"حاز كتاب الاحكام السلطانية للماوردي من الشهرة بين علماء المسلمين وفي المجالات السياسية الاسلامية خطاً لا يحتاج معه الى اي تعريف او تقديم. ومنذ ان تجدد الاهتمام بمسألة الخلافة اعتبر هذا الكتاب، بعامة، خير عرض معتمد للنظرية السنية السياسية". بهذه العبارات مهد المستشرق المشهور هاملتون لواحدة من اولى الدراسات الجادة التي تناولت فكر أبي الحسن الماوردي، من خلال كتابه "الاحكام السلطانية" الذي يعتبر واحداً من ابرز الكتب السياسية التي وضعت آخر القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي. ولئن كان الباحث اللبناني رضوان السيد يقول في تقديمه المسهب لكتاب آخر من كتب الماوردي وهو "قوانين الوزارة وسياسة الملك" ان "المعلومات التاريخية عن شخصية الماوردي وحياته التي قد تعين على فهم فكره السياسي قليلة ومقتضبة" فإن الباحث الفلسطيني الراحل حنا ميخائيل وضع دراسة مسهبة عن اعمال الماوردي وحياته بعنوان "السياسة والثورة" صدرت مطبوعة قبل سنوات بتقديم لادوار سعيد. وفي مختلف هذه المصادر ان الماوردي الذي ولد العام 364ه./974م، في البصرة وتوفي عام 540ه./1058م. في بغداد، التي "قضى فيها الشطر الاكبر من حياته حيث عاصر خليفتين اثنين هما القادر بالله والقائم بأمر الله" حسب ما يذكر السيد، انما وضع "الاحكام السلطانية" كما وضع معظم كتبه التالية وغايته المنافحة عن مركز الخليفة العباسي في وقت كثرت الاخطار من حول الخلافة وبدا واضحاً ان الوزراء انفسهم باتوا يشكلون خطراً على الخليفة ويتولون الحكم مكانه. انطلاقاً من ذلك الواقع اذاً، وفي ظرف تاريخي محدد، وضع الماوردي اهم كتبه، ولا سيما "عندما توفي القادر بالله، وخلفه القائم ودخل الماوردي البلاط في شكل اكثر صراحة، وظهرت جهوده واضحة حيث صار يمكن اعتباره موظفاً رسمياً لا متطوعاً". كتب الماوردي اعماله الكبيرة بتلك الصفة ولهذه الغاية، غير ان قراءتها اليوم ولا سيما قراءة "الاحكام السلطانية" تقنعنا امام عمل متكامل في الفكر السياسي يتجاوز ظرفه التاريخي، وهو امر يؤكده، على اية حال، الباحثون الثلاثة. ورضوان السيد، من جانبه يلخص اهداف الماوردي من كتابته على الشكل الآتي: الجماعة وضرورة الخلافة - استمرارية الخلافة والمحاولات الاصلاحية - اهداف الخلافة ومهماتها، حيث يعرِّف الماوردي الخلافة او الامامة بأنها "موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا". والماوردي يدخل بعد تلك التأكيدات في تفاصيل تقنية تتناول الخلافة والامارة ثم الخلافة والوزارة، فالخلافة والحسبة وحقوق الراعي على الرعية، وصولاً الى البحث في "فساد الخليفة"، حيث ان الماوردي كان في هذا الإطار، وعلى رغم رسمية وظيفته صريحاً في الحديث عما يترتب على فساد الخليفة وبالتالي فساد عقد خلافته. وفي رأي رضوان السيد ان الماوردي يورد اسباباً اخلاقية عامية للفساد منها العدالة بشروطها الجامعة، وحرية الخليفة في التصرف وما الى ذلك. وفي هذا الاطار يؤكد هاملتون جب ان الماوردي، في "الاحكام السلطانية"، و"على خلاف بعض الفقهاء المعتمدين الاثبات، لا ينكر صراحة حق الرعية في رفض طاعة الامام الجائر" نعم، يقول جب، ان الماوردي يورد في الفقرة نفسها انه "فرض علينا طاعة اولي الامر فينا" الا ان "الصيغة غير الجازمة في عبارته وتعمده اختيار حديث مروي عن ابي هريرة، دون غيره، يقفان موقف المفارقة من قول صريح للاشعري يذهب فيه الى انه يرى خطأ من يعتقدون لأنفسهم الحق في الخروج على الائمة اذا ظهر فيهم مجافاة للحق". ويرى جب، ورضوان السيد معاً، ويجاريهما فيخائيل في ذلك ان "الاحكام السلطانية" يعتبر استعراضاً لنظرية متكاملة في الخلافة، وعناوين ذلك كما يأتي: الامامة واجبة بالشرع دون الفعل - تنعقد الامامة باختيار اهل العقد والحل - من الشروط المعتبرة في اهل الامامة النسب اي ان يكون من قريش - التكافؤ في شروط الامامة بين اثنين ثم تمييز احدهما على الآخر ببعض الصفات الاخرى امر مبني على استنباط فهمي - طلب الإمام لا يحرم صاحب الرعية من ان يختار إماماً - للإمام ان يحدد اهل العقد والحل - يحق للإمام ان يعهد الى اثنين او اكثر وان يرتب الخلافة فيهم على التوالي - لا يلزم الامة كافة ان يعرفوا الخليفة بعينه واسمه - هناك واجبات عشرة تلزم الإمام يفِّصلها الماوردي - كل هذا قبل ان يصل فقرات مهمة تتحدث عن الظروف والاحداث التي تؤدي الى فقدان الإمام إمامته. ترك الماوردي في الفكر السياسي خمسة أعمال هي: "الاحكام السلطانية" و"تسهيل النظر وتعجيل الظفر" و"نصيحة الملوك" و"قوانين الوزارة وسياسة الملك" و"أدب الدنيا والدين". وهو لئن كان عجز عن انقاذ الخلافة التي كان يريد انقاذها في اعماله، فإنه اكد في تلك الاعمال، بحسب رضوان السيد ان "الخلافة ضرورية في كل زمان ومكان".