تبين نظرة الى دليل المسارح في أية صحيفة أو مجلة في لندن استمرار شعبية المسرحيات الموسيقية. وهناك على خشبات المسارح حالياً نحو عشرين منها، قسم بدأ عرضه خلال السنة الجارية. والمسرحية الأحدث عرضاً افتتحت في 12 كانون الاول ديسمبر الماضي في مسرح "دونمار وار هاوس" تحت عنوان "ميرلي وي روول آلونغ" للكاتب الاميركي الشهير ستيفن سونتايم، وكان سبق عرضها في برودواي عام 1981. ويعتبر النقاد ان انتاجها الجديد في لندن ناجح، ولقي العرض ثناءهم. ويولع بهذه المسرحيات في شكل خاص زوار المدينة، لما تحفل به من الأضواء والألوان والأغاني التي تبقى في الذاكرة، موفرة مهرباً موقتاً من عالم الواقع. وعَبَّر بعض النقاد عن عدم الارتياح لسيطرة هذا النوع من المسرحيات على المشهد العام. ويرون انها اعمال مألوفة و"مضمونة" ذوقياً ومن الناحية الاقتصادية، وتساهم بذلك في الابتعاد عن روح التجربة والمغامرة في المسرح. ويركز النقاد خصوصاً على "المسرح الوطني" الذي يضم برنامجه لهذه السنة عدداً من المسرحيات الموسيقية، بدل التركيز المعتاد على الاعمال "الجادة". الا ان المخرج الرئيسي للمسرح الوطني تريفور نان يرفض الانتقاد. وشهد حزيران يونيو الماضي افتتاح مسرحية "غناء تحت المطر" - التي تستعيد الفيلم الهوليوودي الشهير بالاسم نفسه - في مسرح أوليفييه التابع للمسرح الوطني. ولاقى العرض نجاحاً كبيراً لدى المشاهدين والنقاد. وفي آذار مارس المقبل يبدأ المسرح الوطني عرض انتاجه الجديد لمسرحية "سيدتي الجميلة"، حيث يقوم جوناثان برايس بدور البروفسور هيغنز، ومارتين مكاتشين بدور ايلايزا. لكن هل من الصحيح ان المسرح الموسيقي - كما يصر بعض النقاد - لا يمكن ان يكون تجريبياً؟ ان جوائز صحيفة "ايفننغ ستاندارد" للمسرح التي قُدمت نهاية تشرين الثاني نوفمبر الماضي تشير الى العكس. اذ ان المتنافسين الرئيسيين على جائزة المسرح الموسيقي يتخطيان الحدود المعهودة لهذا النوع ويفتحان أمامه آفاقاً جديدة. المسرحية الفائزة كانت "كار مان" المعنى الحرفي: رجل السيارات، لكنه في الانكليزية يتلاعب على عنوان أوبرا بيزيه الشهير "كارمن". واعتبر الناقد المسرحي ل"ايفننغ ستاندارد" ان للمسرحية الجديدة "صدقية فنية عالية وهي تقدم شيئاً جديداً ومختلفاً". تروي المسرحية من خلال الغناء والرقص على أنغام الأوبرا الأصلية قصة تدور في الولاياتالمتحدة في خمسينات القرن الماضي عندما يأتي شخص طارئ ليعمل في مرآب سيارات ويثير عواصف من الحب والغيرة الجنسية في الحي. مخرج المسرحية ومصمم رقصاتها هو ماثيو بورن، الذي أثار الاهتمام السنة الماضية عندما اخرج باليه "بحيرة البجع" بفرقة راقصة كل اعضائها من الذكور. العمل الذي نافس "كار مان" على جائزة "ايفننغ ستاندارد" لأفضل مسرحية موسيقية كان "اللعبة الجميلة"، المسرحية الأخيرة من اللورد أندرو لويد ويبر، المؤلف الأنجح في هذا الحقل في بريطانيا، الذي تقدر الثروة التي جمعها من اعماله ب450 مليون جنيه استرليني. افتتح العرض في لندن اواخر ايلول سبتمبر الماضي، وهو يجمع بين عالمي السياسة وكرة القدم في ايرلندا الشمالية، وحصل عموماً على اعجاب النقاد. تقدم المسرحية قصة مجموعة من الشباب في فريق كاثوليكي لكرة القدم في المرحلة بين 1968 و1972 التي شهدت تصاعد الصراع السياسي في شمال ايرلندا. القصة عن المشكلات التي يثيرها الحب في مجتمع منقسم، وهي تشابه من هذه الناحية مسرحية "وست سايد ستوري" الشهيرة. وتصوّر ما كان يدور في ايرلندا الشمالية وقتها من احداث قاسية، من القتل والصدامات الشارعية وعقوبات تفرضها المنظمات المقاتلة من بينها تهشيم الركبة بالرصاص. وفي موسيقى واغاني المسرحية تأثيرات ايرلندية واضحة. يكتب لويد ويبر المسرحيات الموسيقية منذ 30 سنة، وبنجاح هائل. كتب مسرحياته الاولى الثلاث بالتعاون مع السير تيم رايس، الذي كتب الكلمات. يقول السير تيم رايس: "كان لمسرحياتنا تلك تأثير كبير. وسواء احببتها أم كرهتها فهي غيّرت الكثير من القواعد". افترق تيم رايس ولويد ويبر في الثمانينات، وواصل الاول كتابة الاغاني للمسرح والسينما، مثل فيلم "ملك الاسود" لاستوديوهات ديزني، متعاوناً مع السير التون جون الذي كتب موسيقاه. ويرفض رايس الرأي القائل ب"سهولة" كتابة المسرحيات الموسيقية، ويؤكد: "كتابتها ليست سهلة، ولا بد لها من قصة بالغة القوة". ويعرض في مسارح لندن حالياً. اضافة الى "اللعبة الجميلة"، عدد من مسرحيات لويد ويبر، من بينها "إصفرْ في الريح" و"ستارلايت اكسبرس" و"شبح دار الأوبرا" و"القطط". والاخيرة تعرض في شكل مستمر في لندن منذ عشرين سنة وشاهدها حتى الآن ثمانية ملايين شخص. وهي مستمدة من ديوان "كتاب القطط لبوسوم العجوز" للشاعر تي، أس، اليوت. الجدير بالملاحظة ان المسرحيتين اللتين كتبهما لويد ويبر قبل عمله الاخير، وهما "شارع الغروب" و"اصفر في الريح" لم تحرزا نجاحاً يقارن بمسرحياته المبكرة، وتحدث بعض النقاد عن "ضمور" مواهبه. واعترف انه كان يشعر وقتها بالركود، وانه يريد اكتشاف اتجاهات جديدة. تزامن هذا مع لقائه الكوميدي والكاتب بين التون. وطلب لويد ويبر منه كتابة مادة اضافية ل"ستارلايت اكسبرس"، العرض المستمر منذ 1984 والذي يدور على القطارات ويتنقل الممثلون فيه على احذية التزلج. لكن التون قال انه يفضل كتابة عمل جديد. ثم استوحى لويد ويبر فكرة "اللعبة الجميلة" من تقرير تلفزيوني عن فريق كرة قدم في ايرلندا الشمالية، ووافق التون على الفكرة. التعاون بين الاثنين كان مفاجئاً للأوساط الفنية في لندن، لأن التون معروف بميوله اليسارية، فيما كان لويد ويبر مؤيداً متحمساً لحزب المحافظين، وهدد بمغادرة بريطانيا اذا فاز حزب العمال في انتخابات 1997. لكنه تراجع اخيراً عن تأييد المحافظين. يعمل لويد ويبر حالياً على مشروع يبدو مثيراً، وهو "احلام بوليوود" بوليوود، الاسم الخليط من بومباي وهوليوود، الذي يطلق على صناعة السينما الهندية. يشاركه في العمل الموسيقي ال"بولييودي" الشهير أي. آر. رحمن، وهي المرة الاولى التي يتعاون فيها مع موسيقي آخر. يقول لويد ويبر انه يشاهد الافلام الهندية منذ زمن وأن "لثقافة بوليوود الكثير مما تقدمه لمشاهدين على النطاق العالمي". تكتب أغاني المسرحية الجديدة ميرا سايال، البريطانية الهندية التي تعتبر من بين اشهر الممثلات الكوميديات في بريطانيا الآن. ويتوقع افتتاح "احلام بولييود" في أواخر 2001. أما لجهة مشاهدي المسرح الغنائي فهناك تطور جدير بالانتباه، وهو ان الكثير منهم كانوا سابقاً من السواح الاميركيين، اما السنة الحالية فشهدت تدفق الاوروبيين، خصوصاً الفرنسيين، على العروض الموسيقية في لندن. من بين الاسباب ان النجم الغنائي الفرنسي ساشا ديستيل عمره الآن 68 سنة شارك في مسرحية "شيكاغو" الغنائية الصيف الماضي. وأثار ديستيل وقتها عاصفة من الاحتجاج في فرنسا عندما قال ان "اللغة الفرنسية قبيحة للغناء... الانكليزية اسهل بكثير للغناء مع الموسيقى الحديثة". كما ان هناك مسرحيات موسيقية عديدة تستوحي مواضيعها من فرنسا، آملة الحصول على النجاح الباهر لمسرحية "البؤساء" الغنائية المستوحاة من رواية فكتور هوغو الشهيرة. ويستمر عرض هذه المسرحية في شكل متواصل منذ 1985. من ذلك ايضاً مسرحية "نوتردام باريس" المأخوذة من عمل للكاتب نفسه، والتي افتتحت بنجاح هذه السنة. بالمقابل فشلت مسرحية "لوتريك" عن حياة ذلك الفنان واضطر المنتجون الى انهاء عرضها، على رغم قيام المغني الفرنسي الشهير شارل ازنافور بدور البطولة. كما افتتحت في تشرين الاول اكتوبر مسرحية "نابليون" وكانت غالبية المقالات عنها سلبية، ورأى كثيرون انها مملة وضعيفة غنائياً. أما السيّاح من اسكندينافيا فهم يحرصون عادة على حضور عرض "ماما ميا" الذي بدأ السنة الماضية عن فرقة البوب السويدية "آبا" وأغانيها في السبعينات. العمل الذي سجل نجاحاً كبيراً هذه السنة كان المسرحية الموسيقية العظيمة "كافا" عن فلوريندا، ابنة حاكم المغرب الاسباني في القرن الثامن، التي يعشقها ملك اسبانيا رودريك. لكن فلوريندا مغرمة بأبن قائد الثوار المغاربة، ويقتل الملك رودريك حبيبها، وتقسم فلوريندا على التأثر. لكنها لا تلبث ان تقع في حب الملك. المسرحية مليئة بالدسائس وسفك الدماء، مع أغان عاطفية عميقة التأثير. من بين العروض التي افتتحت هذه السنة أيضاً "ساحرات ايستويك" المأخوذة عن رواية الاميركي جون أبدايك، وعرض جديد لمسرحية "الملك وأنا" من تأليف ريتشارد روجرز وأوسكار هامرستين التي انتقلت من برودواي الى لندن. المشهد المسرحي الغنائي ناجح عموماً. لكن الكثير من العروض يقدم في صالات كبيرة يصعب ملؤها، كما ان كلفة الانتاج عالية. من ذلك ان كلفة انتاج "الملك وأنا" كانت ستة ملايين جنيه استرليني، فيما كلفت "ساحرات ايستويك" 5،4 مليون جنيه. واضطر العرض الاخير الى الانتقال الى مسرح "برنس اوف ويلز" الصغير نسبياً، بعد ان فشل في اجتذاب ما يكفي من المشاهدين الى مسرح "ثياتر رويال" الكبير الذي شهد الافتتاح. لندن - سوزانا طربوش