في الوقت الذي تعاود ايران الانفتاح على العالم الخارجي وتصعّد جهودها لاجتذاب الاستثمار الاجنبي، يتزايد الاهتمام وسط الشركات الاميركية بألا تتخلف عن الركب. وتكمن الورطة التي تواجهها في ان العقوبات الاقتصادية الواسعة التي وضعتها الولاياتالمتحدة موضع التنفيذ في 1995-1996 لا تزال قائمة من دون تغيير يذكر. ولفهم المدى الحالي لهذه القيود القانونية المفروضة على التعامل التجاري مع ايران، من المهم ان نلقي نظرة اولاً على تاريخها القريب وكيف تطورت مع حدوث تغييرات في وجهة العلاقات الاميركية - الايرانية، وثانياً على الطريقة التي تُطبق بها هذه العقوبات في الوقت الحاضر، وثالثاً على الاتجاه المحتمل لسياسة الولاياتالمتحدة ازاء العقوبات في ادارة بوش الجديدة. التاريخ القريب للعقوبات نصت احدى فقرات "الاعلان بشأن اطلاق الرهائن الاميركيين" الذي وقعه وارن كريستوفر نائب وزير الخارجية آنذاك في الجزائر في 19 كانون الثاني يناير 1981 - ما يعرف ب"اتفاق الجزائر" - على ان الولاياتالمتحدة ستلغي كل العقوبات التجارية التي كانت موجهة ضد ايران في الفترة بين 4 تشرين الثاني نوفمبر 1979 و19 كانون الثاني يناير 1981. وكان الهدف من هذا الاعلان الذي اُعد بعناية ان يؤمن افراجاً عاجلاً عن الرهائن الاميركيين وان ينشىء آلية لحل مطالب كلا الطرفين. ويمكن لهذا بدوره، اذا طُبّق بحسن نية، ان يؤدي في النهاية الى تطبيع العلاقات والتجارة بين ايران الثورية والولاياتالمتحدة. وكانت ايران اول من نكث العهد عندما عطّلت بشكل متعمد اطلاق الرهائن الى ان تسلم الرئيس ريغان منصبه، لتحرم بذلك الرئىس كارتر من الهدف الذي كان يتوق لتحقيقه في الاشهر الاخيرة من ولايته ولتولّد، بالمناسبة، استياءً عميقاً وثابتاً لدى وارن كريستوفر الذي اصبح في وقت لاحق وزير خارجية اميركا. يمكن ان نعيد الى الذهن الكثير بشأن التورط الغريب لادارة ريغان في قضية "ايران كونترا"، لكن الحوادث والنزاعات التي تجدر الاشارة اليها من تلك الفترة تتضمن التصدير النشيط للثورة الاسلامية من جانب ايران، وتورطها في اعمال ارهاب واغتيالات في الخارج، بما في ذلك خطف اميركيين في لبنان، ومخاوف متزايدة في الولاياتالمتحدة بشأن التوسع الايراني واحتمال تحقيق انتصار عسكري ايراني في الحرب الايرانية - العراقية. وبدلاً من اعادة بناء تدريجية للعلاقة، وهو ما كان يحتمل ان يعقب اطلاق الرهائن، شهدت تلك السنوات فرض قيود جديدة متنوعة على توريد الاسلحة ونقل المواد ذات الاستخدام المزدوج، فيما سعت الولاياتالمتحدة الى زيادة الثمن الذي تتحمله ايران من جراء اتباع هذه السياسات الخطرة. وفي 1984، اعتبرت الولاياتالمتحدةايران دولة مؤيدة للارهاب الدولي، وعُدّل "قانون السيطرة على صادرات الاسلحة" في 1986 لحظر تصدير أي مادة في "لائحة الاعتدة الحربية الاميركية" الى البلدان المدرجة على لائحة الارهاب. كما حُظر تقديم تسهيلات مالية واعطاء اذونات لتصنيع مثل هذه المواد الى مصنّعين في بلد ثالث. وفي 1987، حظر مرسوم رئاسي استيراد السلع الايرانية الى الولاياتالمتحدة. وفي تشرين الاول اكتوبر 1992، في السنة الاخيرة لادارة بوش، أدى تمرير "قانون الحد من انتشار الاسلحة الى ايران والعراق"، الذي ناصره السناتور ماكين، الى مزيد من التشدد في قيود التصدير الخاصة بتجهيز ايران بتكنولوجيات الاستخدام المزدوج او الاسلحة التقليدية التي تسبب زعزعة الاستقرار. ومهّد ذلك لسياسة الاحتواء المزدوج التي تبنتها ادارة كلينتون، بما في ذلك الابعاد التي تتخطى نطاق التشريع الوطني ل"قانون العقوبات ضد ايران وليبيا" الذي جرى تمريره بعد ذلك بأقل من اربع سنوات. ولا يزال "قانون الحد من انتشار الاسلحة الى ايران والعراق" ساري المفعول ويمكن ان يستعيد شهرته اذا انتهى مفعول القوانين الاكثر تقييداً التي فُرضت خلال سنوات حكم كلينتون او جرت مراجعتها بشكل اساسي. وعلى امتداد فترة ريغان - بوش، بل حتى مطلع 1995، لم يكن هناك اي قيد على الصادرات المدنية باستثناء المواد "ذات الاستخدام المزدوج"، ولم يُفرض اي قيد على تعاملات شركات الطاقة الاميركية مع شركة النفط الوطنية الايرانية ما عدا الاستيراد المباشر للنفط الايراني الى داخل الولاياتالمتحدة. فشركة "كونوكو"، على سبيل المثال، احاطت مسؤولين اميركيين علماً بأنها كانت تبحث مع مسؤولين ايرانيين صفقة محتملة تشمل حقل "سيري" النفطي البحري، لكنها اكدت ان الاتفاق لم يكن وشيكاً. وأقر مسؤولون اميركيون بالمقابل ان مثل هذه المحادثات لم تكن غير شرعية بموجب القوانين النافذة في ذلك الحين. لكن في مطلع 1995 تغير هذا الوضع بشكل مثير بسبب تداخل ثلاثة حوادث: موافقة روسيا على اعادة بناء المفاعل النووي الايراني في بوشهر، ووقوع عمليات ارهابية في اسرائيل وتوجيه اصابع الاتهام الى ايران لدعمها جماعات رفض فلسطينية، والانباء المفاجئة التي سُرّبت عبر صحيفة ايرانية بأن شركة النفط الايرانية وشركة "كونوكو" وقعتا فعلاً على اتفاق بشأن حقل سيري. وكان رد الفعل السلبي فورياً في واشنطن، في الكونغرس والادارة على السواء. وفي 15 اذار مارس 1995، اصدر الرئىس كلينتون المرسوم الرئاسي 12957 الذي حظر الاستثمار الاميركي في قطاع الطاقة الايراني. واعقبه بعد بضعة اسابيع المرسوم الرئاسي 12959 في 6 ايار مايو 1995 الذي ألغى كل انواع التجارة والاستثمار، وعملياً كل تفاعل بين الولاياتالمتحدةوايران. وردت ايران بمعنى ما بالتعجيل في التوقيع على الاتفاق ذاته بشأن حقل سيري مع شركة "توتال" الفرنسية. وبدا هذا بمثابة استفزاز تصعيدي للكونغرس الذي أقر في آب اغسطس 1996 "قانون العقوبات ضد ايران وليبيا" الموجه بشكل اساسي لعرقلة الاستثمار الاجنبي في تنمية موارد الطاقة في كلا البلدين. وفي أيار مايو 1997، اُنتخب الرئىس خاتمي وفاز على المرشح المفضل لرجال الدين المحافظين، مبيّناً ان التغيير الداخلي يطرق ابواب ايران. ودشّنت الدعوة التي وجهها الى الشعب الاميركي لاجراء حوار بين الحضارات خلال مقابلة اجرتها معه شبكة تلفزيون "سي إن إن" في كانون الثاني يناير 1998، عملية تدريجية لاعادة الاتصال والتبادل المحدود لايماءات حسن النية، وهي عملية لا تزال مستمرة الى الوقت الحاضر. وقوبل ذلك في كلا البلدين برد فعل صاخب من جانب المحافظين، كان اقوى في طهران مما كان عليه في واشنطن، ما حال دون قيام اي حوار جدي او تقارب بين الحكومتين ومُنع الرئيسان خاتمي وكلينتون من التحرك الى الحد الذي كان كلاهما يطمح اليه على الطريق نحو التطبيع. العقوبات الاميركية الحالية ان العقوبات الاميركية الحالية على ايران مُضمّنة في "قانون العقوبات ضد ليبيا وايران" الذي سينتهي مفعوله في الصيف المقبل، وفي المرسوم الرئاسي 13059 الصادر في 19 آب اغسطس 1997، وهو نسخة اكثر شمولاً من المرسوم الاصلي الصادر في 1995، والتعديلات التي اُدخلت عليه في 1999 للسماح ببيع سلع زراعية وادوية ومعدات طبية الى ايران، وفي 2000 للسماح باستيراد السجاد والكافيار والفستق الايراني. وبالنسبة الى الشركات الاميركية، تعتبر القيود التي يتضمنها المرسوم الرئاسي و "ضوابط التعاملات التجارية مع ايران"، التي اصدرها "مكتب ضبط الموجودات الاجنبية" التابع لوزارة المال الاميركية، المراجع القانونية الاميركية الاهم بالنسبة الى التعاملات التجارية التي تنوي القيام بها مع ايران. وهذه القيود متشددة وشاملة في مدى تغطيتها لأن الصياغة المستخدمة ترجع الى فترة 1995-1997 التي اتسمت بأقصى تشدد، بينما جرى التعبير عن خطوات تخفيف القيود منذ ذلك الحين كاستثناءات محدودة من النصوص الاصلية التي لم تخضع بحد ذاتها الى اعادة صياغة. كانت العقوبات التي فرضت في 1995 تهدف بشكل عام الى منع او عدم تشجيع اي تعاملات بين ايرانوالولاياتالمتحدة. وسُمح بتبادل المعلومات والمواد المعلوماتية لأنها تخضع للحماية بموجب "التعديل الاول للدستور الاميركي" في ما يتعلق بحرية الكلام. كما سُمح بالاتصال الهاتفي والبريدي. وعلى نحو مماثل، يُسمح للمواطنين الاميركيين بالسفر الى ايران لانه حق يكفله الدستور ايضاً، ولو انه غير محبّذ في ظل عدم وجود سفارة للولايات المتحدة في هذا البلد. ولا يمكن استخدام بطاقات الائتمان المصرفية من جانب المسافرين الاميركيين لأن ذلك يتضمن اجراء تعاملات مصرفية، وهو شىء لا يزال محظوراً. ويُسمح بالتبرعات لتخفيف المعاناة الانسانية. ويمكن للاميركيين والايرانيين ان يلتقوا ويتحادثوا وحتى يتبادلوا المعلومات، بما في ذلك المعلومات التجارية الموجودة في الحيز العام، لكن ينبغي لممثلي الشركات الاميركية ان يحرصوا على عدم السماح لتبادل الحديث، وهو شىء مسموح به، بأن يتحول الى تعامل او تفاوض او تعاملات تجارية، وهي اشياء محظورة. ويُحظر الدخول في اتفاق، حتى اذا كان اتفاقاً قابلاً للتنفيذ لا يصبح نافذاً حتى تُرفع العقوبات. ويُسمح بحضور مؤتمرات تعقد في ايران او برعاية ايران، كما هو الحال ايضاً بالنسبة الى تقديم مداخلات معلوماتية في مثل هذه المؤتمرات. لكن قراراً اصدره اخيراً "مكتب ضبط الموجودات الاجنبية" يمنع المشاركة برعاية مثل هذه المؤتمرات مع مؤسسات تابعة للحكومة الايرانية. وتسمح تعليمات "مكتب ضبط الموجودات الاجنبية" بتقديم طلبات للحصول على اذونات واستشارات، سواءً شفهية او خطية. ويسعى محامو المكتب، على رغم الاعباء التي ينهضون بها، الى تقديم خطوط مرشدة عملية للشركات والافراد الذين ينشدون مشورتهم. ووفقاً لذلك، مُنحت اذونات للسماح باجراء عمليات صيانة لانواع معينة من طائرات "بوينغ" الايرانية، على سبيل المثال، ولتسهيل انشطة بعض المنظمات غير الحكومية الاميركية في المجال التعليمي او الانساني. وفي نيسان ابريل 1999، رُفض طلب للحصول على اذن لاجراء مبادلة نفطية في آسيا الوسطى، على رغم ان الضوابط الاصلية اشارت الى هذه الامكانية. وفي حادثة وقعت اخيراً اثار تحليل معلومات جيولوجية اجرته شركة اميركية لمصلحة شركة النفط الوطنية الايرانية اهتمام مسؤولين اميركيين. وسُمح منذ تموز يوليو 1999 بقديم طلبات للحصول على اذونات لبيع سلع زراعية او ادوية او معدات طبية الى جهات ايرانية، لكن شروط العقود تُدقق بعناية. ولا يُسمح، على سبيل المثال، بتقديم اعتمادات او ضمانات مالية من قبل المصارف الاميركية. وتم بيع القمح بموجب هذا الشرط، وواجه ممثلو مصدري القمح الاميركيين في طهران اخيراً منافسة قوية من جانب مصدرين من كندا والارجنتين وفرنسا لأن في إمكان هؤلاء ان يعرضوا قروضاً زراعية بينما يتعذر على نظرائهم الاميركيين القيام بذلك. سياسات الادارة المقبلة أُثيرت تكهنات في الاسابيع الاخيرة بأن ادارة كلينتون قد تتخذ خطوات اخرى في اتجاه تخفيف العقوبات قبل ان تنتهي ولايتها في 20 كانون الثاني يناير. ويرجع ذلك الى حقيقة ان الرئيس كلينتون ووزيرة الخارجية اولبرايت بذلا جهداً استثنائياً في الاممالمتحدة في ايلول سبتمبر الماضي للاستماع الى كلمة الرئىس خاتمي وللادلاء بتعليقات مشجعة في ما بعد. ويمكن للرئيس، حسب اصحاب هذا الرأي، ان يتخذ اجراءات معينة في وضعه الحالي ستكون اكثر صعوبة بالنسبة الى رئيس جديد يتعيّن عليه ان يواجه المنتقدين على مدى الاربع او الثماني سنوات المقبلة. لكن الاوضاع السياسية في المنطقة تجعل اي خطوة جذرية خلال الفترة الانتقالية امراً مستبعداً. فالعداء الشديد الذي تبديه ايران تجاه اسرائيل ودعمها للفلسطينيين في الانتفاضة الثانية، بما في ذلك الدعم لحركة "حماس" و"الجهاد الاسلامي" و"حزب الله"، في وضع تجدد فيه الارهاب وعمليات التفجير الانتحارية الفلسطينية، يجعل التعبير عن حسن النية اكثر صعوبة. بالاضافة الى ذلك، يشكل التورط المحتمل لايران في اعمال ارهاب مباشرة ضد الاميركيين، اما كنتيجة للتحقيقات المستمرة في تفجير المدمرة "يو. إس. إس. كول" وتفجيرات مجمع الخُبر او عبر مزاعم محامي الدفاع في محاكمة لوكربي في هولندا، سبباً آخر للاحتراس من جانب الرئيس. ومع ذلك يبدو القيام بخطوتين محدودتين شيئاً ممكناً. الخطوة الاولى هي اعادة النظر في اجراء اخذ بصمات الاصابع الذي تفرضه سلطات الهجرة حالياً على كل المواطنين الايرانيين الذين يدخلون الى الولاياتالمتحدة، بما يضمن ألاّ يلجأ موظفو الهجرة في نقاط الدخول الى اخضاع نساء كبيرات بالسن واطفال صغار وزائرين مسالمين الى تأخيرات والاحساس بالمهانة نتيجة اعطاء بصمات الاصابع باعتبارهم ارهابيين محتملين. الخطوة الثانية تتمثل بنوع من الحوار والتعاون الممكن بين ايرانيين واميركيين يحاولون ان يتعاملوا مع تجارة تهريب المخدرات على الصعيد العالمي، وربما تحت رعاية "البرنامج الدولي للسيطرة على المخدرات" الذي انشأ مكتباً في طهران للمساعدة على مكافحة تجارة المخدرات. ويمكن لكلا الدولتين ان تنتفع من التعاون في هذا المجال. واذا تطلعنا الى المستقبل، سيكون اسهل بالنسبة الى ادارة الرئيس بوش - بالمقارنة مع ادارة كان يمكن ان يرأسها غور - ان تتخذ خطوات لتقليص برنامج العقوبات الحالي بشكل كبير. فنائب الرئيس غور كان، في أي حال، مشاركاً في رسم السياسة الحالية. وكان ديك تشيني عبّر عملياً، قبل ان يصبح مرشحاً لمنصب نائب الرئىس، عن الرأي بأن الوقت قد حان لانهاء العقوبات على شركات الطاقة الاميركية لانها اعطت المنافسين في اوروبا واماكن اخرى تفوقاً في البلد الذي يملك حالياً ثاني اكبر احتياطي للغاز وخامس اكبر احتياطي نفطي في عالمٍ متكل على الطاقة سيحتاج الى تطوير هذه الموارد في العقود المقبلة. الارجح ان ادارة بوش ستكون مستعدة لتوسيع خطوات التعبير عن حسن النية باتجاه التطبيع التي كانت ادارة كلينتون بدأتها بحذر. ومن المنطقي ان نتوقع مزيداً من الاتصالات فيما تفتح ايران ابوابها بدرجة اكبر امام النشاط الدولي. فالارجح ان يتوسع السفر وتبادل الزيارات بين الافراد ضمن اطار "الحوار بين الحضارات" الذي دعا اليه الرئيس خاتمي، بما في ذلك مزيد من الاتصالات بين اعضاء الكونغرس والبرلمان الايراني. كما يحتمل ان تُتخذ خطوة اخرى لتوسيع التجارة لتشمل السلع الاستهلاكية والخدمات غير الحساسة . وعندما ينتهي مفعول "قانون العقوبات ضد ايران وليبيا" الصيف المقبل، يتوقع ان يخضع مشروع القانون الذي يخلفه الى جدل حامٍ وان تكون النتيجة اكثر توازناً بكثير من قانون العام 1996 عندما لم تكن هناك جماعات تجارية مثل "يو. إس. أي. - إينغيج" USA - Engage، التي اُنشئت للتصدي لمبادرات فرض العقوبات الاحادية الجانب، وعندما كان اعضاء الكونغرس لا يشككون بموقف متشدد مناهض لايران كما يفعل كثيرون منهم في الوقت الحاضر. ومن شأن سياسة اميركية اكثر انفتاحاً تجاه ايران ان تلقى الدعم اذا قوبلت بموقف مماثل من جانب الزعماء الايرانيين. لكن حتى من دون ذلك، يلقى الرأي الداعي الى تحسين العلاقات مع ايران تأييداً متعاظماً في الاوساط ذات الصلة برسم السياسة. فايران، كدولة يبلغ عدد سكانها حوالى 65 مليون نسمة وتتمتع بموقع استراتيجي على امتداد الشاطئ الشرقي للخليج، بين الدول المستقلة حديثاً في اسيا الوسطى والمحيط الهندي، وعلى الجناح الغربي لافغانستان وشبه جنوب آسيا، ذات حجم وموقع جغرافي حيوي أكبر بكثير من أن يتم تجاهلها أو عزلها. فقد مضى على الثورة الايرانية ووجودها في السلطة اكثر من 20 سنة ولا تواجه خطر الاطاحة بها. وهي تتجاوب تدريجاً لضغوط داخلية تدعو الى التغيير. والكثير من القضايا الكبيرة التي ستواجهها الولاياتالمتحدة في العقد المقبل - الارهاب الدولي وتجارة المخدرات وانتشار الاسلحة النووية، اذا أشرنا الى بعض القضايا الاكثر الحاحاً - تقتضي ايلاء الاهتمام لتعاون فاعل بين الولاياتالمتحدةوايران. ان منطق إحياء التجارة العالمية في كلا الاتجاهين وتشجيع ايران على ان تكون جزءاً من الاقتصاد العالمي واقتصاد التكنولوجيا الجديد يصبح اكثر الحاحاً. والتاريخ يزخر بالامثلة على دور العلاقات التجارية السليمة في فتح الطريق لعلاقات سياسية مثمرة، وهي امثلة اثبت فيها اقطاب التجارة انهم سفراء مؤثرون. وفي الوقت الذي تتوجه فيه الولاياتالمتحدة الى التقارب مع ايران، يجب ان تولي اهتماماً للتشاور مع حكومات مجلس التعاون الخليجي على نحو افضل من التشاور الذي اجرته الاخيرة مع الولاياتالمتحدة عندما تحركت لتحسين علاقاتها مع طهران. فمن المهم ان تدرك الحكومات الخليجية اهداف مثل هذه المبادرة السياسية ومحدوديتها على السواء. وتكمن المصلحة العليا للولايات المتحدة في ضمان الامن والاستقرار لدول الخليج وتدفق النفط من دون إعاقة الى العالم الصناعي. ويمكن لعلاقة اقل عدوانية مع ايران ان تساعد على تحقيق هذا الهدف. ستبقى هناك خلافات بين ايرانوالولاياتالمتحدة، بعضها في منتهى الجدية، وبعضها تافه، والبعض الآخر نفسي اكثر مما هو جوهري. لكن الادراك يتزايد بأن هذه الخلافات يمكن ان تعالج على افضل نحو في اطار علاقات ديبلوماسية جديدة واحترام متبادل لتاريخ وثقافة كل من الطرفين ومساهماته في الحضارة الانسانية. وعبر تطبيق هذه المبادئ، يمكن للادارة الاميركية المقبلة ان تضمن اقامة علاقات سليمة مع ايران، بعد انقطاع دام عقدين، وحتى علاقات يسودها التعاون والمنفعة المتبادلة في المجالات التي تسمح فيها بذلك مصالحنا وقيمنا الوطنية. * مساعد سابق لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى، وهو حالياً شريك في مؤسسة "أفريدي، أنجيل آند بلليترو" المتخصصة بالقانون الدولي.