} لا تحتاج في الصومال الى تراخيص لاصدار اي نوع من المطبوعات، سياسية كانت ام ثقافية ام اقتصادية، يومية او اسبوعية او فصلية. الامر نفسه ينطبق على الاذاعات وشبكات التلفزيون و"الانترنت" وشركات الهاتف الخليوي والبريد العادي والالكتروني. وتسير كل هذه الخدمات بشفافية لا مثيل لها في العالم، وتنافس بأسعارها وبحرية انسياب المعلومات التي تبثها، كل الخدمات المماثلة في دول الجوار، بل حتى في كل القارة الافريقية. فالمؤسسات التي تُسير هذه الخدمات تعمل في اجواء حرة بكل معنى الكلمة، فهي لا تخضع لرقابة حكومية ولا تدفع اي نوع من الضرائب. وتشتري معداتها المتطورة من الخارج معفاة من الضرائب لدى خروجها من بلد المنشأ وكذلك لدى دخولها الى الصومال. بعد 22 عاماً من الرقابة الحكومية على الاعلام خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد سياد بري، ظهرت صحافة حرة للمرة الاولى في الصومال العام 1991 بعد سقوط نظامه. وكانت "شيبللي برس" اول صحيفة يومية مستقلة تظهر في البلاد بطباعة تقليدية متواضعة، وتتضمن الكثير من المقالات التي تُعلق على انتهاكات حقوق الانسان في فترة حكم سياد بري، ثم واصلت الاسلوب نفسه لتنتقد زعماء الميليشيات خلال الحرب. ثم صدرت مطبوعات اخرى مستقلة كان ابرزها "كاران" الامة التي اتبعت الاسلوب نفسه . ويوجد حالياً اربع صحف سياسية يومية هي، "اياما" اليوم، و"اكسوغوغال" العارف، و"يووبسان" حديث الشارع و "مقديشو تايمز". ومن بين الدوريات الاسبوعية "باريجا افريكا" شرق افريقيا، و"جيسكا افريكا" القرن الافريقي التي يتم تحريرها في مقديشو وتُطبع في نيروبي. ومن بين ابرز الفصليات الدورية "الشريعة" التي تصدرها المحاكم الاسلامية، و"التوفيق" المستقلة، اضافة الى عدد كبير من الدوريات الرياضية والنسائية. وخلال "عملية الاممالمتحدة الثانية في الصومال" يونوصوم - 2 بين نهاية 1992 وحتى آذار مارس 1995، اطلقت بعثة الاممالمتحدة إذاعة خاصة بها، وأخرى توجه بثها للصوماليين بلغتهم. كما اصدرت ثلاث نشرات دورية هي "راجو" الأمل بالصومالية، و"مانتا" اليوم و"يونوصوم -2 ويكلي ريفيو" بالانكليزية. خلال الفترة ذاتها، اطلق زعماء الفصائل الصومالية المتنافسة إذاعات خاصة بهم، كان ابرزها تلك الناطقة باسم "المؤتمر الصومالي الموحد-التحالف الوطني" الذي كان يقوده الجنرال الراحل محمد فارح عيديد، ويتزعمه حالياً نجله حسين، وتبث من جنوب مقديشو. وفي مقابل هذه الاذاعة اطلق رجل الاعمال زعيم "التحالف لانقاذ الصومال" علي مهدي محمد إذاعته التي كانت تبث من الشطر الشمالي من العاصمة. مشكلة الكهرباء وبعد خروج قوات الاممالمتحدة من الصومال عام 1995، كان انتشار ظاهرة الفضائيات في ذروته، وبدأ عدد من رجال الاعمال والصحافيين الصوماليين درس امكان ادخال البث الفضائي الى مقديشو. وكانت العقبة الرئيسية تزويد المدينة اولاً طاقة كهربائية كافية لتشغيل اجهزة التلفزيون في منازل المدينة. مركز "علمان لحقوق الانسان" الذي يرأسه محمد محمود وجد حلاً لمشكلة الكهرباء باستيراد مولد ضخم بطاقة 350 كيلواط لانارة شارع الحرية ومنازله كل مساء. ولدى "مركز علمان" 600 مشترك من اصحاب منازل شارع الحرية يدفع كل منهم بحسب كمية الكهرباء التي يرغب باستهلاكها، في حين تتم إنارة الشارع وتزويد المساجد بالكهرباء مجاناً. ويوجد مثل "مركز علمان" اكثر من 13 شركة خاصة لتوزيع الكهرباء عبر اشتراكات تغطي معظم احياء مقديشو. وبعد حل مشكلة الكهرباء، نفض الصوماليون الغبار عن اجهزة التلفزيون في منازلهم مطلع 1999 للمرة الاولى منذ بداية الحرب الاهلية في بلدهم عام 1991، وبدأوا يستقبلون بثاً لست اقنية بلغتهم وبلغات عربية واجنبية تنقلها "شبكة القرن الافريقي" اتش.ايه.ان التابعة لشركة "اتصالات القرن الافريقي" هورن افريك ميديا ويديرها علي إمام شرماكي. وبعد حوالي سنة، في 14 اذار مارس 2000 اطلقت "شبكة التلفزيون الصومالي" اس.تي.ان البث عبر 22 قناة، وتديرها مجموعة من رجال الاعمال الصوماليين المتمولين الذين يقيم بعضهم في الصومال وبعضهم الآخر في الخارج، ومديرها الاداري عبدالرحمن روبله. وبذلك اتاحت الشبكتان امام الصوماليين مشاهدة برامج تبث من 28 قناة من دون اي اشراف او مراقبة حكومية. وتبث الشبكتان برامجهما عبر مرسل هوائي خاص متصل بجهاز ترميز رقمي، ويؤمن برامج مختلفة بعضها منتج محلياً والبقية ملتقطة من دول الجوار والمنطقة العربية الى جانب تلك التي تبثها قنوات دولية مثل "سي.ان.ان." و "بي.بي.سي" و"سكاي". ويرفض المشرفون على كلا الشبكتين التحدث عن التفاصيل المالية لعملية البث، خصوصاً إذا كانوا يدفعون للشبكات الاقليمية والدولية مقابل إعادة بث برامجها. ويقع مبنى شبكة "اتش.تي.ان" الذي شيد حديثاً، على احد اطراف الشطر الجنوبي من مقديشو، وهو مجهز أحدث معدات البث وتقنيات الاستقبال والارسال. وعندما يصل الزائر الى مدخله يشعر كأنه مغادر مقديشو الى عالم آخر لا علاقة له بالمدينة الخارجة من حرب طويلة ... او تكاد. وداخل المبنى غرف كثيرة من بينها "استديو" ضخم للانتاج التلفزيوني، واخر للانتاج الاذاعي، ومكتبة افلام كبيرة. ويقول مدير المحطة شرماكي ل "الحياة": "الشركة مساهمة يملكها ثلاثة رجال اعمال. وقررنا بعد دراسة طويلة البدء في تنفيذ المشروع في آب اغسطس من العام الماضي بعدما لاحظنا الحاجة الملحة لدى السكان الى تلفزيون يبث بالصومالية للمساهمة في ابقاء مجتمعنا على اطلاع عما يجري حوله في العالم غير عالم الحرب الذي يعيشه. بدأنا باطلاق أول إذاعة خاصة تبث على موجة اف.ام. ثم اطلقنا البث التلفزيوني مطلع 1999. كما أسسنا معهداً للابحاث والدراسات الصومالية لسد فراغ عشرة اعوام من عمر الصومال غابت فيها المعلومات والاحصاءات عن بلدنا، خصوصاً ان أي مشروع تنموي اجتماعي او اقتصادي يتطلب احصاءات أساسية عن البلد الذي تغير جذرياً خلال الحرب. والمؤسسة الرابعة التي أسسناها حديثاً في 15 كانون الاول ديسمبر الماضي، هي وضع كل انتاجنا الاعلامي على خط مفتوح مرئي ومسموع في الانترنت باسم هورن افريك اون لاين". وتابع شرماكي: "هدفنا الرئيسي من البث التلفزيوني والاذاعي، التوجه الى الشريحة العامة من السكان الذين لا يتقنون اللغات الاجنبية. ونحن نوفر برامج تتحدث عن الثقافة الصومالية والتراث والتقاليد والدين في البلاد وعما يحتاجه الصوماليون عموماً". ولدى الشركة حالياً 1500 مشترك، يدفع كل منهم 150 دولاراً في مقابل تركيب جهاز التقاط في منزله. ثم يدفع عشرة دولارات شهرياً لالتقاط البث. وتغطي هذه الشبكة حالياً مقديشو فقط حيث يبلغ عدد السكان مليون ونصف مليون شخص. لكنها تخطط للتوسع والبث الى خارج العاصمة. ويقول شرماكي، والاسم يعني الشخص الذي لا يرى الشر: "ان رسالة المحطة السياسية هي الدعوة الى المصالحة وانهاء الحرب، والتوعية الاجتماعية. كما نعطي للناس فرصة لعرض آرائهم والتحاور في شؤونهم اليومية ومستقبلهم". وعما إذا تعرضوا لضغوط من الميليشيات، يقول: "امراء الحرب هاجمونا عندما عرضنا برنامج نسأل فيه: لماذا لا يحق لسكان مقديشو العيش بسلام وان تكون لديهم ارادة في تقرير مصيرهم؟. فانزعجوا زعماء الميليشيات واتصلوا بنا طالبين وقف بث البرنامج. لكنهم بعد فترة ايقنوا ان الناس تريد فعلاً السلام. والحكومة الجديدة ايضاً تتصل بنا عندما نبث بعض الاخبار، لكنها تتمنى علينا من دون ان تفرض رأيها في برامج معينة". اما مبنى "شبكة التلفزيون الصومالي" اس.تي.ان فيقع في سوقٍ وسط المدينة، يضم ايضاً شركات "انترنت" وهاتف خليوي واتصال دولية. مديرها الاداري عبدالرحمن روبله قال ل "الحياة" ان قنواته ال22 تعرض امام المشاهدين الصوماليين برامج اكثر مما تعرضه القنوات الست التابعة ل"شبكة القرن الافريقي" وبأسعار زهيدة. ويعرض حالياً 25 برنامجاً من بينها برنامج صومالي، و14 بالعربية، وثلاثة هندية، وبرنامج فرنسي وبرنامجان ايطالي والماني، الى جانب "سي. ان.ان" و "بي.بي.سي" و"سكاي" و"ديسكفوري". وتطلب "اس.تي.ان" في مقابل خدمة البث 80 دولاراً لتركيب الجهاز اللاقط الذي يستقبل البث وخمسة دولارات اشتراكاً شهرياً. ولدى الشبكة إذاعة "اس.تي.ان. راديو" تبث 18 ساعة بالصومالية وتغطي 60 في المئة من الاراضي الصومالية بما في ذلك العاصمة. الى جانب البث التلفزيوني، تتنافس ست شركات خاصة على نشر نظام الهاتف الخليوي في شكل يثير حسد الشركات المماثلة في الدول المجاورة التي تخضع لقوانين صارمة وضرائب عالية على مداخيلها من السلطات الحكومية في تلك الدول. وابرز هذه الشركات "ايرولايت استل" و"بركات" و"اتصالات الوطن" التي تعرض اسعاراً زهيدة في مقابل الاتصالات الهاتفية الدولية بما يعادل اقل خمس مرات من اسعار الاتصالات في كينيا المجاورة. ويوجد في الصومال ايضاً عدد كبير من محطات البث الاذاعي تستخدم نظامي "في.اتش اف" و"يو.اتش.اف" المتطورين ولديها طاقة بث تشمل كل الصومال وتصل الى كل الدول المحيطة به.