كنت، قبل عشرين عاماً، من مدمني دخول دور الرياضة، خصوصاً كرة القدم، لما فيها من ابداعات، فنية رائعة وتجمعات تهدد بالوعيد والثأر، مع بعض القفشات والتعليقات الساخرة. ونسبة لكثرة المهاترات والاستفزازات المصاحبة للتشجيع أثناء سير المباريات، مع الهوس الكروي المستمر وحرق الأعصاب، فقد تحولت تماماً، وعيّلت على الفنون بصورة عامة لما فيها من جماليات تشفي الصدور وتشرح النفوس. والغناء له مساحة عندي، حيث المطرب الذي يؤدي عملاً متكاملاً روحاً ونصاً، لحناً وأداءً، بالتأكيد له قضية يحمل بها هموم وطنه ويعبر بها عن ذاته، ويجوز لي أن أسميه فناناً. وهو بالتالي بعيد كل البعد عما تقدمه الفضائيات اليوم لمئات الشباب من أعمال غنائية هزيلة ساقطة، ومبتزلة عبر كاباريهات "الفيديو كليب" التي دخلت بيوت الناس، بكل قبح، بنساء عاريات، ورجال خنث. فبعد وفاة أم كلثوم وعبدالحلم حافظ، ما زالت فيروز جبلاً شامخاً تحمل هموم أمة، وليس قطراً بعينه، ذلك لما تطرحه هذه الأسطورة على الساحة من أعمال فنية راقية لها مضامين سامية. وكذلك مارسيل خليفة، وما تقدمه أوتاره من أعمال متكاملة متأصلة بالأرض والعرض تدق في وجدان وأحاسيس كل مستمع ومتابع. كما أن أوبريتات التعبئة العامة الشعب العربي وين لجوليا، ومن معها، و"الحلم ا لعربي" الذي رددها ملايين العرب شيباً وشباباً وأطفالاً ستظل راسخة في الاذهان رسوخ الجبال. وإن الفنان الذي يقدم مثل هذه الأعمال لا بد من أن يجد من الاهتمام مثل ما قدم. وهو بالتالي لا يبحث عن المادة في ظل المبدأ. ونحن في السودان، كما في بعض الدول العربية الأخرى، لدينا من يحمل همومنا بمختلف جوانب الابداع والفنون. وفي مجال الطرب الأصيل والغناء القضية، الأستاذ الفنان محمد وردي الذي عانى كثيراً عندما وقف بحسه ضد غوغائية العسكر والبطش لمسيرة استمرت عقداً من الزمان، يحمل ملامح الارتقاء والنهوض والتبني لهموم مجتمعه من خلال أعماله. وهو بلا شك يعرفه بعض من في العالم العربي وحتى الجوار الافريقي، لمن يهتم أصلاً بمثل هذا الطرح، وكذلك الشاب الفنان مصطفى سيد أحمد الذي أبدع وارتحل وهو في ريع الشباب، فظلت أعماله باقية بيننا. فشتان ما بين الطرب الأصيل والفن القضية وما بين الرخيص المطروح اليوم عبر المسارح. وكاباريهات الفيديو كليب. معاوية سليمان شريف سوداني مقيم في السعودية - الدمام