قبل أيام نشرت "الحياة" نقلاً عن مسافرين وصلوا الى عمان من بغداد ان أنصار السلطة هناك قطعوا لسان مواطن شتم الرئيس صدام حسين. هل حدث هذا فعلاً؟ المشكلة مع النظام العراقي انه يسهل تصديق ما لا يصدق عنه. وإذا كان النظام أقر وشم الجبين وقطع الأذن عقوبة للفارين من الخدمة العسكرية، فإن قطع اللسان غير بعيد عن تفكيره، وربما اتبعه بجدع الأنف لكل من "تُشْتم" منه رائحة معارضة. كان جورج برنارد شو قال يوماً ان الاغتيال أعلى درجات الرقابة. واليوم تتحدث أخبار بغداد عن قطع اللسان وهو إلغاء رسمي لمعارضة ألغيت عملياً منذ عقود، والمواطن العراقي أكثر حذراً من أن يعارض علناً ويواجه قسوة النظام، لذلك فعقوبة قطع اللسان، ان وجدت ستظل محدودة. ما ليس محدوداً هو الأذى الذي يلحقه النظام بالمواطنين العراقيين كل يوم. مرة أخرى، فهم الرئيس العراقي أخبار قمة الألفية ودورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأخبار الأخرى على هامش القمة والدورة، ثم ارتفاع سعر النفط، بشكل خاطئ، أو بالشكل الذي يناسبه، ما جعله يعد لمواجهة جديدة سيدفع ثمنها شعب العراق مرة أخرى. - فرنسا ليست ضد العقوبات، وانما هي ضد الغارات الجوية الأميركية والبريطانية على العراق فقط. وقد اعلنت فرنسا غير مرة ان التحالف الغربي ضد صدام حسين لم يضعف، وانه سيقاتل من جديد إذا قام العراق بعمل عسكري ضد جيرانه، بل ان وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين اعلن ان العقوبات نفسها لن تضعف أو تخفف وطالب العراق بتنفيذ القرار 1284، ليصبح بالامكان النظر في تعليق العقوبات... لا رفعها. - روسيا ارسلت طائرة الى بغداد مخترقة الحظر الجوي، وسترسل طائرة ثانية. الحظر الجوي ليس قراراً من مجلس الأمن وانما هو قرار أميركي، وروسيا لم تنتهك بالتالي أي اجماع دولي على العراق، وأهم من هذا ان الرئيس الكسندر بوتين سيبيع العراق كله بثمن بخس في أي صفقة مع الولاياتالمتحدة على أي قضية تهم موسكو، خصوصاً في المجال الاقتصادي. - لا يزال النظام في بغداد يراهن على أن زيادة معاناة الشعب العراقي ستخلق رأياً عاماً عالمياً يضغط لرفع العقوبات، وهذا لن يحدث، فثمة رأي عام مضاد يعرف ان النظام في بغداد مسؤول قبل غيره عن هذه المعاناة. وأهم من كل رأي عام ان الولاياتالمتحدة تملك حق الفيتو وستستعمله. وكان مجلس الأمن الدولي طلب في حزيران يونيو الماضي دراسة كان يفترض ان تنجز في موعد أقصاه 26 تشرين الثاني نوفمبر القادم عن تأثير العقوبات في الشعب العراقي، إلا أن النظام في بغداد رفض استقبال خبراء محايدين لدراسة تأثير العقوبات، وامكان تحسين برنامج النفط مقابل الغذاء. وكانت الأممالمتحدة اقترحت نظاماً تشتري الحكومة العراقية بموجبه بضائع محلية لتنشيط السوق الداخلية، إلا أن النظام رفض وأصر على أن تكون له السيطرة الكاملة على المال المتوافر للشراء. - منذ سنة 1996 عندما بدأ برنامج النفط مقابل الغذاء، باع العراق نفطاً بمبلغ 31.6 بليون دولار، ذهبت 9.5 منها للتعويضات، وانفق العراق ستة بلايين دولار على شراء أطعمة وبليون دولار على شراء أدوية. ورفع غطاء تصدير النفط العراقي في كانون الأول ديسمبر الماضي، لا تقديراً لمعاناة شعب العراق، بل بسبب ارتفاع سعر النفط وحاجة السوق الى مزيد من الامدادات. ويبدو ان الرئيس صدام حسين فهم ان وضع السوق النفطية يتيح له المغامرة، إلا أن هذا ليس صحيحاً، فوزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت قالت ان الولاياتالمتحدة لن تقوم باجراء عسكري ضد العراق بسبب امتناعه عن استقبال فريق التفتيش الدولي الجديد انموفيك، إلا أن وزير الدفاع وليام كوهن ومستشار الأمن القومي صموئيل بيرغر ومسؤولين آخرين أعلنوا بوضوح ان الولاياتالمتحدة ستتدخل عسكرياً إذا هاجم العراق جيرانه. وما لم يقله المسؤولون الأميركيون هو أن بلادهم ستتدخل اذا قطع العراق امدادات النفط خلال الأزمة الحالية، فالولاياتالمتحدة ستتدخل حتماً، إلا أنها ستخترع سبباً للتدخل غير النفط، وصدام حسين يوفر سبباً كل يوم. وهي سمحت برفع سقف تصدير النفط العراقي في آخر السنة الماضية، وكأنها لم تر معاناة الشعب العراقي الا في كانون الأول، وان قرارها لا علاقة له بسوق النفط العالمية. اليوم يقرأ الرئيس العراقي الأخبار السياسية والاقتصادية ويحللها كما يناسب هواه، فيهدد المملكة العربية السعودية والكويت، ويدعو الشعوب العربية الى الانتفاض على حكوماتها، مع أن الواقع ان وجود صدام حسين في بغداد جعل كل شعب عربي يقنع بحكومته ويقدر مزاياها. ولعل الرئيس العراقي قرر أن الانتخابات الأميركية ستمنع الإدارة من اتخاذ قرارات ضده، وهذا صحيح حتى نقطة معينة، فهو قد يرفض استقبال المفتشين ولا تجد الادارة سبباً في ذلك لدخول حرب جديدة، ولكن إذا تجاوز صدام حسين هذه النقطة الى دخول مواجهة حامية مع جيرانه، أو شن حرب نفطية، فالبيت الأبيض سيرد بعنف دعماً للمرشح الديمقراطي آل غور، وسيزايد المرشح الجمهوري جورج بوش على الديمقراطيين وسيعتبر أي اجراء اميركي ضد صدام حسين غير كافٍ، فالخلاف الوحيد بين الحزبين والمرشحين على صدام حسين يتعلق بمدى العداء له.