} لم تكد المساعي التي بذلت من أجل تجاوز السجال بين الموالين لرئيس الجمهورية اميل لحود، والقوى السياسية التي أيدت حق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في طرح انتقاداته للرئاسة، تنجح، فمرّت جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس في هدوء، حتى تصاعد سجال من نوع آخر. ومحور السجال الجديد اقتراح نائب رئيس الحكومة عصام فارس فصل المديرية العامة لرئاسة الحكومة عن الامانة العامة لمجلس الوزراء، الذي أدى الى ردود فعل من الكتلة النيابية لرئيس الحكومة رفيق الحريري وحلفائه من النواب، الذين ردوا على فارس أمس وفي اليومين اللذين سبقاه. وفي وقت تولى الرد على فارس بعض نواب منطقته عكار، ورد هو أمس على هذه الردود، ساد الوسط السياسي رأيان: الأول أن السجال الجديد أخذ بعداً أكثر مما يستحق، والثاني اعتبر انه "بديل رمزي من السجال أو التجاذب الأول الذي كان لا بد من أطفائه، لأنه لو استمر لأمكن ان يتسبب بأزمة سياسية داخل الحكم، خصوصاً ان طرفيه الرئيسيين موجودان على طاولة مجلس الوزراء، ولكل منهما حلفاؤه فيه... وبالتالي كان سيطرح خلافاً على الصلاحيات وغيرها من الأمور الحساسة. أكد مصدر وزاري ل"الحياة" ان تجاوز الأزمة موقتاً بين الرئيس اميل لحود والنائب وليد جنبلاط داخل مجلس الوزراء، بعدما كانت تسببت بتأجيل جلسته الأسبوع الماضي، وبعدما طرح الموالون للحود مسألة مشاركة الوزراء الموالين لجنبلاط في الحكومة، تم بفعل جهود سورية مكثفة أدت الى المخرج الذي اعتمد في الجلسة: ان يقول لحود الكلام الذي أعلنه، والذي يشير فيه الى جنبلاط من دون تسميته، عبر حديثه عن اثارة البعض "مواضيع جانبية"، من جهة، ثم قوله ان لا ضغينة له على أحد، ودعوته الى "التضامن الوزاري" من جهة أخرى. وكانت الاتصالات التي سبقت جلسة مجلس الوزراء، بناء على الجهود السورية تولاها المدير العام للأمن العام اللواء الركن جميل السيد من جانب فريق الحكم مع بعض الافرقاء المعنيين، والتي اطلع لحود عليها، وشارك الرئيس الحريري فيها، متوجاً جهوده بخلوته مع لحود قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء مدة ساعة، أخرت انعقادها، اضافة الى جهوده مع جنبلاط ووزرائه. لكن مصادر وزارية قالت ل"الحياة" أن حديث لحود عن التضامن الوزاري لا يعني فقط وزراء جنبلاط، بل يشمل أيضاً نائب رئيس الحكومة عصام فارس الذي ساءه توزيع مشروع قانون الموازنة على الاعلام قبل ان يتسلمه هو والوزراء، فاقترح الفصل بين المديرية العامة لرئاسة الحكومة والامانة العامة لمجلس الوزراء، اضافة الى وزير الصناعة جورج افرام الذي أخذ عليه بعض زملائه انه وقع اقتراح قانون تعديل قانون العفو العام، بما يسمح بخروج قائد "القوات اللبنانية" المحظورة الدكتور سمير جعجع من السجن، متجاوزاً مناقشة الأمر داخل الحكومة كونه وزيراً لا نائباً فقط. واذ يحلو لبعض الأوساط القول: اذا كان وزراء جنبلاط محسوبين حلفاء للحريري، وان فارس وافرام محسوبان حليفين للحود، فإن رئيسي الجمهورية والحكومة يصران على التأكيد ان لا خلاف بينهما. وفي كل الأحوال فإن السجال على اقتراح فارس سجل سيلاً من التصريحات أمس ضده، بعد تلك التي تناولت موقعه كنائب لرئيس الحكومة على انه غير دستوري. وقال رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان "من المصلحة دائماً ان تبحث مسألة الأمانة العامة لمجلس الوزراء وغيرها داخل مجلس الوزراء بدلاً من أن يكون بحثها في الاعلام، ومن لديه من الوزراء اقتراحات يجب ان يطرحها داخل المؤسسة". وشدد في موضوع الاعلام الرسمي بحسب ما نقل عنه رئيس المجلس الوطني للاعلام عبدالهادي محفوظ على "وجوب ايجاد حلّ جذري لتلفزيون لبنان، هذه المؤسسة الاعلامية الوطنية"، مشيراً الى أن "المجلس ينتظر ما سيرده من الحكومة في هذا الصدد". وأصدر فارس، الموجود في الخارج، بياناً استهجن فيه "الحملة الموجهة والموزعة الأدوار". وقال انه "لن ينزل الى المستوى الذي انحدرت اليه الاوركسترا المعروفة"، وتمنى "لو انتظر المعترضون مشروعه لفصل مديرية رئاسة الحكومة عن الامانة العامة لمجلس الوزراء وأسبابه الموجبة ليقارعوا الحجة بالحجة لا ان يطلقوا العنان لسمومهم..." واعتبر أن هذا من حقه وان مبادرته لا تستهدف أشخاصاً بل تصويب الاداء الحكومي، وان ردود الفعل كشفت نزوات طائفية. وقال: "إن اتفاق الطائف أناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء واستمرار المدير العام لرئاسة الحكومة كأمين عام لمجلس الوزراء يتنافى مع هدف التعديلات الدستورية". وأكد "ان موقع نائب رئيس مجلس الوزراء موجود في مرسوم تأليف الحكومة والقول إن الدستور لم ينص عليه هراء. فالدستور لم ينص على أي وزارة فلماذا يشارك نائب رئيس الحكومة في المناقشة والقرار والتصويت؟". وقال انه سيناقش الأمر داخل مجلس الوزراء. وصدرت في المقابل تصريحات من 11 نائباً وأحد الوزراء، تعليقاً على كلام فارس ورداً عليه. وقال وزير المهجرين مروان حمادة ان السلطة الاجرائية منوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً ومن غير الممكن الفصل بين القرار وتنفيذه ويلزمه رأس واحد وهيكلية ادارية واحدة تجمع بين المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء والأمانة العامة لضمان حسن الأداء، معتبراً اقتراح فارس "في خانة التفتيت الاداري وتعدد الرؤوس والمحسوبيات... وتمييع المشاريع". وقال الوزير السابق النائب باسم السبع "ان فارس يقع في شر أقواله منذ تسميته نائباً لرئيس مجلس الوزراء، وذهب الى مواقف مثيرة حركت في وجهه وكراً من الدبابير". ورأى "انه يتورط بمهمات سياسية ليست من بنات افكاره بل من أفكار الباحثين عن ثغرات صغيرة لابتداع مشكلات كبيرة". ودعا الوزير السابق النائب جان عبيد الدولة "الى اعتماد الحوار بين رؤوسها وأطرافها، لا الى اقامة المحاور". وقال إن اللبنانيين "ليسوا مقتنعين بزيادة الضرائب والصلاحيات والمناصب". ودعا الى مقاربة النظام الجديد لمجلس الوزراء داخل المؤسسات. ومن أبرز الردود النيابية على فارس قول النائب عن حزب البعث عاصم قانصوه أن "لا مشكلة في نشر الموازنة في وسائل الإعلام لإطلاق نقاش واسع حولها". وأكد ان "من غير الممكن الفصل بين الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الحكومة على الاطلاق". ونصح لفارس عدم طرح مسائل تحتاج الى توافق بين اللبنانيين. وقال النائب انطوان اندراوس: "كان من الأجدى لو تشاور فارس مع رئيسه في الحكومة". فيما أمل النائب ناصر قنديل لو طرح رأيه في مجلس الوزراء، ولو ان الوزير جورج أفرام طرح رؤيته عن تعديل قانون العفو فيه أيضاً. وصدرت تصريحات ضد اقتراح فارس من النواب هاغوب قصرجيان ومحمد حجار مقربان من الحريري وفريد الخازن كسروان ووجيه البعريني ومحمد يحيى وكريم الراسي وجمال اسماعيل عكار.