يسدل الستار اليوم على ثماني سنوات من السعي الى السلام في الشرق الاوسط، خلال ولايتين للرئيس بيل كلينتون، تنافست فيها الاختراقات مع الاخفاقات. ولم يترك كلينتون البيت الابيض قبل ان يقدم هدية اخيرة الى اسرائيل، هي زيادة للمساعدة العسكرية الاميركية "تعزيزاً لالتزام الولاياتالمتحدة حيال أمن اسرائيل". وكان الشرق الاوسط حاضراً جداً في وداع كلينتون للبيت الابيض، خصوصاً عبر رسالتين وجههما الى الفلسطينيين والاسرائيليين لحضّهم على مواصلة التفاوض، من دون ان يشير الى "مقترحاته". وإذ اتفق الفلسطينيون والاسرائيليون مبدئياً، اول من امس، على اقتراح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اجراء "مفاوضات ماراثونية" في طابا مصر، إلا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي المستقيل ايهود باراك بدا امس محرجاً ازاء هذا الاقتراح، فموافقته تعني خسارة أصوات في الوسط، ورفضه يعني خسارة أصوات اليسار، لذا أجل قراره الى مساء اليوم، فيما رفضت السلطة الفلسطينية اقتراحه تشكيل "سلطة خاصة" للقدس. راجع ص3 وتلقى باراك دعماً في حملته الانتخابية من كلينتون الذي تعهد عشية مغادرته البيت الأبيض بذل جهده لحصول اسرائيل على أحدث المقاتلات الاميركية "إف 22"، ووقع الطرفان الاسرائيلي والاميركي على اتفاق يقضي بزيادة المساعدات العسكرية الاميركية للدولة العبرية. في غضون ذلك أظهر استطلاع للرأي تقدم زعيم حزب ليكود ارييل شارون على باراك ب20 نقطة وبنقطة واحدة على شمعون بيريز، وبدأ شارون امس استعداداته لتسلم رئاسة الحكومة، فأقام طاقماً خاصاً لذلك. وكشفت صحيفة "معاريف" انه أرسل قبل اسبوعين أحد المقربين اليه من العرب ويدعى مجلي وهبة الى عدد من الدول العربية، ومنها دول لا تقيم علاقات مع اسرائيل، وحمله رسالة الى زعمائها يؤكد فيها انه يتطلع الى تحقيق السلام. ووهبة مرشح لحقيبة وزارية اذا نجح زعيم اليمين المتطرف في الانتخابات. المفاوضات وأعلن جوزف الفير المستشار الخاص لباراك خلال قمة كامب ديفيد في تموز يوليو "ان قبول باراك بالتفاوض قد يربحه نقاطاً في اليسار ولكن يجعله يخسر مقابلها في الوسط". وحتى لو وافق باراك على اقتراح عرفات فإن احتمال توصل المفاوضات في غضون عشرة أيام الى اتفاق اطار أو اعلان مبادئ، يعتبر ضئيلاً على رغم تصريحات وزير الخارجية شلومو بن عامي الذي اكد "اننا أقرب الى السلام اكثر من أي وقت مضى". ا ف ب ورأت مصادر صحافية اسرائيلية مطلعة ان المقترحات الجديدة لباراك المتوقع عرضها على الفلسطينيين في المفاوضات مطلع الاسبوع، تعني عملياً تراجعه عن مقترحاته السابقة في شأن قضية القدس. وقالت ان المقترحات الجديدة تتضمن سيادة اسرائيلية على جبل الهيكل الحرم القدسي الشريف وجبل الزيتون والحي اليهودي في البلدة القديمة، على ان تبقى البلدة القديمة موحدة تدار ب"نظام حكم خاص". وفي غزة أعلن رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد قريع أبو علاء رفضه اقتراح باراك واعتبره جزءاً من الدعاية الانتخابية، وقال انه لم يطرح في أي مرحلة من مراحل المفاوضات القائمة على أساس قرارات الشرعية الدولية. رسالتا كلينتون ووجه كلينتون عشية مغادرته البيت الأبيض رسالتي وداع منفصلتين الى الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني، ناشدهما فيهما مواصلة السعي من أجل السلام على رغم تعثر المفاوضات، واستمرار "المواجهات العنيفة" في الضفة الغربية وقطاع غزة. وركز كلينتون في رسالته الى الاسرائيليين على التزاماته وصداقته الدائمة للدولة اليهودية، مذكراً بأنه "ساعد على حماية وتعزيز أمن اسرائيل" خلال ولايتيه السلطة. وأشار في هذا السياق الى انه أوصى بالسماح لاسرائيل بشراء طائرات "اف - 22" وهي الأحدث في الترسانة الأميركية، حالما تطرح على البيع. بالمقابل أكد كلينتون للفلسطينيين حقهم في تقرير مستقبلهم على أرضهم، وقال انه يدرك مدى ما يتعرضون له يوميا من المهانة والآلام، ويتفهم تماماً "خيبة الأمل والاحباط وحتى الغضب" لديهم تجاه عملية السلام المتوقفة. لكنه دعاهم في الوقت نفسه الى نبذ فكرة الانتقام لأنها "لا تؤدي إلا الى سفك الدماء والموت". وردّ عرفات برسالة الى كلينتون يبلغه فيها اسفه لعدم تحقيق السلام في عهده، ويؤكد انه سيسعى في سبيل السلام خلال عهد خلفه جورج بوش. ووقع في واشنطن اتفاق يقضي بزيادة قيمة المساعدة العسكرية الاميركية للدولة اليهودية وتخفيض قيمة المساعدة الاقتصادية. وبموجب هذا الاتفاق الذي وقعه السفير الاسرائيلي لدى الولاياتالمتحدة ديفيد ايفري ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية المكلف شؤون الشرق الاوسط ادوارد ووكر، فان المساعدة الاقتصادية لاسرائيل ستنخفض تدريجاً الى حين الغائها تماماً في العام 2008، في حين ستزداد المساعدة العسكرية. واعلن مسؤول في وزارة الخارجية طلب عدم الكشف عن هويته ان "هذه المباحثات دامت اكثر من سنة ورغبنا في المحافظة على هذه المكاسب قبل انتهاء ولاية الادارة الحالية".