اياً تكون تهديدات بوليساريو ضد رالي باريس -دكار، سياسية او اعلامية او عملية، فإنه يصعب الاقدام على مغامرة كهذه من دون ان تكون نتائجها محسوبة. وما يمكن ان تحققه من مكاسب اعلامية سرعان ما يندثر امام الطابع "الارهابي" لهجمات غير مقبولة تستهدف متسابقين رياضيين، في حين ان الرهان السياسي على حضّ المجتمع الدولي للتدخل يتناقض مع وجود خطة سياسية ترعاها الاممالمتحدة. اما في ساحة الميدان فالعودة الى حمل السلاح ثبت انها لا تغير المواقع، وحتى قبل ان تقر الاممالمتحدة وقف النار عام 1991 كانت حرب الصحراء اصبحت منسية امام تراجع الهجمات بعد اكمال القوات المغربية تشييد الجدار الامني. يطرح السؤال اذاً: لماذا التهديدات ولماذا الان؟ وخلال اكثر من عام ترددت التهديدات ذاتها، وكانت رداً على المأزق الذي تردت فيه خطة التسوية السلمية، لكن اقترانها هذه المرة بتظاهرة رياضية فرنسية - اوروبية اضفى عليها ابعاداً خاصة، اقلها انشغال اطراف اقليمية ودولية بتداعيات التهديدات،نفذت ام لم تنفذ، من منطلق انها مؤشر لامكان عودة التوتر الى منطقة الشمال الافريقي. وفيما يواصل السباق مراحله الصعبة في كثبان الرمال والمسالك الوعرة، يوازيه سباق سياسي واعلامي من نوع اخر، هدفه ربح الرهان، ان لجهة احتواء التصعيد او لضبط ايقاعه بعيداً عن الانفلات، فإن الجزائر التي تؤوي مقاتلي بوليساريو اعلنت انها غير معنية، بما يفيد بأنها يمكن ان تتدخل في آخر لحظة للحؤول دون تصعيد الموقف. والفرنسيون الذين يرصدون تطورات نزاع الصحراء بحثاً عن دور مؤثر يحافظ على توازن علاقاتهم بين المغرب والجزائر اكتفوا بمراقبة الوضع، في حين ان المغاربة جددوا استعدادهم لحماية الاقليم، وربما اعتبروا الفرصة سانحة لتمارين عملية تكفل لهم السيطرة على المنطقة العازلة خارج الجدار الامني. لكن وضع زعيم بوليساريو محمد عبد العزيز يبدو صعباً بكل الحسابات، وسيكون عليه ان يحافظ على ماء الوجه إما بالمغامرة او بإرجاء التهديدات. وفي الحالين فإن دخوله حلبة اطلاق التهديدات يرمي الى تعزيز التيار المتشدد داخل الجبهة. وفي حال اعتبارها رداً على مقترح الرباط اجراء مفاوضات مباشرة معها في نطاق السيادة تصبح مخرجاً، لكن تجاوزها الرد السياسي يترتب عليه مخاطر. من تداعيات التهديدات انها قد ترجئ خطوات الانفراج في العلاقات المغربية - الجزائرية، مقابل الاتجاه نحو تعزيز محور الرباط - نواكشوط كون الاراضي الموريتانية تغري بوليساريو بالعودة الى استخدامها لشن الهجمات. وليس امام موريتانيا في حال التصعيد العسكري سوى الاعتماد المغرب، مايعني ان المنطقة قد تعود سنوات الى التحالفات القديمة، والظاهر اقليمياً ان هذه التطورات ستعجل بزيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس الى الجماهيرية الليبية المقررة قبل نهاية الشهر الجاري. في السنوات الاولى لاندلاع نزاع الصحراء، تعرض صيادون اسبان للاختطاف من جانب بوليساريو في عرض الساحل الاطلسي في المحافظات الصحراوية، واعتبر الحدث وقتذاك ضغطاً على بلدان الاتحاد الاوروبي كي لا تعترف بسيادة المغرب على سواحل الصحراء. إلا ان المغرب وشركاءه الاوروبيين ابرموا اتفاقاً للصيد طاول السواحل كافة، ومن المفارقات ان تهديدات بوليساريو الراهنة تتزامن وجولة جديدة من المفاوضات بين الطرفين حول الصيد البحري. والارجح ان بوليساريو توخت اشعار الاوروبيين بأن اقليم الصحراء متنازع عليه لكن حساباتها لا تتطابق والمصالح الاوروبية. فثمة سباق اخر لمعاودة ترتيب التوازنات في منطقة الشمال الافريقي اكثر اهمية من سباق باريس - دكار. ولايبدو ان الاميركيين بدورهم يقفون بعيداً عنها. فقط قد يتحول اشعال المنطقة فرصة لتسريع المنافسة الاوروبية الاميركية، لكن السياسة تظل فن اختيار التوقيت، وستكون الفترة الفاصلة الى نهاية ولاية ال "مينورسو" في الصحراء بعد اقل من شهرين حبلى بالتجاذبات.