الكتاب: الإسلام السياسي وآفاق الديموقراطية في العالم الإسلامي. الكاتب: باحثون عرب ومستشرقون. ترجمة ونشر: مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث. الرباط" 2000. يعالج كتاب "الإسلام السياسي وآفاق الديموقراطية في العالم الإسلامي" مشروع التحديث الذي حاولته أقطار العالم الإسلامي، مشرقاً ومغرباً" مترددة بين العودة الى تراث الماضي" والإفادة من الثقافة الغربية. فالحركات الإصلاحية والسياسية المختلفة، آمنت بضرورة الانفتاح على الغرب وتبينت امكانات الإفادة منه. بعض هذه الحركات صُنف كإسلام سياسي ونظر اليه "كحركة عميقة ومتشعبة" تسعى الى الاجابة عن الأسئلة نفسها التي كانت الحركات الإصلاحية والاستقلالية تطرحها لحظة المواجهة مع الاستعمار، قبل ان تعمل الدولة الوطنية غداة الاستقلال على حجبها ضمن توجهات وشعارات منغلقة على الذات. وانبثقت هذه الأسئلة مجدداً مع الثورة الإيرانية، وبداية ظهور معالم فشل الاختيارات الاقتصادية والمجتمعية التي راهنت عليها الحكومات العربية والإسلامية في تبعيتها للدول الغربية تارة" وفي نهجها لاقتصاد الريع تارة أخرى. ويرى الكتاب ان الإسلام السياسي يطرح "بحدة سؤال العدالة الاجتماعية" ويطرح سؤال الهوية أو ما يسميه البعض بتقرير المصير الثقافي، ويطرح سؤال المشاركة السياسية. وهو تحيين لتلك الأسئلة الكبرى التي أقضت مضجع آباء الحركة الوطنية: من نحن" وماذا نريد أن نكون" وكيف؟"... يطرحها في سياق تعرف فيه دول العالم الإسلامي ابدالات نوعية وتحولات درامية تؤثر على بنياتها المجتمعية وذهنياتها الثقافية وفي أنماط نظرتها الى الكيان الذي تتمثله وجوداً دالاً على هويتها، وعلاقاتها بالأسباب التاريخية مع الذات ومع الآخر. يتوزع الكتاب الى ست مداخلات مترجمة لباحثين عرب وأجانب، اهتمت بموضوع الإسلام في الحياة الحديثة، من حيث الحضور والتوظيف السياسي والتعبير الثقافي الذي يمثله، ومن حيث البعد المجتمعي والخلفية التاريخية التي يتحصن بها خطاب الإسلام السياسي" والمقاربات التي عالجته، أو تلك التي سعت الى جعله" ضمن المنظور السياسي" إطاراً للانتقال من التخلف الى الأخذ بأسباب التحديث، وتجربة تاريخية وارادية متوافقة طوعاً بين القيم الدينية واكراهات الزمن الحديث" العولمة. في أولى المداخلات عن الانكليزية كتب نزيه أيوبي عن "أشكال الإسلام السياسي بين التعبير الثقافي والدور السياسي" مثيراً عدداً من القضايا التي كانت موضع نقاش ومواجهة بين مفكري الإسلام والمستشرقين: كعلاقة الإسلام بالعلمانية، وحدود التقليد والتجديد في الإسلام والأدوار السياسية التي قد توكل للإسلام أو ما انتهى منها الى نزوعات مثلتها الحركات الإسلامية المعاصرة. ويرى الكاتب انه من الممكن اختصار الإشارة الى الجدل حول أهم هذه القضايا في مساءلة مدى تمثل المجتمعات الإسلامية للمفاهيم والقيم الغربية كالعلمانية والتحديث والتنمية" وكذلك الشروط التي تمكن من اقامة دولة حديثة في الأقطار الإسلامية. غير ان مسار التحديث يلاحظ الكاتب لم يكن كما في منطقة الشرق الأوسط "على العموم مساراً طبيعياً. يستجيب لمقتضيات التنمية الاجتماعية الداخلية أو الذهنية أو التكنولوجية، وانما كفعل دفاع". فهو "تحديث دفاعي ضد الضغوط التي كانت تمارسها السلطات الاستعمارية الرأسمالية"" التي رسخته بأشكال تناسب مصالحها. وهو غير التغريب الذي لا يعدو "ان يكون استعارة لعادات اجتماعية وثقافية أجنبية ليست بالضرورة متفوقة في حد ذاتها أو على غيرها". ومن هنا يجب النظر الى الحجاب" "من موقع الخصوصية الثقافية والتاريخية والمجتمعية باعتباره لباساً خاصاً لجهة جغرافية وثقافية معينة يفترض ان يلائم الظروف المناخية فيها". الى ذلك وقف الكاتب عند مفهوم العلمانية لدى مفكري الإسلام بالإشارة الى تمثلهم العصر الذهبي للإسلام الذي لم يفصل بين المعتقد والحياة، فيما جاءت العلمانية مع "الهيمنة الاستعمارية، أو لاحقاً" مع المحاولات الوطنية في سلك أشكال من التجارب التنموية المستقاة من الغرب مثل الرأسمالية والاشتراكية لم تحقق نجاحاً يذكر". لذلك كان فشلها حجة للاتجاهات التي توظف الإسلام في نزعاتها السياسية. فهي لا تعود الى الماضي بقدر ما تبحث عن شكل اجتماعي جديد غير مستورد وله فاعلية الجاذب نحو المشاركة. ويقترح ديل إكلمان في "آفاق الديموقراطية في الشرق الأوسط" نقضاً لأطاريح هنتنغتون عن صراع الحضارات وما يشكله الآخر والإسلام في ابتعادهم عن قيم التحديث والديموقراطية بالخصوص من تهديد للغرب. فأفق الديموقراطية يمر في العالم العربي من خلال تعبيرات وممارسات تؤكد التحول السياسي ولو خارج الحد الغربي لمعنى الديموقراطية. فمفهوم السياسة في العالم الإسلامي مرتبط بالأفكار والممارسات العقدية الملتبسة بالطابع المحلي والوطني. وهو ما يغيب عن الباحثين الغربيين الذين يهتمون بخطابات الأصوليين وشعاراتهم" وينسون الغالبية العظمى من المسلمين "المعتدلين"" كما انهم لا يلاحظون تبدل المخيال المجتمعي والسياسي للشعوب بفعل التعليم واستعمال اللغات الوطنية وتداول الكتاب... بما سهل اشاعة الوعي بتغيرات الزمن وتحولات القاموس السياسي وممارساته، الأمر الذي يستوجب "الإنصات الى أصوات غير تلك المتشبعة بالثقافة الغربية، لاستنباط المفاهيم الثقافية للسلطة الشرعية والعدالة والتعرف على مختلف أصوات العالم الإسلامي والعربي المتمرسة على هذه القضايا". وعرضت باقي فصول الكتاب لماضي الإسلام السياسي ولأوضاعه الراهنة مستكشفة سيناريوهات لمستقبله المنظور، ما دام "ان الإسلام السياسي ظل دائماً أسلوباً للتعبير عن المظالم الدنيوية العويصة والبحث عن حياة رغدة هنا على الأرض" ولذلك" فمهما استمر وجود الحركات المتطرفة فستنتهي الى الاعتدال بمجرد ادماج فئاتها في تيار الحياة الاقتصادية والمجتمعية، كما ترى بعض المداخلات. وفي ضوء هذه الفرضية الواصلة بين الاقتصادي والمجتمعي والسياسي نُظِرَ الى فاعلية الإسلام السياسي في الجزائر وايران من موقع الاختيارات الاقتصادية التي قادتها السلطات التي انبثقت غداة الاستقلال" وفي ما كان لها من آثار مجتمعية وثقافية عميقة في بنية المجتمعين" لبعضها أبعاد نقدية "لا يمكن حلها سوى من خلال العمل السياسي" أي باختيار نهج التحديث والتغير نحو الديموقراطية. تعود أهمية الكتاب الى ما يعرضه على القارئ الغربي والعربي بهذه الترجمة من مراجعة لخطابات الاصلاح والنهضة لدى المفكرين المسلمين" مما لم يتعود على الانصات اليه" كما الى تناوله لقضايا ما زالت موضوع نظر وتجاذب فكري بين المسلمين" وبينهم وبين قيم الثقافة الغربية على السواء، كمفهوم التحديث وطرق الإصلاح" وتهديد الإسلام للغرب. كما الى مراجعته لمفهوم الإسلام السياسي بعيداً عن كل نزعة لتهويل حجمه والمخاطر التي قد يحملها" إذ ليست كل المجتمعات المسلمة على نهج التطرف. كما يفيد الكتاب في اعادة بناء صورة الفكر الإسلامي المعاصر ليلتقي مع الأطروحة التي ترى المجتمعات الإسلامية على مسار التحديث، تحاوله من منظور ثقافتها وقيمها المتوارثة" وتعمل على تحويل تخلفها بتفاعل تاريخي مع ما تكتسبه من قيم معاصرة ومن بينها اقامة حياة سياسية منفتحة على مشاركة الجميع، أدركت ضرورتها من وعي نخبها بالتخلف وبالانطلاق الفكري والإصلاحي الذي باشرته منذ القرن التاسع عشر، ومن هنا كانت أطروحة الكتاب قائمة على فرضية ترى في بحث دول العالم الإسلامي ومجتمعاته عن الديموقراطية فعلاً من صميم توجهاتها طوال القرنين الماضيين التاسع عشر والعشرين نحو التحديث وتوفير أسباب أنموذجها الخاص من أجل ذلك. ان رهان التحديث لم يكن سياسياً دائماً، بقدر ما كان ثقافياً، سابقت فيه السلطات السياسية المثقفين في تملك الرموز الثقافية من أجل بناء خطاباتها والدفاع عن تمثلاتها في الحياة المجتمعية، بل ولطالما سعت الى التحكم في تصريف هذه الرموز مجتمعياً" أو على الأقل احتواء الدينامية الثقافية الناتجة عنها في مجتمعات العالم الإسلامي.