عاد موضوع الدرهم المغربي إلى الواجهة بعد تزايد المطالبة أخيراً بخفض سعر صرفه لتمكين شركات التصدير من المحافظة على قدرتها التنافسية في أسواق الاتحاد الأوروبي. وأكدت جمعية صناعة النسيج والملابس ضرورة إعادة قيمة الدعم إلى وضعها السابق الذي كان سائداً قبل ثلاثة أعوام، وخفض حصة الدولار الأميركي في سلة العملات الدولية التي يتحدد بها سعر صرف العملة المغربية. وقالت الجمعية إنها خسرت 38 في المئة من قيمة صادراتها بسبب تقلبات أسعار الصرف، وان الخسائر بلغت 15 في المئة من حصتها في السوق الفرنسية. واعتبرت أن سعر العملة بات حاسماً في احتساب المنافسة مع الشركات الآسيوية، خصوصاً الصينية. وكانت جمعية مصدري الفواكه والخضروات دعت في وقت سابق أيضاً إلى خفض قيمة الدرهم وحذرت من احتمال خفض عدد العمال واغلاق بعض الوحدات العاملة في هذا المجال أو انتقالها إلى دول أخرى منافسة مثل تونس في حال عدم الاستجابة لمطالبها. وانضمت جمعيات رجال الأعمال الكونفيديرالية العامة للمقاولات المغربية إلى المطالبين بخفض قيمة العملة. وقالت في نشرتها الأسبوعية إن قطاع الصادرات بات مهدداً بفعل سعر الصرف الذي زاد قيمة الدرهم 20 في المئة في سنة واحدة مقابل الفرنك الفرنسي، الذي يعتبر العملة المرجعية لغالبية شركات التصدير المحلية. وذكرت الجمعيات أنها تخسر 700 مليون دولار سنوياً من جراء تراجع صرف اليورو وارتفاع الدرهم والدولار. وجاء رد وزارة المال والاقتصاد سريعاً، حيث جددت أول من أمس رفضها القاطع المس بقيمة العملة المحلية، خوفاً من المضاعفات المحتملة على الأسعار والتضخم والمديونية. وقال مصدر في الوزارة ل"الحياة" إنه "يجب التفكير في العواقب قبل طرح مثل هذه الحلول السهلة التي قد تلكف الاقتصاد سنوات من جهود الاصلاح الكلي". وأضاف: "ان فوائد اقتراح خفض العملة لن تكون كبيرة على الصادرات التي يواجه بعضها مشاكل على مستوى فائض القيمة الضعيف، وما قد نكسبه من بعض الصادرات قد نخسره مرتين في الواردات". وتستند مخاوف وزارة المال والمصرف المركزي من خفض العملة إلى ثلاثة مستويات: 1- احتمال ارتفاع فاتورة الواردات في الوقت الذي تشهد أسعار الطاقة ارتفاعاً مستمراً قد يجعل كلفة الطاقة تقارب بليوني دولار سنة 2001. 2- ارتفاع قيمة واردات القمح والتجهيزات التكنولوجية التي يحتاجها الاقتصاد لتوسيع قاعدته الانتاجية وتحسين شروط المنافسة الدولية. 3- احتمال انخفاض القدرة الشرائية للفئات الضعيفة وزيادة قاعدة الفقر، بالإضافة إلى احتمال ارتفاع أسعار الفائدة مجدداً مع عودة التضخم وتدني الأسعار الحقيقية للأجور. أمام هذه المخاوف التي تشمل أيضاً موضوع المديونية، ترفض الحكومة الاشتراكية المس بالعملة، وتعتبرها قضية لها أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية متداخلة، يصعب تحمل تبعاتها قبل سنتين من الانتخابات العامة. وتساءل محللون: "من يضمن أن سعر صرف اليورو لن ينخفض مجدداً غداً ونحتاج آنذاك إلى مراجعة جديدة، فندخل هكذا في دوامة نقدية حيث إذا اصيب اليورو بالبرد شعر الدرهم بالحمى؟". ونصحت وزارة المال والمصرف المركزي جمعية المصدرين بالبحث عن أسواق إضافية تعويضية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وروسيا واليابان وأماكن أخرى، وتطوير بعض المنتجات ذات فائض القيمة المرتفع واستخدام التكنولوجيا في تنمية التجارة الالكترونية. لكن الجمعيات ردت انها اعتادت على أسواق "كلاسيكية" قريبة ومضمونة فيها توازن بين المصالح الثقافية اللغة الفرنسية والمنافع الاقتصادية، ولا تحتاج إلى جهد تعريفي أو انفاق على الدعاية. ولعل هذه النقطة هي جوهر الخلاف الأساسي في موضوع اليورو والدولار، وهو الخلاف نفسه غير المعلن بين الأجيال القديمة والجديدة من رجال الأعمال، وهو يشبه إلى حد بعيد قضية الصراع الدائر في شمال افريقيا بين أنصار التفرد بالفرنسية والداعين إلى الانفتاح على الانكليزية وتطوير استخدام العربية في الاقتصاد: فالمغرب، لأسباب تاريخية وثقافية، ظل يتعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي يصدر له 65 في المئة من انتاجه إلى الخارج. وقضت العوامل التجارية أن تتم مجمل مشتريات المغرب من الدول المتعاملة بالدولار بدءاً بالنفط والقمح وانتهاء بتكنولوجيا الاتصال وبرامج الكومبيوتر. ويذهب محللون إلى حد الإشارة إلى أن جمعيات المصدرين تدافع عن مصالح شخصية من دون اكتراث للمصالح الاقتصادية للبلد، وانها تضع صعوباتها التجارية والثقافية على خلفية الدرهم الذي كلف المغرب خمس جولات من الجدولة و17 عاماً من التقويم الهيكلي للحفاظ على قيمته وجعله عملة قابلة للتحويل طبقاً للفصل الثامن من ميثاق صندوق النقد الدولي. وترد جمعيات المصدرين على هذه الاتهامات بالإشارة إلى أنها تجلب سنوياً ما يزيد على خمسة بلايين دولار من الصادرات وتشغل نصف مليون عامل وتضمن للخزينة موارد ضريبية للانفاق على القطاع العام. وتتوقع الجمعيات. في حال لم تتم معالجة مشكلة العملة، أن يتفاقم عجز الميزان التجاري، علماً أنه بلغ 25 بليون درهم 4.2 بليون دولار في سبعة أشهر، فيما تراجعت تغطية الواردات بالصادرات ست نقاط من 70 إلى 64 في المئة. من جهتها، تعتقد الحكومة أن العجز التجاري الخارجي له علاقة بأسعار الطاقة واستيراد القمح وتوسيع الاستهلاك المحلي 14 في المئة زيادة على الواردات أكثر مما له علاقة بموضوع الصادرات التي زادت 5.4 في المئة على رغم أن تصدير الفوسفات تراجع 11 في المئة. وتبدو قضية الدرهم مرشحة للتفاعل بعدما هددت الشركات المصدرة بعدم تطبيق الزيادة في الأجور ووقف تسديد بعض الضرائب للخزينة.