الكتاب: قلب كلب رواية الكاتب: ميخائيل بولغاكف ترجمة نوفل نيوف الناشر: وزارة الثقافة - دمشق 2000 ميخائيل بولغاكف 1891- 1940 كاتب روسي يعرفه القارئ العربي من خلال عدد من الأعمال الروائية والمسرحية التي ترجمت له، أهمها روايته الشهيرة "المعلم ومرغريتا". وصدرت أخيراً في دمشق ترجمة لروايته القصيرة "قلب كلب"، وهي الرواية التي كتبها سنة 1925 وحذره أصدقاؤه من نشرها لما تنطوي عليه من نقد للوضع القائم آنذاك، فظلت حبيسة الأدراج أكثر من ستين سنة، فلم تنشر في روسيا إلا سنة 1987. تتلخص الرواية في قيام البروفيسور الجراح فيليب فيليبوفيتش برايوبراجينسكي بإجراء جراحة على دماغ كلب لاستئصال غدته النخامية واستبدالها بغدة نخامية تعود لكائن بشري انتزعت منه لحظة موته، وذلك كتجربة تهدف الى "استجلاء مدى تعايش الغدة النخامية وتأثيرها في ما بعد على إعادة الشباب الى جسم الإنسان". لكن النتائج أتت بما لم يكن يتوقعه البروفيسور، إذ بدأ الكلب يتحول تدريجياً الى إنسان. لكن أي إنسان؟ إنه إنسان يحمل قيم ومبادئ وأفكار الطبقة البروليتارية الحاكمة، مع الاحتفاظ ببعض الصفات الكلبية، وهناك تكون الكارثة التي لم يعد البروفيسور فيليب فيليبوفيتش يتحملها مما يجعله يقدم في نهاية الأمر على اتخاذ قرار حاسم هو إعادة هذا الكائن الجديد الى أصله، أي إعادته الى كلب، وذلك بجراحة على الدماغ تتم فيه إعادة غدته النخامية التي كان البروفيسور محتفظاً بها في خزانته. يهجو بولغاكف في روايته هذه طبقة البروليتاريا الروسية، مثلما يهجو الواقع الذي فرضته في روسيا، وتتمثل هذه الطبقة في الرواية بالإدارة الجديدة للعمارة التي يسكنها البروفيسور، وبالشرطة الجنائية والمحقق الذي يرافقها. تأتي هذه الإدارة الجديدة الى بيت البروفيسور طالبة منه إخلاء غرفة الطعام في بيته ضمن خطة الحكومة في تضييق الشقق السكنية، لكنه يستطيع تفادي هذا الإجراء من خلال علاقته مع أحد المسؤولين الكبار في الدولة، والذي سيجري له جراحة. يقيم الكلب، الذي كان اسمه "شارك" وأصبح مع التحول "شاركوف"، علاقة مع مسؤول العمارة تتوج بحصول شاركوف على الوثائق المطلوبة لتسجيله في عداد المواطنين، وأصبح اسمه "الرفيق بوليغراف بوليغرافوفيتش شاركوف" ثم بتوظيفه في منصب "مدير قسم تطهير مدينة موسكو من الحيوانات الشريدة القطط وغيرها لدى لجنة الشؤون العامة في موسكو". وذلك لما يكنه للقطط من عداء. ومما قام به خلال وظيفته أنه غرر بإحدى الموظفات لكي يتزوجها، إذ قال لها إنه من القادة الحمر، وأن ندبة الجرح التي في رأسه إثر العملية هي نتيجة جرح أصيب به خلال إحدى المعارك، وقال لها: "ستعيشين معي في شقة فاخرة... والأناناس كل يوم..." 147. وتجلت كلبية شاركوف، الذي يقيم في شقة البروفيسور، أكثر ما تجلت عندما يأتي أحد المرضى السابقين، وهو مسؤول عسكري، حاملاً تقريراً كتبه بحقه شاركوف متهماً إياه بأنه "معاد للثورة" وأنه "أمر مساعدته بحرق انغلز في المدفأة، ذلك لأنه منشفي صريح". فشاركوف يعمل مخبراً لمصلحة أحد أجهزة الأمن، وعندما طلب منه البروفيسور مغادرة الشقة رفض بشدة وأخرج من جيبه مسدساً صوّبه نحو الدكتور بورمنتال مساعد البروفيسور، وعندما سيطر الطبيبان على الموقف قاما مباشرة بإجراء جراحة على دماغ هذا الكائن واستأصلا منه الغدة النخامية البشرية التي كانا قد زرعاها له، وأعادا له غدته النخامية الأصلية ليعود بذلك الى طبيعته الأصلية، أي ليعود كلباً. من ناحية الاكتشافات الطبية، فإن تجربة البروفيسور برايوبراجينسكي هذه كشفت عن أحد أسرار الدماغ البشري، كما يقول مساعده الدكتور بورمنتال في مذكراته، "إذ اتضحت منذ الآن الوظيفة الغامضة للغدة النخامية، أي الزائدة الدماغية. إنها تتحكم بالمظهر البشري. ويمكن ان تسمى هرموناتها، وهي الأهم في الجسم، بهرمونات المظهر. لقد انكشف ميدان جديد في العلم، حيث تم الحصول على إنسان اصطناعي دونما أية حاجة الى أنبوبة فاوست" ص82. لكن كيف استقبلت الصحافة هذا الاكتشاف؟ قالت الصحافة وهي صحافة السلطة التي لا يوجد صحافة غيرها إن هذا الكائن الجديد الذي يعيش في شقة البروفيسور هو "ابنه غير الشرعي". وهذه الصحافة غالباً ما يسخر منها البروفيسور، فهو يقول على مائدة الطعام موجهاً كلامه لإيفان ارنولدفتش: "إذا كنت تهتم بهضم طعامك فإليك نصيحتي الخيّرة: لا تتحدث أثناء الطعام عن البلشفية وعن الطب. وإياك - حفظك الله - ان تقرأ قبل الغداء جرائد سوفياتية". ص 45. وظف بولغاكف خبرته الطبية، هو الطبيب، في كتابة هذه الرواية، وقد تجلى ذلك في نقله الدقيق لأجواء الجراحة والأدوات والأدوية المستعملة في كل مرحلة. كما استخدم تقنيات عدة للسرد الروائي أهمها ان هذه الرواية تبدأ على لسان كلب، بل إن أول كلمة فيها هي عواء هذا الكلب، يتلوه مونولوجه الداخلي الذي يكشف فيه عن وضعه البائس بعد أن تلقى صفعة بالماء المغلي من أحد الطباخين. ثم غبطته بالتفات هذا "السيد" البروفيسور نحوه وإطعامه السجق واقتياده الى منزله والاعتناء به ومعالجة آثار الحروق التي تركها الماء المغلي على خاصرته. كما أن المؤلف يستخدم أسلوب المذكرات لمراقبة وتسجيل التحولات التي تطرأ على الكلب، الى جانب التقنيات السردية الأخرى المعهودة.