عندما تجمع بعض مهاجري جزر الهند الغربية يحدوهم الحنين والشوق الى الوطن في الخمسينات يعزفون موسيقى الجاز والكاليبسو قرب ايرلزكورت في لندن، لم يكونوا يتوقعون كما لم يكن يتوقع أحد أنهم يضعون بذرة أكبر كرنفال موسيقي مفتوح في العالم. فقد تفوق كرنفال توتينغ هيل منذ عام 1996 باجتذابه ما يفوق المليونين على منافسه الشهير والذي احتل المرتبة الأولى لسنوات طويلة، كرنفال ريو دي جانيرو. والمهرجان لوحة انسانية رائعة ومزيج من الألوان والأشكال والروائح والمذاق، في اللبس والبشر والطعام والزينة والديكور، فهو فرصة للاطلاع على ثقافات الكاريبي وأفريقيا وأميركا اللاتينية وتذوق أصناف طعامها، ويسجل في الكرنفال الكثير من الأرقام القياسية. فعلى سبيل المثال يباع خلاله أكثر من 000،700 صفارة ينفخها الكبار والصغار في ذلك اليوم منشرحين ومتحررين من القيود والرتابة مع ايقاعات موسيقى الستيل البراميل الحديدية والريغي من جامايكا. ترجع أصول الكرنفال الى أبعد من لندن بكثير، الى أفريقيا عبر الكاريبي مع مزيج من الثقافة الهندية واللاتينية. وتدعي مدينة "بورت أوف سبين" عاصمة ترينداد ملكيتها للكرنفال، ولكن كل ذلك قد انتهى به المطاف الى لندن، وينتظر الكثير من الناس على مختلف أعمارهم وجنسياتهم من داخل لندن وخارجها، بل والكثير من السياح من خارج بريطانيا كل عام كرنفال نوتينغ هيل والذي يقام في منطقة نوتينغ هيل غرب لندن والذي يقام دائماً في آخر يوم أحد واثنين من شهر آب أغسطس، وعلى رغم أن يوم الاثنين ليس يوم عطلة الا انه يصادف عطلة البنوك في بريطانيا دائماً. ويخصص اليوم الأول لعروض الأطفال بينما يكون الثاني لعروض الكبار، الا ان تلك ليست قاعدة، وفي الحقيقة ليس للكرنفال قاعدة بل تحكمه حركة الناس ومزاجهم وحركة نجومه وحال الطقس خلال ساعات طويلة من الحركة المستمرة والاقدام التي لا تعرف التعب. يتلخص سحر الكرنفال في تقاليده مثل المنافسة المحمومة بين فرق الموسيقى وعارضي الأزياء وحفلات ما قبل الكرنفال وما يثيره التحكيم من جدل، وهو في نهاية الأمر روح المجتمع التي تؤكد مكانة منطقة توتينغ هيل بوصفها منطقة متعددة الثقافة استوعبت مختلف الأعراق في تعايش سلمي، مما حدا برئيس الوزارة البريطاني الحالي توني بلير الى وصف الكرنفال بأنه "أكثر مناسبة في التقويم البريطاني تعبر عن تعدد التراث الثقافي لبريطانيا". والقادم الى الكرنفال يصاب بالدهشة من تلك الحشود الهائلة المتراصة والمتراقصة وذلك الصخب وتلك الألوان، إلا ان روح الكرنفال سرعان ما تطغى على تلك الرهبة وتسحب المرء حيث يجد نفسه جزءاً من كل ذلك. والكرنفال فرصة كبيرة لمحبي التصوير. يستمر الكرنفال طوال اليوم منذ الصباح وحتى المغيب. وتقطع خمسون شاحنة من الشاحنات المزينة والمحملة بالآلات الموسيقية والعازفين مسافة ثلاثة أميال في بطء شديد وتوقف متعدد ومعظمها لا ينجز سوى دورة واحدة طوال اليوم وسط الجموع المستمتعة بالموسيقى الحية والرقص. شارك في كرنفال نوتينغ هيل أكثر من 100 فرقة موسيقية تضم الواحدة منها 80 عازفاً وعدداً مماثلاً من عارضي الأزياء. ولقد أبدع المهاجرون الكاريبيون في تطوير فن الأزياء. منذ ثلاثين عاماً لم يكن هناك أكثر من خمسين شخصاً يتجمعون وهم يرتدون أزياء الكرنفال الخاصة، وحالياً قفز العدد الى أكثر من 000،10 والعدد في ازدياد مستمر. في السنوات الأخيرة انتبهت الشركات والنوادي والمنظمات والجمعيات الى أهمية هذا الحدث كفرصة للاعلان والنشاط، فصارت المنظمات الدينية والجمعيات المنادية بالمساواة وحقوق الإنسان تشارك في توزيع الكتب، ويبقى الكرنفال حدثاً عالمياً تتجلى فيه مشاعر الاخاء والمساواة بين الناس فقراء وأغنياء من مختلف الأجناس في الشوارع.