يدخل جورج بوش البيت الأبيض غداً حاملاً أثقال حملته الانتخابية، بما في ذلك الشك في أن الناخبين اعطوه الانتداب المطلوب للحكم، إلا أن أكبر مشاكله سيكون اما من صنع يده، أو من صنع المنصب. وهو يفترض أن يقود أقوى بلد في العالم، وأعظم ديمقراطية، إلا أنه بالنظر الى الجدل حول نتيجة التصويت في فلوريدا، وواقع تقدم آل غور عليه بنصف مليون صوت من الأصوات الشعبية، فهو يذكرنا بكلام مشهور للدكتاتور اناستازيو سوموزا الذي قال لخصمه في الانتخابات: انت فزت بالانتخابات، ولكن أنا فزت بعد الأصوات. ثوار ساندنيستا في نيكاراغوا أطاحوا سوموزا سنة 1979، وهو اغتيل في باراغواي في العام التالي. بوش سيبقى في البيت الأبيض أربع سنوات على الأقل، فلا خطر من ثورة عليه أو انقلاب، غير أنه سيواجه أخطار الديمقراطية، خصوصاً المحاسبة، فهو ككل مرشح فائز قبله وعد وعوداً انتخابية يبدو ان من الصعب تنفيذها، وانها إذا نفذت عناداً أو التزاماً عقائدياً فستكون نفقاتها السياسية أكبر من المردود المرجو لها. نحن العرب يهمنا أن نرى إذا كان سينفذ وعده الانتخابي، أو وعيده، بنقل السفارة الأميركية الى القدس. وشخصياً لا أتوقع منه أن يفعل ذلك، وقد يستطيع ان يؤجل هذا الوعد من دون اضرار تذكر. غير أنني اعتقد انه سيواجه أزمة هائلة ومتواصلة، مع الكونغرس وخارجه، إذا أصر على خفض الضرائب بمبلغ 1.3 ترليون دولار، هي الفائض المتوقع في الميزانية خلال السنوات العشر القادمة. من ناحية، الفائض قد لا يكون بهذا الحجم، ومن ناحية أخرى فهناك عشرات أسباب الانفاق التي سيصر أصحابها على انها أهم من خفض الضرائب، وهذه تتراوح بين زيادة الانفاق على التعليم والصحة، واصلاح وسط المدن الأميركية المتداعي الذي أصبح من أوكار الجريمة. ويزيد من تعقيد هذه النقطة بالذات ان الأميركيين خسروا ثلاثة ترليونات دولارات "على الورق" بانهيار سوق أسهم التكنولوجيا، وان أمام بوش نفسه درس أبيه الذي خاض الانتخابات وهو يقول: اقرأوا شفتي. لا ضرائب جديدة... ثم زاد الضرائب فجعل بيل كلينتون تراجع بوش الأب عن وعده حجر الزاوية في حملته الانتخابية ضده، وهزمه. واستطيع ان أزيد هنا وعد بوش خلال الانتخابات بتطوير نظام دفاع صاروخي محدود، إلا أن المجال يضيق عن التفاصيل، فأكتفي بتسجيل النقطة هذه من دون بحث، وأزيد عليها ما سيواجه من صعوبات مؤكدة مع الكونغرس، فمجلس الشيوخ مقسوم مناصفة بين الجمهوريين والديمقراطيين، في حين ان الجمهوريين يتمتعون بغالبية بسيطة جداً في مجلس النواب. وربما نجم عن هذا الوضع ان تقوم قسمة أخرى في المجلسين تتجاوز الحزبين، بين الليبراليين والمحافظين. وبما أن كل ما سبق هو عرض لما سيكون، فانني أكمل بما كان، أي بالحكومة التي اختارها جورج بوش، كمؤشر على المستقبل. حكومة بوش لا تضم أي يهود، وهو أمر يفترض ألا يكون موضع نقاش، لأن اليهود في أميركا أقل من اثنين في المئة من عدد السكان، ولكن يصبح الجدل مبرراً بالنظر الى حصتهم من الحكومات المتعاقبة، خصوصاً في ادارة كلينتون، عندما كان روبرت روبن وزيراً للخزانة، وتبعه لورنس سامرز، وروبرت رايخ وزيراً للعمل ودان غليكمان وزيراً للزراعة. وطبعاً كان هناك ساندي بيرغر مستشاراً للأمن القومي، وريتشارد هولبروك ودنيس روس وآرون ميلر ومارتن انديك في وزارة الخارجية، وهذا من دون أن أزيد مادلين اولبرايت نفسها التي اكتشفت انها من أصل يهودي خلال تثبيتها وزيرة أمام مجلس الشيوخ. جورج بوش اختار روبرت زوليك مفاوضاً تجارياً، وهو يهودي ويتبع يهوديين، ميكي كانتور وخليفته شارلين بارشفسكي. ولا أفهم سر تسليم اليهود الأميركيين هذا المنصب، فإمكان ان يتعاقب ثلاثة من أقلية دون اثنين في المئة من السكان على منصب واحد هو في مستوى الفوز بالجائزة الكبرى في اليانصيب. وأعرف عرباً كثيرين يقولون ان اليهود الأميركيين يستغلون هذا المنصب ليفرضوا على الدول التي تتفاوض معها الولاياتالمتحدة ان تتعامل مع اسرائيل وتراعي مصالحها. إلا أن هذا ليس صحيحاً، وهو من نوع نظريات المؤامرة التي لا تعكس سوى جهل صاحبها وهواجسه من دون أن تطرح نوراً على الموضوع. شخصياً أرفض نظرية المؤامرة، وبوش لم يستبعد أي مرشح بسبب لونه أو دينه، وهو اختار نساء وسوداً، ووزراء آخرين من أصول اميركية لاتينية هسبانك وآسيوية وعربية، لا بسبب هذه الأصول، بل ربما رغماً عنها، فقد وجد فريقه الانتقالي ان هؤلاء قادرون على أن يقوموا بالمهمة، كل في منصبه. ولا أزيد هنا سوى انني كنت أفضل لو أن دونالد رمسفيلد اختار ريتشارد ارمتدج نائباً له في وزارة الدفاع، فهذا مسؤول سابق معتدل يعرف منطقتنا جيداً، إلا أن الخيار وقع على بول ولفوفيتز، وهو صهيوني يؤيد اسرائيل، دعم ترشيحه نائب الرئيس ديك تشيني. وانتهى ارمتدج نائباً لصديقه كولن باول في وزارة الخارجية، وهو منصب رفيع ومهم. وأكمل غداً بالرئيس الجديد والشرق الأوسط.