Edwige Tucny. LElargissement de LUnion Europeenne aux Pays DEurope Centrale et Orientale - La Conditionnalite Politique. توسيع الاتحاد الأوروبي الى بلدان أوروبا الوسطى والشرقية - المشروطية السياسية. LHarmattan, Paris. 2000. 186 pages. مفهوم جديد في سبيله الى أن يرى النور: المشروطية السياسية. فمع انهيار المعسكر السوفياتي عام 1990 عادت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، التي كانت دائرة من قبل في فلك الاتحاد السوفياتي، تكتشف هويتها الأوروبية وتسعى الى الانضمام الى الاتحاد الأوروبي وترشح نفسها رسمياً لعضويته. ولكن بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، لأسباب تتصل بتاريخها الخاص أو بتبعيتها السابقة للمعسكر السوفياتي، لا تطابق، لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الثقافة، المستوى من التطور الذي أتاح لبلدان أوروبا الغربية أن تطرح مشروع الوحدة الأوروبية وأن تتدرج في تطبيقه وفي توسيعه بدءاً من "أوروبا الستة" الى "أوروبا التسعة" الى "أوروبا الاثني عشر" الى "أوروبا الخمسة عشر". هذا التوسع المطرد للاتحاد الأوروبي هو ما استتبع تمخض فكرة المشروطية: الاقتصادية أولاً، ثم السياسية والثقافية. فما هي المعايير التي ترشح بلداً بعينه للانضمام الى الاتحاد الأوروبي وبلداً آخر للبقاء خارجه الى اجل مسمى أو غير مسمى؟ ما كان لهذه المعايير أن تكون محض معايير جغرافية وإلا لكانت جميع بلدان القارة الأوروبية السبعة والأربعين مرشحة بصورة آلية للانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وقد كان واضحاً من البداية الأولى، أي منذ 1951 مع طرح مشروع شومان "للأسرة الأوروبية للفحم والفولاذ"، أن حداً أدنى من التماثل في التطور الاقتصادي هو شرط لا غنى عنه لبناء الوحدة الأوروبية. ولكن هذه المشروطية الاقتصادية، التي سمحت عام 1973 بضم ثلاث دول بريطانيا وايرلندا والدنمارك الى الأسرة الاقتصادية الأوروبية التي كانت مقصورة الى ذلك الحين على ستة اعضاء فرنسا والمانيا وايطاليا وهولندا وبلجيكا واللوكسمبورغ، تطورت الى مشروطية سياسية عندما طرحت فكرة ضم بلدان أوروبا الجنوبية الثلاثة: اسبانيا والبرتغال واليونان الى الاتحاد الأوروبي. فقد كان على هذه البلدان ان تتخلص من أنظمتها الدكتاتورية والعسكرية قبل أن تنضم الى الأسرة الأوروبية ذات التقاليد الديموقراطية الراسخة. وهذا ما تم بالنسبة الى اليونان عام 1981 مع انعتاقها من حكم الجنرالات، ثم بالنسبة الى اسبانيا والبرتغال عام 1986 بعد تصفية التركة الفرانكوية والسالازارية. وعندما رشحت تركيا نفسها بدورها عام 1987 للانضمام الى عضوية الاتحاد الأوروبي، انطرحت مشكلة الهوية: فهل تركيا التي تقع بالقسم الأكبر من مساحتها في البر الآسيوي والتي تنتمي ديناً وثقافة الى الجناح الحضاري الاسلامي، هي دولة أوروبية؟ وهكذا تعددت المعايير وتراكبت في ثلاثة محاور: 1- الهوية الأوروبية بالمعنى الجغرافي والثقافي معاً للكلمة. 2- اقتصاد السوق الحر والناتج القومي النامي بما فيه الكفاية لتحمل شروط المنافسة المفتوحة ولتأمين شروط الحد الأدنى من الحياة اللائقة. 3- النظام الديموقراطي المستند الى التعددية الحزبية والآلية الانتخابية ومبدأ تداول السلطة والفصل بين السلطات، علاوة على احترام حقوق الانسان، وفي مقدمتها حقوق الأقليات. بيد أن هذه المشروطية المثلثة بدت غير كافية، وعامة أكثر مما ينبغي، عندما راحت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية العشرة تقدم تباعاً طلبات الترشيح للانضمام الى الاتحاد الأوروبي بدءاً من 1993. ومن ثم فإن اللجنة الأوروبية، المكلفة بدراسة طلبات الترشيح، أخذت على عاتقها أن تدرس هذه الطلبات حالة حالة، وأن تحدد مدى قابلية كل بلد من تلك البلدان العشرة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي أو للبقاء في "غرفة الانتظار". وطبقاً للتقرير الذي نشرته اللجنة الأوروبية عام 1998، والذي سيبقى معمولاً به حتى نهاية العام 2000، تم تقسيم البلدان العشرة الى ثلاث مجموعات: 1- مجموعة دول أوروبا الوسطى، وتضم بولونيا وهنغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا، 2- مجموعة دول أوروبا الشرقية وتضم سلوفينياوبلغارياورومانيا، 3- مجموعة دول أوروبا البلطيقية وتضم استونيا ولاتفيا وليتوانيا. وكما هو واضح من هذا التعداد، فإن القاسم المشترك بين هذه الدول العشر هو تبعيتها السابقة جميعاً للكتلة السوفياتية، ورزوحها بالتالي تحت عبء موروث ثقيل من الاقتصاد الموجه واللاديموقراطية. وقد لاحظت اللجنة ان مفاوضات الانضمام يمكن أن تفتتح فوراً مع أربع دول من تلك الدول العشر، وهي بولونيا وهنغاريا وتشيكيا واستونيا لوفائها بجملة الشروط التي وضعها المجلس الأوروبي المنعقد في كوبنهاغن في حزيران يونيو 1993، وفي مقدمتها حرية الانتخابات وثبات المؤسسات الديموقراطية وتداول السلطة وفصل السلطات واحترام حقوق الانسان والأقليات. أما الدول السبع الباقية فعليها ان تدلل على "تقدم فعلي" باتجاه الالتزام بكافة بنود المشروطية السياسية والاقتصادية قبل ن تفتتح معها مفاوضات الانضمام. ولكن رغم التقييم الايجابي الذي حظيت به الدول الأربع، فقد لاحظ تقرير اللجنة ان ثمة نواقص لا بد أن تستكمل وثغرات لا بد أن تسد. فبولونيا، على سبيل المثال، لا تزال تضع بعض القيود أمام حرية الصحافة، كما على الوظيفة العامة المحظورة على الشيوعيين السابقين. وهنغاريا لا توفر حماية حقيقية للأقلية الغجرية، فضلاً عن بطئها في الاصلاح الاداري ومقاومة الفساد. أما سلوفينيا فإنها لم تتوصل بعد الى تسوية سلمية لنزاعها على الحدود مع كرواتيا، فضلاً عن تقصيرها في مجال حماية البيئة وتحرير قطاع الزراعة والمواصلات والاصلاح الضريبي والمصرفي، مما لا يؤهلها الى الانضمام الفوري الى الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي. وتبقى أخيراً أستونيا، وهي الوحيدة بين الدول البلطيقية التي استجابت، حسب تقدير اللجنة، للمعاير السياسية والاقتصادية التي حددها المجلس الأوروبي. فأستونيا حبت نفسها بدستور جديد عام 1992، وبموجبه أبيحت التعددية الحزبية وأرست مؤسسات ثابتة للديموقراطية البرلمانية. وبدءا من ذلك التاريخ أيضاً سجلت استونيا تقدماً حثيثاً على طريق الخوصصة الخصخصة وتحرير الاقتصاد. كما عدلت نظامها التشريعي القومي بما يتلاءم مع التشريعات الأوروبية، وصادقت على المعاهدة الأوروبية لحقوق الانسان، والغت في 18 آذار مارس 1988 عقوبة الاعدام. ولكن لا يزال بعض الجهد مطلوباً منها على صعيد إقرار حقوق الاقليات وتسهيل اجراءات التجنيس أمام الأقلية الناطقة بالروسية. وبعد هذه الدول الأربع، فإن الجمهورية التشيكية تتمتع بفرصة جيدة لتكون في طليعة الدول الست الباقية المرشحة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي "في موجة ثانية". فتشيكيا قد نجحت في تحرير اقتصادها وفي تفادي مطب التضخم وفي تخفيض معدل البطالة وفي إعادة توجيه تجارتها الخارجية نحو الغرب. ولكنها في المقابل لم تحرز مثل هذا النجاح في تحرير قطاع الزراعة وفي سياسة المحافظة على البيئة. كذلك فإن مؤسساتها الديموقراطية تتمتع بثبات أكيد، والانتخابات حرة فيها ونزيهة، والمعارضة فعالة، ومبدأ فصل السلطات معمول به بفعالية. ولكن لا بد في المقابل من أن تبذل المزيد من الجهود في تحسين طريقة أداء أجهزة العدالة وفي تعزيز مكافحة الرشوة والفساد وفي الغاء أشكال التمييز الذي لا تزال تتعرض له الأقلية الغجرية. اما سلوفاكيا، الشريكة السابقة لتشيكيا في الاتحاد التشيكوسلوفاكي، فغير مرشحة في الأجل المنظور لفتح المفاوضات معها للانضمام الى الاتحاد الأوروبي. فسلوفاكيا قد اختارت أولاً الانفصال عن الاتحاد التشيكوسلوفاكي، وهو ما يتناقض روحاً ومنطقاً مع طلبها الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. ثم ان حكومتها لا تحترم مبدأ فصل السلطات الذي أقره دستورها، ولا تتقيد بقرارات المحكمة الدستورية العليا، ولا تقر بحقوق فعلية للمعارضة. والشرطة السرية لا تزال فيها طويلة الباع، مما يرسم علامات استفهام حول مدى فعلية دولة القانون فيها. كذلك فإن سلوفاكيا لا تستجيب للمعايير الأوروبية في ما يتعلق بحقوق الاقليات، وتحديداً منها الأقليتان المجرية والغجرية. وذلك هو أيضاً شأن بلغارياورومانيا اللتين قررت اللجنة انهما لا تحترمان بعد شروط الانضمام الى الاتحاد الأوروبي كما حددها المجلس الأوروبي ومعاهدة روما ومعاهدة ماستريخت ومختلف قرارات البرلمان الأوروبي. فصحيح ان بلغاريا نظمت انتخابات قابلة للوصف بأنها "حرة ونزيهة" في دورتي 1994 و1997 على التوالي، ولكن الشرطة السرية فيها لا تزال تتمتع بكلية قدرة غير مسموح بها في النظام الديموقراطي. وفضلاً عن ذلك، فإن الأقلية التركية لا تزال تتعرض في بلغاريا لأشكال شتى من التمييز. وأخيراً فإن بلغاريا لم تنجز تمام تحولها نحو اقتصاد السوق، ولا زالت مقصرة في مجالات الادارة العامة والقطاع المالي وحماية البيئة. وتنطبق هذه الملاحظات السلبية على رومانيا ايضاً. فرغم مسعاها الى التدليل على أنها "تلميذة ديموقراطية جيدة" من خلال تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وتثبيت المؤسسات الديموقراطية، فإن أولوية القانون غير محترمة بعد بما فيه الكفاية على جميع مستويات الدولة. كذلك فإن موروثها من الاقتصاد الموجه والسوق غير المفتوحة للمزاحمة لا يزال يثقل بقدر من الوطأة على قطاعات المواصلات والنقل والزراعة والنظام الضريبي والجمركي. وأخيراً فإن حقوق الأقليات غير محترمة تجاه الأقلية الغجرية. يمكن القول إذن ان المشروطية السياسية والاقتصادية تلعب دور اللجام والمهماز معاً. فهي ان كانت تقف حائلاً دون الانتماء الفوري لبلدان أوروبا الوسطى والشرقية الى الاتحاد الأوروبي، فإنها تلعب دورها أيضاً في حث الدول المقصرة في مجال الديموقراطية واقتصاد السوق على استدراك تقصيرها وعلى تسريع تحولها البنيوي وانعتاقها من أسر موروثها السابق من النظام السوفياتي. ودور المهماز هذا هو ما يمكن أن يفسر السرعة التي تقترب بها بلدان أوروبا الوسطى والشرقية "المتأخرة" مثل سلوفاكياورومانيا من البلدان "المتقدمة" مثل بولونيا وهنغاريا. ودور المهماز هذا هو ما يفتح أخيراً امكانية الانضمام في المستقبل أمام المجموعة الأوروبية الوحيدة التي لا تزال بعيدة عن الامتثال لمعايير المشروطية، أي مجموعة الدول البلقانية. أفلن يكون الأمل في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي عاملاً فعالاً في تجاوز هذه الدول لنزاعاتها الحدودية وفي تسوية مشكلاتها الاثنية وبناء مؤسساتها الديموقراطية؟ فالمشروطية الأوروبية التي لعبت دورها في الماضي في تسريع تحرر أوروبا الجنوبية من أنظمتها الفاشية، والتي تلعب دورها اليوم في تسريع انعتاق أوروبا الوسطى والشرقية من تركتها السوفياتية، لا يستبعد أن تلعب دورها في المستقبل في مساعدة دول أوروبا البلقانية على الخلاص من "بلقنتها".