الفنان سيد القماش هو أحد الفنانين الذين أثروا الحركة التشكيلية، خصوصاً، وغالباً ما يعرض أعمالاً متجددة وجيدة تضيف الى الساحة ما اصبحت تعاني افتقاده وسط هذا المناخ من التجريب أو التخريب المنهجي لآليات وقدسية العمل الفني. والحجة التجديد والتحديث والنتيجة إفساد المشاهدة وإضعاف القدرة على التذوق وبالتالي تشجيع هذه الروح المخربة على الاستمرار. وسط كل هذا الضجيج يظل كثيرون على ثباتهم وتظل الساحة غنية بالجادين فما أتعس العابثين!! وما أسرع انهيارهم! جاء الفنان سيد القماش بمعرض جديد تحت عنوان "السفر في المجهول" نظمه المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي. ضم المعرض 25 لوحة أبيض وأسود متساوية الأحجام، مختلفة التوجهات. ويعتبر هذا المعرض من المعارض المتميزة واللافتة خاصة في ما يتعلق بالاسطورة وكيفية توظيف خامة الحبر الصيني في الشكل الذي يخدم الاسلوب السوريالي. اتخذ الفنان من خلال هذه الأعمال منهجاً متفرداً في التعبير والتقنية. ويعد هذا الاسلوب امتداداً لتجاربه السابقة في الرسم، إذ يعكس رؤيته التشكيلية الخاصة بكل فترة اختارها للعرض. ويستعين الفنان ببعض الرموز المشتقة من المعادن مثل الزخارف المعدنية والتراكيب الميكانيكية دامجاً بينها في هيئة ما ومخضعاً إياها لميتافيزيقيا خاصة برؤيته وبفلسفته في التجريب. هذه الرؤية تعتبر مهمة في قراءتها لكل متلقٍ. وقد تعكس الاعمال حالة تشخصية مدمجة بالاسطورة والتراث الشعبي، وقد تعني ابعاداً ورؤى اخرى. خمس وعشرون عملاً فنياً مفعمة بالحس والوعي والعمق الفلسفي، وهذا ما ينقصنا كثيراً ونحتاجه في شكل دائم. والفنان سيد القماش هو أحد الفنانين الذين انشغلوا بالتعبير عن الاساطير عامة مستخدماً في تشكيلها عدداً من الرموز كأجنحة الطائر والاظافر الطويلة وبعض اجزاء من السمكة اضافة الى اجزاء من المعادن، وهذه العناصر مجتمعة تشكل الوحدة او التكوين الذي يتناوله الفنان في كل لوحة منفردة مستخدماً اسلوباً سوريالياً متميزاً في التقنية الحبر الشيني والتناول الرموز المستخدمة ومعبراً عن اسطورته الخاصة التي تشبه في تشكيلها نوعاً من الحواديت الشعبية القديمة. كأن نرى الحصان الطائر بجناحيه وشعره الطويل عبر الجبال والسحب الكثيفة. ولأن التوظيف جاء مناسباً لمساحة العمل والعناصر المستخدمة داخله فهو نجم في توصيل مفهوم الفنان عن الاسطورة مقارنة بالاسطورة التي عرفناها في التراث القديم وقرأنا عنها في الكتب والقصص. لكنها هنا تعبر عن الشجن الذي يعيشه الفنان ويسافر من خلاله الى عالمه الخاص، ذلك العالم الذي يعني عدداً من الرموز والعناصر الدافئة والمتناغمة وقد صيغت في هيئة او شكل ما. وهي تعكس في مضمونها قلقاً شعورياً بالرغبة في الرحيل والسفر وفي تطلع الى العالم الذي يحلم به ويتمناه الفنان. وقد نجح في توظيف خامة الحبر الاسود وتدريجاته من خلال تهشير الخطوط والظلال مع التركيز على مصدر الضوء والتأثيرات الناتجة عنه في دراما حوارية مفعمة بالحس والخيال مع اهتمامه بعنصري الحركة والسكون. والمعرض يعكس حالة شعورية يعيشها الفنان ويتمكن من أدواته في تشكيل أو دعم كل عنصر في خمس وعشرين لوحة متميزة بعنصري الضوء والظل في جدل الابيض والاسود من خلال تأثيرات الحبر. ويستخدم الفنان اقلاماً مختلفة من الحبر، لكنه مع ذلك يدخل عنصراً لونياً جديداً هو الاليف الذهبي.