ان يعلن المغرب اهتمامه بتجربة بلدان الساحل والصحراء فذاك يتعلق بتحول لا يطاول محور العلاقات المغربية - الليبية فقط، بل يتجاوز ذلك الى ابراز الجانب الافريقي في سياسة الرباط. وليس التأكيد الذي تضمنته برقية تهنئة ارسلها العاهل المغربي الملك محمد السادس الى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي حيال اعتبار الوحدة في نطاق المغرب العربي، وكذلك اتحاد تجمع بلدان الساحل والصحراء خياراً استراتيجياً، سوى الترجمة العملية لهذا التوجه، اذ يبدو جلياً ان المغرب وحده بين دول الاتحاد المغاربي مهتم بهذه التجربة، علماً ان جماهيرية القذافي التي دعمت توجهها الافريقي على حساب الانتساب العربي، فعلت ذلك في سياق ردود فعل ازاء ما كانت تصفه ب"غياب" الدعم العربي لها في الأزمة مع البلدان الغربية بسبب قضية لوكربي. والأرجح ان المغرب يلتقي واياها على الهدف ذاته، ولكن من منطلق مغاير اقربه الانزعاج من استمرار اعتراف منظمة الوحدة الافريقية ب"الجمهورية الصحراوية". فثمة اعتقاد بأن الاتحاد الافريقي الذي تتبناه الجماهيرية الليبية يمكن ان يصبح فضاء سياسياً جديداً لبلورة الطموحات الافريقية، على الأقل لأن توسيع تجمع بلدان الساحل والصحراء يفرض نفسه تكتلاً جديداً يضم دولاً أقرب الى منطقة الصحراء ويستثني "الجمهورية الصحراوية" من الانضمام اليه. والتوجه الليبي الجديد يعاكس، وان بصورة غير مباشرة، طموحات الجزائر في علاقاتها بالدول الافريقية، وقد يكون مصدر اهتمام المغرب بتجربة بلدان الساحل انه يدخل على خط المنافسة الليبية - الجزائرية في القارة، لا سيما في ضوء انضمام السنغال الذي يتحكم بالامتداد الطبيعي لبلدان شمال افريقيا نحو القارة السمراء. وكان ابدى المزيد من الحماسة لمعاودة انضمام المغرب الى المنظمة الافريقية منذ مجيء الرئيس عبدو اللاي وادي، ويتوازى مسعى الرباط في هذا المجال امام مبادرة الوساطة لحل الخلاف بين السنغال وموريتانيا. يتعلق الموضوع اذاً باهتمام مغربي - ليبي مشترك بالأوضاع في القارة الافريقية، وما كانت الرباط تعول عليه لجهة تحقيق انفراج في العلاقة مع الجزائر لإذابة خلافات الصحراء واشكالات الحدود المغلقة الى الآن، تحول الى انفتاح مغربي - ليبي اكثر تأثيراً. لكن أهداف الرباط وليبيا في القارة الافريقية اذا كانت تلتقي عند ادراك أهمية الوحدة، فانها تختلف في طبيعتها، وبالمقدار الذي تريد جماهيرية القذافي الافادة من هذه التطورات في مواجهة السياسة الاميركية، بمقدار ما لا تستطيع الرباط ان تساير هذه الميول الا في نطاق ضبط الايقاع الافريقي على ساعة الصحراء... فالشعور بالغبن وعدم الانصاف يدفع الى تجريب وصفات عدة، وليس الانضمام الى تجمع بلدان الساحل الا واحداً من سيناريوات عدة.