ان الزيادات المتلاحقة في أسعار الفائدة في الاقتصاد العالمي والتي بلغت 107 العام الماضي مهدت الطريق لفترة تجميد في الأشهر القليلة المقبلة. وهناك مناطق في العالم ستواجه "تدنياً لطيفاً" في النمو، فيما ستمر مناطق أخرى بفترات صعبة. وليس من المستبعد، على سبيل المثال، ان يمر اقتصاد الولاياتالمتحدة بمرحلة "هبوط ناعم"، بحيث يستمر النمو، ولو بنمط أضعف، ويبقى التضخم معتدلاً نسبياً. لكن الوضع في مناطق أخرى، مثل أوروبا يحتاج الى دراسة. فالبنك المركزي الأوروبي مثلاً يواجه مأزقاً: من جهة هناك ضغوط تضخمية وعملة ضعيفة تستوجبان ارتفاعاً في معدلات الفائدة ومن جهة أخرى، توقعات بهبوط اقتصادي قد يستلزم أسعاراً للفائدة ثابتة أو منخفضة. في غضون ذلك شهدت اليابان أخيراً أول تضييق نقدي من 10 أعوام. ومن المتوقع ان تشهد زيادات طفيفة في أسعار الفائدة، من شأنها ان تبقي الين مدعوماً في الأمد القريب. سعر النفط الخطر الرئيسي وفي الولاياتالمتحدة، هناك بضعة أسباب للاعتقاد بأن معادلة النمو الثابت مع تضخم معقول هي في خطر. ويكمن الخطر الرئيسي على هذه الصورة المشرقة في سعر النفط، الذي وصل الى سعر أعلى بكثير مما توقعه المحللون مطلع السنة الجارية. والطلب العالمي على النفط قوي، فيما لم ترفع منظمة الدول المصدرة للنفط الانتاج بما فيه الكفاية لكبح ارتفاع الأسعار. ويتوقع ان ينفق المستهلكون الأميركيون نحو 50 بليون دولار على المنتجات النفطية سنة 2000، أكثر مما انفقوا عام 1999. وفي شأن هذا الانفاق الاضافي ان يخفض اجمالي الناتج المحلي نحو نصف في المئة. وإذا ثبتت أسعار النفط عند المستويات الراهنة، فإنه لن يحصل أي أثر سلبي اضافي على النمو أو التضخم. لكن إذا هبطت أسعار النفط الى النطاق الذي نتوقع حصوله، أي الى ما بين 25 و30 دولاراً، فإن ذلك من شأنه أن يخفض التضخم قليلاً ويرفع اجمالي الناتج المحلي بعض الشيء. المأزق الأوروبي في المقابل، ان مستقبل أوروبا هو أكثر غموضاً، حيث يبدو أن النمو الاقتصادي يقترب من القمة - كما نلاحظ من الانكماش الحاد الذي أظهره المسح الأخير لآراء رجال الأعمال في المانيا، حيث هبط المؤشر الى 99.1 في تموز يوليو الماضي من 100.4 في الشهر الذي سبقه. يضاف الى ذلك، ان عناوين التضخم في أوروبا تستمر في تجاوز التوقعات. فالتضخم المتأثر بأسعار النفط أخذ في الرسوخ متجاوزاً هدف البنك المركزي الأوروبي والذي هو 2.4 في المئة. كما ان سعر صرف العملة الأوروبية اليورو يراوح تحت 90 سنتاً فيما يبلغ معدل الفائدة المتداولة 4/1 في المئة فوق المعدل الرسمي. غير أن أي زيادة في أسعار الفائدة يقررها البنك الأوروبي استجابة للارتفاع في التضخم قد تكون غلطة. إذ أن أي خطوة من هذا النوع قد تساعد على رفع معدل صرف الدولار، كما ان ذلك قد ينطوي على سياسة نقدية ضيقة تؤدي الى زيادة في العبء على الاقتصاد المحلي في وقت لاحق سنة 2001. وقد يتعرض البنك الأوروبي لاحقاً للضغط كي يعكس هذه الزيادة. في الوقت نفسه إذا كان التضخم الظاهري قد اخترق الحد الأعلى للنطاق الذي يتوقعه البنك المركزي الأوروبي، فإن معدل التضخم المحوري لا يزال ثابتاً بطريقة رائعة. ونتوقع ان يرتفع التضخم بوتيرة معتدلة في الأشهر ال12 المقبلة من 1.3 في المئة حالياً الى مستوى يقرب من 1.8 في المئة في تموز يوليو المقبل. وقد ينخفض التضخم الظاهري الى نحو 1.2 في المئة نتيجة التأثير الناجم عن الارتفاع في أسعار النفط. اليابان في غضون ذلك، نعتقد أن اليابان قد تكون في وضع أفضل اذا استمرت في انتهاج سياسة نقدية ميسرة وسياسة مالية حيادية أو قليلة التقييد. غير أن البنك المركزي الياباني يتوجه في تفكيره بوضوح عبر خطوط متباينة. ويبدو بنك اليابان متفائلاً بالنسبة الى قوة الانتعاش الاقتصادي، ونراه يستعد لانتهاج سياسة نقدية أكثر تضييقاً. ان حاكم البنك الذي يعتبر ان سياسة الفائدة اليابانية ميسرة الى حد كبير، قد يرفع الفائدة قليلاً لتصبح في وضع "محايد" اذا تحقق تفاؤله بالنسبة الى الدورة الاقتصادية. في رأينا ان ذلك سيحصل. وفي الوقت الذي لم يتضح بعد مضمون السياسة "المحايدة" فإنه من الواضح ان المعدل الحالي الذي هو 0.25 في المئة يحد من مرونة السياسة النقدية. إذ أن المعدل الحالي قريب من الصفر ويقيد قدرة البنك الياباني على تنفيذ سياسة تيسير فعّالة. وكي يستعيد البنك المركزي المرونة الكاملة، من المعقول ان يكون الهدف فائدة بمعدل 1 في المئة. وهذا من شأنه ان يُبقي مجالاً للتخفيض اذا حدثت "صدمة" لم تكن في الحسبان. أما الآن فإن المعطيات الاقتصادية هي المفتاح. فإذا بدا، من تقارير "نانكن" عن اراء رجال الأعمال، والتي من المقرر أن تصدر في 3 تشرين الأول اكتوبر و13 كانون الأول ديسمبر، ان هناك زيادة في الانتعاش من الشركات الكبيرة الى الصغيرة ومن المؤسسات الصناعية الى مؤسسات الخدمات، فإن رفع معدل الفائدة يصبح أكثر احتمالاً. * كبير الاقتصاديين في دار الوساطة "ميريل لينش" - نيويورك.