو تحاول ان ترد سلفاً على انتقادات محتملة لسياستها في القوقاز باتهام الأوروبيين باعتماد "معايير مزدوجة". الشرق الأوسط ونقلت وكالة "ايتار - تاس" الحكومية عن متحدث باسم الديوان الرئاسي قوله ان الشرق الأوسط سيكون من الملفات التي ستدرس بعناية في اللقاء. وأضاف ان موسكو تريد ان تعمل وفق مبدأ "لا تلحق أذى". وأوضح ان الأميركيين أخذوا زمام المبادرة وأكدوا انهم قادرون على معالجة الوضع بمفردهم ولذا فإن روسيا قررت "الاقتصار على تقديم الدعم إذا اقتضى الأمر". ولكن إذا فشلت الجهود الأميركية فإن موسكو تدعو "الى نشاطات على نطاق أوسع". وفي اشارة واضحة الى الرغبة في اشراك المانيا في عملية التسوية قال الناطق "ان قدرات دولية هائلة لا يجب أن تبقى غير مستثمرة"، وزاد ان "لدى روسيا ما تقوله لألمانيا" في قضية التسوية الشرق أوسطية.