سيشهد العالم نهاية شهر ممتعة. قل لي هل أنت "دافوس" أو "بورتو اليغري" أقل لك من أنت! في دافوس سيلتقي بين 25 و30 كانون الثاني يناير كبار القوم: حكام، رؤساء، وزراء مال، مديرو شركات، مضاربون، خبراء الاقتصاد من لون واحد. سيناقشون أحوال العولمة في ظل اعتراف متزايد من جانبهم، وهم كهنتها، بأنها ليست سعيدة كما قدموها قبل سنوات. أما في بورتو اليغري، جنوبالبرازيل، فسيلتقي مثقفون، ونقابيون، وخبراء اقتصاد، وناشطون اجتماعيون، وبيئيون، وعاملون في مجال التنمية، وأعضاء في منظمات غير حكومية... سيلتقي هؤلاء في ما يشبه المهرجان العالمي الغني بالألوان من أجل مناقشة العولمة إياها وإنما تلك التي يريدونها أن تكون. سيكون ممتعاً لو استطاع المرء أن يكون في المكانين معاً وفي الوقت نفسه. مع العلم أن ممثلين عن "اجواء" بورتو اليغري سيتوافدون الى دافوس من أجل "تحدي" المجتمعين، كما يقول بيانهم، ومن أجل متابعة ما يدور عند "الخصم". ولقد أعلنوا منذ فترة ان جانباً من مهمتهم سيكون اعلام الجمهور بالمداولات. وهذه الممارسة التي تبدو عادية هي في الحقيقة "انجاز" ديموقراطي لأن العولمة على طريقة دافوس تحسن الجمع بين ادعاء الارتكاز على "ثورة المعلومات" وبين اتخاذ أكثر القرارات مصيرية في مؤسسات بعيدة كل البعد عن أية رقابة شعبية. قد يكون جماعة "المنتدى الاقتصادي العالمي" في دافوس أكثر وزناً في شؤون الكون من جماعة "المنتدى الاجتماعي العالمي" في بورتو اليغري. غير ان الحدث، بالمعنى الاعلامي للكلمة، هو في البرازيل. لماذا؟ يبدو مؤكداً ان اللقاء السويسري متجه الى تكرار نفسه: تبشير بعولمة نيوليبرالية وممارسة طقوسية علنية لوخز الضمير امام مخاطرها وأضرارها. وبما ان الفلسطينيين والاسرائيليين لن ينجحوا، هذه المرة، في احياء الحفلة فإن الضجر وارد ان لم يكن مضموناً. أما في بورتو اليغري فثمة جديد. وتتضح هذه الحيوية من مواقع انترنت التي استنفرت من أجل المشاركة، بشكل أو بآخر في العملية. ويمكن تلخيص هذا الجديد بثلاثة عناصر. أولاً - ليس اللقاء احتجاجياً كما في سياتل أو براغ أو نيس. لو كان كذلك لكان المصيف السويسري مسرحاً نموذجياً. ثانياً - لا يجتمع الآلاف وينقسموا الى ورشات عمل ويستعرضوا أفكارهم ويقيموا احتفالاتهم من أجل رفض العولمة باعتبارها الشر المطلق. أي، بكلام آخر، لن يتعاطوا معها تاركين محلاً للالتباس المستمر منذ سنوات والذي يوحي بأنهم في خندق واحد مع الشوفينيين، والأصوليين، ودعاة الانطواء والعصبية وكره الآخر. ثالثاً - لقد انتدبوا انفسهم لمهمات الاقتراح، وتقديم التصورات، والاستراتيجيات، والدفاع عن زعم قائل بأن البديل ممكن عن العولمة الحالية وانه عولمة من نوع آخر ذات وجه انساني. قد يبدو، والحال هذه، ان ثمة ارضية للقاء بينهم وبين عدد من الذين أحبطتهم التجربة حتى الآن أو بينهم وبين من يتجرأ على تقديم ملاحظات على عمل مؤسسات العولمة الكبرى مثل صندوق النقد أو البنك الدولي أو منظمة التجارة العالمية. ولقد كان لافتاً ان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أعرب عن اهتمامه باجتماعهم. غير ان ارضية اللقاء هذه لا تخفي فارقاً جوهرياً بين "المعسكرين" يتعلق بغائية العولمة: الاقتصاد أو الانسان! ان في اختيار دافوس تحية الى مصارف سويسرا. أما اختيار بورتو اليغري فهو تحية الى تجربة جديدة في سلطة المشاركة الشعبية تمتاز بها هذه المقاطعة البرازيليةالجنوبية.