ما دام كل شيء يتعولم في زمننا، فلماذا لا تتعولم سرقة الآثار والأعمال الفنية؟ ذاك ان السرقة هذه لم تعد جريمة ترتكبها وتموّلها نخبة من الهواة المغامرين الذين يجمعون التحف ولا يعبأون بالاعتبارين الأخلاقي والقانوني. بل اصبحت صناعة تتعامل ببلايين الدولارات وترتبط بكارتيلات المخدرات وتجارة السلاح غير المشروعة. ويعتقد ان سرقة احدى لوحات سيزان من متحف أشموليان في اكسفورد، في الساعات الاولى من اول ايام السنة الجديدة، كانت آخر "نشاطات" هذه التجارة التي تقدر قيمتها الآن بثلاثة بلايين دولار سنوياً. فمجموعات الاعمال الفنية في بريطانيا غدت هدفاً لهجمات، وتقدّر القيمة الاجمالية للاعمال والتحف المسروقة في هذا البلد وحده بما يراوح بين 300 و 500 مليون جنيه استرليني 450-750 مليون دولار في السنة. ويُعتَقد ان اللوحات الزيتية هي اكثر ما يُسرق وفقاً لتعليمات الزبون، على أيدي عصابات تهريب المخدرات وتجار السلاح الذين يستخدمون الاعمال الفنية هذه لتبييض الاموال. وغالباً ما تتصف عمليات السطو على المتاحف والمعارض بالعنف الذي يتنامى في أتفه مجالات الحياة المعاصرة، فكيف في هذا العالم الذي يعجّ بالثروات الأسطورية؟ وهنا لا فضل لبلد متقدّم على آخر: ففي العام الماضي احتُجز موظفون في "غاليري الفنون" في مدينة يورك، في انكلترا، تحت التهديد بالسلاح، وكُممت افواههم وأُوثقوا من قبل لصوص قاموا بسرقة 20 لوحة تزيد قيمتها على مليون جنيه استرليني، من ضمنها لوحة بالالوان المائية لتيرنر. وفي 1994، أوثق لصوص حارساً ليلياً في "غاليري تشيرن" في فرانكفورت،، قبل ان يسرقوا لوحات تبلغ قيمتها 45 مليون دولار. وفي 1990، تمكنت عصابة من شد وثاق الحراس في "متحف غاردنر" في بوسطن، في الولاياتالمتحدة، قبل ان تصطحب سبع لوحات قيمتها 210 مليون دولار. وعُدّت العملية هذه واحدة من اكبر عمليات السطو. وتحتفظ شرطة الانتربول الدولية في ملفاتها بمعلومات عن حوالى 14 ألفاً من الاعمال الفنية الكبيرة التي تُعتبر في عداد المفقودة في ارجاء العالم كله. وفي حزيران يونيو الماضي، انجزت الانتربول قاعدة بيانات على قرص مدمج سي. دي تحتوي على 17 الف صورة فوتوغرافية واوصاف لمواد نفيسة مسروقة. والحال أن فترة خمس سنوات الى سبع تنقضي في العادة قبل ان تعاود الاعمال الفنية الظهور. مع هذا فإن أعمالاً عدة لم تُستعد حتى اللحظة، منها روائع لفنانين مثل رامبرانت وتيتيان وكليمت وماتيس وتيرنر وغيراردون واودري. وتمكنت الشرطة في 1994 من ان تسترجع رائعة "الصرخة"، التي ابدعها إدوارد مونخ في القرن التاسع عشر، بعدما تمكن لصوص من سرقتها خلال دقيقتين فقط في عملية سطو في وضح النهار. وكانت واحدة من اكثر السرقات إثارة تلك التي شهدها عام 1993 "متحف الفن الحديث" في ستوكهولم، عندما قلّد لصوص فيلم الخمسينات "ريفيفي" الذي يعرض عملية سطو وسرقة مجوهرات يتم فيها النفاذ من خلال سطح احد المباني. هكذا غدت مسلسلات السرقات موازية لمسلسلات التلفزيون، تتبادل التأثر بها والتأثير فيها. ومن القصص المعروفة سرقة ست لوحات لبيكاسو استُرجعت ثلاث منها بعد ذلك بشهر، وسرقة لوحتين لجورج براك تزيد قيمتهما الاجمالية على 60 مليون دولار. والحبل، رغم كل الاحتياطات على الجرّار.