بعد أيام معدودة سيدخل الرئيس المنتخب جورج دبليو بوش البيت الأبيض. ولعل الرئيس المنتخب قد اختبر بعد المخاض الذي مرت به حملته الانتخابية عملية استقطاب تبرز للمرة الأولى بهذه الحدّة. يفترض ان نتائج الانتخابات، وما شهدته من اشكالات وفرز اثني استقطابي، كفيلة بجعل الرئيس المنتخب يكسر حاجز "الخوف" من الصوت اليهودي، ويخلص الى استنتاج مفاده ان أصواتهم ليست هي التي جلبته الى البيت الأبيض. في كل حال، سيدخل بوش البيت الأبيض ومعه فريق عمل جديد لا يبدو انه يناصر اسرائيل بصورة عمياء. وذلك خلافاً للرئيس بيل كلينتون، الذي وقع في تناقضات جمّة وهو يعالج مشكلة الشرق الأوسط. فهذا الرئيس سلّم عملية صنع القرار في الشرق الأوسط الى حفنة من أكبر أنصار اسرائيل. وعلى رغم ان كلينتون ذهب الى الشرق الأوسط واطلع على الأوضاع عن كثب، ولمس فداحة الظلم الذي يعانيه الشعب الفلسطيني، الا ان اللوبي الذي يحيط به جعله يقلب الحقائق رأساً على عقب. نستخلص مما تقدم ان المنحى الذي اتخذته الانتخابات الأميركية قد يمنح جورج بوش هامشاً أكبر من المرونة وحرية التصرف واتخاذ موقف أكثر توازناً عندما يتفرغ الى معالجة أزمة الشرق الأوسط. وكما ذكرنا انه من السابق لأوانه محاولة استشفاف موقف ادارة بوش العتيدة من القضية الفلسطينية بالذات... فهو سيحتاج الى وقت طويل لدراسة ملف الشرق الأوسط. ولا يصحّ القول انه جديد على هذه القضية أو جاهل بها. فلا شك في ان والده علّمه الكثير وأرشده الى الألغام المزروعة، في هذه المنطقة الحساسة. كما يفترض ان يقدم جيمس بيكر، وزير الخارجية السابق في عهد بوش الأب، له النصح والتوجيه، ولا سيما ان بيكر اكتسب خبرة في القضايا العربية، وحاول أن يتخذ موقفاً أكثر توازناً من مواقف أسلافه، عبر مشروعه الذي رفضته اسرائيل. الى ذلك، فإن وزير الخارجية المعيّن الكولونيل باول ليس غريباً عن الأوضاع في الشرق الأوسط، وهو يتمتع بشعبية واسعة في الولاياتالمتحدة، وله خبرة غنية في قضايا الحرب والسلام. في كل حال، سيدخل الرئيس المنتخب البيت الأبيض وأمامه حقائق جديدة - قديمة في المنطقة: أولاً - سيجد الانتفاضة الفلسطينية مشتعلة. ثانياً - على الجبهة الأخرى سيجد اسرائيل منهكة من الداخل، سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً. فهي تعيش في مأزق لا خروج منه إلا إذا سلّمت بمطالب الشعب الفلسطيني. واسرائيل الآن منقسمة على نفسها تتقاذفها تيارات متناقضة. ثالثاً - سيواجه بوش عالماً عربياً غاضباً على سلوك اسرائيل وتمادي واشنطن في تأييد اسرائيل. رابعاً - سيجد بوش اجماعاً دولياً على رفض الاحتلال الإسرائيلي، وتأييد قيام دولة فلسطينية مستقلة. وسيكون أمام الادارة الأميركية إما الانضمام الى هذا الاجماع الدولي أو البقاء الى جانب اسرائيل. خامساً: على صعيد الجبهة الأميركية الداخلية سيضطر الرئيس المنتخب لأن يأخذ في الاعتبار مواقف أعداد غفيرة من الأميركيين من أصل عربي وإسلامي وغيرهم، منحوه أصواتهم على أمل أن تنتهج ادارته موقفاً أكثر توازناً. خلاصة القول انه في ضوء المستجدات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، يتوقع ان تجري ادارة بوش مراجعة أساسية للسياسة الأميركية في المنطقة. علماً ان هذه المراجعة لن تمس ثوابت الموقف الأميركي التقليدي تجاه اسرائيل، وتقديم الدعم العسكري والمالي كالسابق. وستبقى السياسة المعلنة قائمة على الطرح التقليدي بأن الولاياتالمتحدة ملتزمة الحفاظ على أمن اسرائيل ووجودها. وفي الوقت ذاته، لا يتوقع من الادارة الجديدة التمادي في تأييد اسرائيل بالمطلق، بل يفترض انها ستراعي الى حد معين المصالح العربية. وأخيراً، فإن ادارة بوش لن تكون مستعجلة في التفرغ لأزمة الشرق الأوسط. إذ انها ستولي الأولوية الى الوضع الداخلي، ولا سيما في ضوء الالتزامات التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية، ويرجح ان تواجه ادارته متاعب داخلية مختلفة وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي. * كاتب مقيم في كندا.