تخرجت حديثاً في الجامعة أو المعهد، ووجدت نفسك فجأة مطالباً باقتحام الحياة العملية، وحانت الساعة التي كنت تحلم بها طوال سنوات دراستك، أن تعمل عملاً تحبه في مكان مناسب وبراتب مجزٍ. لكنك فوجئت أن الأمور ليست سهلة، ويهيأ لك أنك تقف عند مفترق آلاف الطرق التي لا تتضح معالمها، فماذا تفعل؟ قبل سنوات، كان هناك حلان لا ثالث لهما، الأول أن تداوم على قراءة زاوية الإعلانات المبوبة، وتحديداً "وظائف خالية"، وكلما وجدت وظيفة تبدو مناسبة، تبدأ رحلة تقديم الأوراق والخضوع لاختبارات لا أول لها ولا آخر. والحل الثاني هو أن تبلغ معارفك وأقاربك أنك تبحث عن عمل بمواصفات معينة، وإن كانت الخطوة التالية مطابقة للحل الأول أيضاً، وهي اختبارات وامتحانات وأوراق ومشاوير من دون وعود واضحة. ومع التطور المذهل في عالم الكمبيوتر انضم حل ثالث يوفر للباحثين عن وظيفة وكذلك للشركات وأرباب العمل وسيلة فاعلة للتعارف، متغلبين بذلك على قيود الزمان والمكان، بمعنى آخر هي خدمة تقدم حلول التوظيف الالكترونية. وكان من الصعب على الكثيرين من الباحثين عن عمل أن يقابلوا صاحب العمل المحتمل خلال النهار لارتباطهم بأعمالهم، الأنترنت تغلبت على تلك المشكلة، وغيرها، فهي سرية وسريعة، واقتصادية وتصل إلى الجميع على مستوى المنطقة. الفكرة شابة، وتخاطب الشباب، والقائمون عليها شباب، واصحابها شباب في شباب، اسمها "كارير ميد إيست دوت كوم" Career Mideast.com، اسسها ثلاثة من الشباب المصريين من أصحاب الريادة في مجال الأعمال مقدمين بذلك بديلاً فعالاً لطرق التوظيف التقليدية ومستغلين قوة الانترنت لتوفير تلك الخدمة على مستوى الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وعلى مدار الساعة، بعيداً عن قيود الزمان والمكان. الفرسان الثلاثة هم: طارق أمين بكالوريوس إعلام وتسويق 1998 وشريف بشاي بكالوريوس علوم كمبيوتر 1999، وشريف الغطريفي بكالوريوس اقتصاد 1998، وجميعهم من خريجي الجامعة الاميركية في القاهرة. بدأت الفكرة حين فتح الغطريفي مواقع غريبة عدة على شبكة الانترنت اختصاصها التوظيف، ووجد أنه يمكن العثور على عمل من خلال الانترنت، وبعد عشرة أيام، تحولت الفكرة إلى شركة. يقول أمين: "في البداية، احتفظ كل منا بعمله في الشركة أو البنك، وكنا نتقابل بعد مواعيد العمل لتجهيز الموقع التجريبي مع الاعتماد على الاصدقاء والمعارف للترويج له والدعوة إلى زيارته، وكنا ننفق رواتبنا على فكرتنا الوليدة". ويبدو أن تضامن خبرات الإعلام مع الكمبيوتر والاقتصاد أثبت نجاحاًَ خلال ثلاثة أشهر من العمل المضني في مخاطبة الباحثين عن وظائف من الخريجين الجدد المزودين بعامين أو ثلاثة من الخبرة العملية. في تلك الفترة، شكل خريجو وطلاب الجامعة الاميركية 80 في المئة من قاعدة البيانات في "كارير ميد إيست دوت كوم"، ثم اتسعت القاعدة لتحوي خريجي جامعات أخرى مثل عين شمس والقاهرة وحلوان وطنطا والمنصورة، إذ وصل عدد السير الذاتية c.v لدينا ألف سيرة بعد نحو أربعة أشهر. ويضيف أمين: "غالبية الخريجين الجدد تعاني صعوبة العثور على عمل مناسب، لعدم الدراية بالشركات الباحثة عن كوادر، وسبل التقدم إليها بدءاً من الطريقة الصحيحة لكتابة السيرة الذاتية، مروراً بقواعد الخضوع لاختبارات القبول وانتهاء بشروط قبول الوظيفة". وخدمة للباحثين عن عمل، جهزت "كارير ميد إيست دوت كوم" مجموعة من المقالات الخاصة بالسيرة الذاتية والملابس المناسبة لحضور الاختبارات، وطريقة الجلوس، ونوعية الاسئلة التي يوجهها لصاحب العمل أو الممتحن والأسئلة التي يجب تجنبها وغيرها من التصرفات والإجراءات التي تغيب عن ذهن كثيرين، لكنها تؤثر كثيراً في الانطباع الأولي الذي يتركه الباحث عن وظيفة في الاختبارات، وتحسن مستوى الأداء. ويتابع أمين: إن السيرة الذاتية يجب ألا تتضمن كل المعلومات الخاصة بصاحبها، لكن يجب الاحتفاظ بمعلومات يدلي بها الشخص في الوقت المناسب. ومن الخدمات المميزة في الشركة والتي تقدم على الانترنت ON LINE "خدمة التطوير المهني" والمسؤولة عنها هي إنجي عبدون، وهي مفوضة للعمل كاستشارية مهنية من الولاياتالمتحدة الاميركية، وبالضغط على المفتاح الخاص ب"اسأل إنجي" يمكن لزائر الموقع طرح أي سؤال خاص بالعثور على عمل. ومن الأسئلة الواردة من الشباب سؤال طرحه شخص يعمل في مجال معين منذ سبع سنوات، لكنه يرغب في تغيير مجال عمله، فهل يمكن ذلك؟ وهناك طلاب على وشك التخرج يسألون عن امكان عملهم في مجالات أخرى غير تلك التي تخصصوا فيها، ويسألون المشورة. ويأتي رد عبدون أحياناً في صورة طرح اسئلة على السائل للحصول على المزيد من المعلومات تساعدها في الإجابة، أو اقتراح بخضوع السائل لاختبار معين على الموقع نفسه يساعد في إلقاء مزيد من الضوء على شخصيته واستعداده للتغيير. وتتراوح المدة التي تستغرقها عبدون للرد بين دقائق عدة إلى ساعات لكنها تكون في اليوم نفسه. أما الخدمة الأساسية التي تقدمها الشركة بالطبع هي عرض السير الذاتية المناسبة على جهات العمل المختلفة من شركات ومؤسسات وبنوك، وانتقاء الأفضل منها طبقاً لمواصفات ومؤهلات المتقدم، والقيام بدور همزة الوصل الأولية بين الطرفين، والخدمة مجانية تماماً للباحثين عن عمل. ومن خلال الموقع، يتم تجهيز جدول مواعيد مقابلات الباحث عن وظيفة مع الجهات المختلفة. يقول أمين: "مفهوم الانترنت هو الاستعانة بالتكنولوجيا لتسهيل تفاصيل الحياة اليومية، وهكذا، فإن الباحث عن وظيفة يخضع للاختبار الأول من خلال الانترنت، ويشمل الاختبار اسئلة خاصة بالتكهنات النفسية من نوعية: "ما مدى تحملك للضغط العصبي؟ وما الملامح المحددة لشخصيتك؟ هل تفضل العمل في فريق أم منفرداً؟". ويتابع أمين شارحاً الإجراءات فيقول: "تصل الباحث عن وظيفة رسالة الكترونية فحواها لديك موعد اختبار لوظيفة جيدة، اضغط على هذا المفتاح، ومن ثم يرد الباحث على اسئلة اختبار "التكهن النفسي"، وترسل نتيجة الاختبار للمدير العام أو المسؤول عن الموارد البشرية في الشركة الباحثة عن موظف، وبناء على تقدير الشركة، يحدد موعد الاختبار التالي، أو تعاد رحلة البحث عن وظيفة في جهة أخرى". وتتراوح الفترة بين تقديم السيرة الذاتية والعثور على وظيفة بين دقائق معدودة وسنوات عدة. ويفسر أمين هذا التراوح الكبير بقوله: "قد يكون الباحث ذا مؤهلات ومواهب ممتازة، لكنه سلبي، فهو يرسل سيرته ولا يعاود البحث أو زيارة الموقع، ظناً منه أن مهمة الشركة أن تقدم له الوظيفة المطلوبة على طبق من فضة، والحقيقة أن مهمتنا هي تسهيل عثور الباحث على وظيفة بقدر الإمكان، لكن مطلوب منه البحث والتفاعل والمتابعة". لكن كيف تؤمن "كارير ميد إيست دوت كوم" علاقاتها مع الشركات؟ يقول أمين: "يحدث ذلك من خلال فريق المبيعات لدينا، ونشر الإعلانات، وغيرها من الطرق التقليدية". ويبلغ عدد الشركات الموجودة على الموقع حالياً نحو أربعة آلاف شركة، بعضها مرتبط مع "كارير ميد إيست دوت كوم" بتعاقدات. والمثير أن عدداً من تلك الشركات عربية وأميركية وغيرها، إلا أن أمين يشير إلى أن فرص العثور على عمل في الولاياتالمتحدة الاميركية مثلاً لا تتعدى واحداً في المئة. وللشركة 12 موقعاً للدول العربية تعمل تحت مظلة "كارير ميد إيست كوم"، هي: مصر، والبحرين والامارات والأردن والكويت والسعودية ولبنان والمغرب وعُمان وقطر وتونس واليمن. وتعطي تلك المواقع الفرصة للشباب للتحرك بين الدول العربية، ولتلبية احتياجات سوق العمل ورغبات الشباب. ويضيف: إن غالبية الباحثين عن عمل من خلال الموقع تراوح بين الخريجين الجدد إلى المتخرجين منذ 15 عاماً. والطريف أن أحد الزوار الباحثين عن عمل كان في ال 65 من العمر، إلا أنه لم يوفق بعد في العثور على وظيفة مناسبة. وأبرز مجالين للعمل على الموقع هما المحاسبة والكمبيوتر، وتليهما المجالات الأخرى، من هندسة وتسويق، أما الشركات المدرجة في الموقع فتشمل الشركات متعددة الجنسيات، والبترول، والمستشفيات بالاضافة الى شركات متوسطة وصغيرة الحجم. ومن واقع خبرة أمين في سوق العمل والتوظيف، يقول إن الخبرة هي العامل الرئيسي في أية سيرة ذاتية، وهي تفوق الشهادة الدراسية في الأهمية، "هناك فارق بين الجانب النظري الذي ندرسه في الجامعة والجانب العملي الذي نواجهه في سوق العمل، فدراستك في كلية الهندسة لا تعني بالضرورة أنك ستعمل مهندساً، لكن عليك أن تعمل لبعض الوقت في اجازة الصيف أثناء سنوات الدراسة، ولم يعد ذلك اختيارياً، لكنه شرط أساسي يؤهلك للعثور على عمل جيد بعد التخرج، وعلى طالب الجامعة كذلك أن يشارك في الأنشطة الطلابية، التي من شأنها توسيع المدارك والخبرات وزرع الديناميكية في النفس. تلك العوامل هي التي تجعل من السيرة الذاتية نقطة جذب للشركات، وليس التفوق في الدراسة وحده. ويضيف أمين أن الشاب الباحث عن وظيفة حين يقول لصاحب الشركة التي يرغب في العمل فيها إنه تخرج قبل أسبوع، لكنه عمل لمدة أربع سنوات في العطلات الصيفية، فإنه بمعنى آخر يقول إنه يجمع الميزتين أي التخرج الحديث والخبرة العملية. النجاح الكبير والسريع الذي حققته الشركة أدخلها شريكاً مع المجموعة المالية المصرية E.F.G Hermes، وهي من أبرز بنوك الاستثمار على المستوى الاقليمي، وهو ما عزز القدرات المالية للشركة. من جهة أخرى، وقعت قبل اسابيع شركة "كارير ميد إيست دوت كوم" اتفاق شراكة مع شركة "إيه إم إي إنفو دوت كوم" AMEINFO.COM يهدف إلى توفير خدمات مشتركة إضافية لعملاء الشركتين. ويتيح الاتفاق مجموعة متنوعة من الخدمات المتكاملة أمام عملاء الشركتين في مجالات التوظيف عبر الانترنت وتبادل المحتويات والمعلومات. وتتيح تلك الشراكة تقديم معلومات إضافية للباحثين عن عمل حول مناخ الأعمال في المنطقة من أجل مساعدتهم في التخطيط لمستقبلهم المهني والوظيفي. ويوفر التحالف لنحو 300 ألف شركة الفرصة للقيام بعمليات التوظيف وتعيين الكوادر البشرية مباشرة عبر الانترنت. ويجري حالياً تزويد موقع "كارير ميد إيست دوت كوم" بمركز أخبار "إيه إم إي إنفو دوت كوم"، ما يوفر لمستخدمي الموقع أحدث الاخبار عن قطاع الأعمال والشركات في الشرق الأوسط. "شركة كارير ميد إيست دوت كوم"، تعاملت مع الشركة 100،16 شركة، وتحوي مواقعها نحو 92 ألف سيرة ذاتية، ونحو 2800 فرصة عمل في الشرق الأوسط.