قبل نحو عشر سنوات كتب الدكتور مصطفى محمود أن عدداً من شبابنا يفتقد الهوية، ويعيش في عزلة عن ذاته ومجتمعه، لأنه فقد الثقة في كل شيء، ولم يعد يرى من حوله سوى سراب الأحلام الوردية التي ظل يرسمها لنفسه طوال سنواته الماضية، لكنها سرعان ما تحطمت أمامه بمجرد الانخراط في الحياة، لذلك فمن حق هؤلاء الشباب أن يبحثوا عمن يقف الى جانبهم ليرشدهم ويخرجهم من عزلتهم لكن هل استطاعوا بالفعل أن يجدوا من يفعل ذلك؟ وحالياً تغيرت الصورة في العالم كله بعد الثورة المعلوماتية لكن ظلت مشكلات شبابنا على حالها، بل تفاقمت الى درجة خطيرة. "الحياة" التقت عدداً من الشباب في محاولة للتسلل الى عقولهم لمعرفة رؤيتهم عن المستقبل. أمل فكري محمود 21 سنة خريجة كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية تقول: "إن المشكلة الكبرى تتلخص في عدم وجود فرص عمل مناسبة للخريجين الجدد، وتضيف: فرصة العمل الجيدة تحتاج الى معرفة لغتين أو ثلاث على الأقل، وهذا ما لم ينجح فيه نظام التعليم في مصر. كما أن إمكان تحسين مستوى اللغة تحتاج إلى نفقات باهظة". أمل تخرجت هذا العام، وتجد صعوبة في الحصول على فرصة عمل، وتقول إنها أمام خيارين، إما التدريس أو كعاملة هاتف في أحد الفنادق. أما محمد عادل عبدالله خريج كلية الألسن قسم اللغة العبرية وعمره 23 عاماً، فيرى أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها ابناء جيله هي عدم وجود هدف محدد أمامهم.وعلى رغم دراسة عبدالله في كلية الألسن، إلا أنه يعمل عازف غيتار في فرقة موسيقية مستنداً الى هوايته القديمة، وعلى رغم الراتب العالي الذي يتقاضاه فهو يعاني مشكلات في العمل وافتقاده الى الاستقرار، لكنه يشير الى أن العمل في فرقة موسيقية يتيح فرصة تكوين علاقات اجتماعية متعددة، لا سيما مع الفتيات. ولكنه يؤكد أنه بصدد تغيير مهنته بحثاً عن الاستقرار. أما سامح محمد سند 22 سنة وهو طالب في كلية الإعلام فيقول: "إن المشكلة تكمن في انعدام الصلة بين الدراسة والحياة العملية، وهو أيضاً ينتقد سيطرة نظام الوساطة على سوق العمل، وسيطرة القيادات العجوزة التي تمنع الشباب من اقتناص الفرص". وتقول مروة عبدالوهاب 20 سنة وهي تدرس الصحافة أن معاناة الشباب من الفراغ والمشكلات التي تنتج عنه هي حجر العثرة أمامهم، لا سيما الفراغ لدى الفتيات "فنحن نعيش في مجتمع شرقي يضع الكثير من العقبات أمام حرية الفتاة". والمشكلتان الرئيسيتان اللتان تعاني منهما هما: صعوبة العثور على فرصة عمل بعد تخرجها، والاختيار الأمثل لشريك الحياة. عادل الملاح 22 سنة يؤكد أن البطالة هي سبب كل مشكلات الشباب من الإدمان والهجرة والزواج من اجنبيات، ويتساءل: "من الظلم أن يواجه الشباب هذا الكم الهائل من الصعوبات في العثور على عمل مناسب" ويستطرد قائلاً: "معظم الشباب يجد الطريق مغلقاً أمامه سواء للعمل في تخصصه أو غير تخصصه". رانيا حسن 20 سنة تتساءل: "كيف يثقف الشباب نفسه في ظل ارتفاع كلفة الكومبيوتر، وهو الوسيلة المثلى للتثقيف؟". وتقول: "الجرائد ليست وسيلة للتثقيف، لأن مضمونها غالباً يكون عكس الواقع الذي نعيش فيه". أما مشكلة حسن الشخصية فهي العثور على شريك الحياة المناسب، والعمل المستقر. وتعلق الباحثة في المركز القومي للبحوث التربوية فاتن عدلي على موضوع انعدام فرص العمل للخريجين وتربطها بآليات السوق وتغيير المعايير، فتقول: "إن النظرة الى ما بعد التخرج أصبحت نظرة مادية وليست معنوية، وهذا يتضح في تخلف كليات الصدارة وتقهقرها، على سبيل المثال: كلية الطب في مقابل الصيدلة، والهندسة في مقابل سياحة وفنادق، بالاضافة الى أن عدداً من الكليات اصبحت تتسم بالطبقية، مثل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي اصبحت من دون جدوى في حال غياب الوساطة". وتضيف "إن ظاهرة الجامعات الخاصة جعلت الشباب يعتقد أنها وسيلة لضمان وظيفة بعد التخرج ولكنهم حائرون في شأن شرعية الاعتراف بها من قبل الدولة". وتشير الى التربية الجنسية للشباب فتقول إنها ترتبط بالعولمة والانفتاح المعلوماتي على القنوات الفضائية أو من خلال الانترنت، لا سيما المواقع الجنسية وينتج عن ذلك تشتت فكري ونفسي بين تقويم الغرائز الفطرية التي وهبها الله للشباب وبين الواقع، وهو ما ينعكس في ظاهرة الزواج العرفي. وتقول الدكتورة فاتن عدلي: "إن الحد من مشاركة الشباب في السياسة في داخل الاتحادات الطلابية والقيود التي تحكم هذه المسألة تؤدي الى غياب أي منفذ حقيقي ليعبر الشباب من خلالها عن رؤاهم السياسية". وتقول: "وسط كل هذا يصبح الشباب عرضة للاكتئاب لا سيما الشباب المثقف الذي يتابع الأحداث والمنفتح على العالم الخارجي". وهي تؤكد أن هناك حالاً من التردي في المجتمع ككل، فكلمة "الاكتئاب" اصبحت ترد على لسان الاطفال وليس الشباب فقط، إذاً فنحن أمام ظاهرة اجتماعية.