إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    واشنطن ترفض «بشكل قاطع» مذكرتي التوقيف بحق نتانياهو وغالانت    رئيس البرلمان العربي يدين الفيتو الأمريكي ضد قرار وقف إطلاق النار في غزة ويحذر من عواقبه    بدر بن عبدالمحسن.. تجربة متفردة توجته بلقب أمير الشعر العربي    توال و 5SKYE تعلنان عن شراكة استراتيجية لتعزيز التحول الرقمي في السعودية    أمير حائل يستقبل وزير السياحة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "مطار الملك فهد الدولي" يحقق المركز الأول في نسبة الالتزام بمعايير الأداء التشغيلي    رغم عدم تعليق موسكو.. أوكرانيا تتهم روسيا باستهدافها بصاروخ باليستي عابر للقارات    تفاؤل أمريكي بوقف إطلاق النار في لبنان.. خلافات بين إسرائيل وحزب الله على آلية الرقابة    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    "تزايد" تختتم مشاركتها في سيتي سكيب 2024 بتوقيع اتفاقيات وإطلاق مشاريع ب 2 مليار ريال    اكتمال وصول الدفعة الأولى من ضيوف خادم الحرمين للعمرة والزيارة    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    "تعليم البكيرية" يحتفي باليوم الدولي للتسامح بحزمة من الفعاليات والبرامج    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    أمين منطقة القصيم يتسلم التقرير الختامي لمزاد الابل من رئيس مركز مدرج    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    أكاديمية طويق شريك تدريبي معتمد ل "Google Cloud"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    وزراء داخلية الخليج يبحثون التعاون الأمني المشترك    مدالله مهدد ب «الإيقاف»    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    9 مهددون بالغياب أمام «الصين»    وزير العدل: القضاء السعودي يطبق النصوص النظامية على الوقائع المعروضة    ضمن ملتقى «الإعلام واقع ومسؤولية».. إطلاق أول بودكاست متخصص في المسؤولية الاجتماعية    حمائية فاشلة !    الصقور السعودية    «المسيار» والوجبات السريعة    «كوكتيل» هرج    هوساوي يعود للنصر.. والفريق جاهز للقادسية    الخليج يتطلع لنهائي آسيا أمام الدحيل    البكيرية يتجاوز الجندل والعدالة يتألق أمام النجمة    اكتشف شغفك    علاج فتق يحتوي 40 % من أحشاء سيدة    الاتحاد يستعيد "عوار" .. وبنزيما يواصل التأهيل    الغندور سفيرا للسعادة في الخليج    فيتو أميركي ضد قرار بمجلس الأمن بشأن غزة    «قرم النفود» في تحدٍ جديد على قناة «الواقع»    «بوابة الريح» صراع الشّك على مسرح التقنية    الإعراض عن الميسور    في مؤجلات الجولة الثامنة من" يلو".. قطبا حائل يواجهان الحزم والصفا    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    نواف إلى القفص الذهبي    الزميل أحمد بركات العرياني عريسا    إيطاليا تفرض عقوبات أشد صرامة على القيادة الخطرة    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    مهرجان البحر الأحمر يعرض روائع سينمائية خالدة    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    سعود بن بندر يستعرض تحول التعليم في الشرقية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضواء على الانتخابات الأميركية ومعانيها الداخلية والخارجية . الضريبة والضمان الاجتماعي وتنظيم انتشار السلاح في خطة الحزب الديموقراطي
نشر في الحياة يوم 13 - 09 - 2000

لا خلاف في الأوساط السياسية والثقافية الأميركية اليوم أن الولايات المتحدة تشهد حال رخاء داخلي ونفوذ خارجي قلّ مثيلهما في التاريخ الحديث. إنما الخلاف حول تحديد هوية الجهة التي يعود اليها الفضل بتحقيقها. فالديموقراطيون، طبعاً، يؤكدون أنها ثمرة النهج الذي اتبعه الرئيس بيل كلينتون وحكومته بتأييد من محازبيهما في الهيئة التشريعية. فالازدهار تحقق خلال عهده، والاستقرار السياسي الدولي تحت المظلة الأميركية تكرّس نتيجة لجهوده. ويعتبر الجمهوريون على الغالب أن الحكم الديموقراطي الحالي يحصد ما زرعه الرئيس السابق رونالد ريغان الذي أرغم بمواقفه الاتحاد السوفياتي على الانكفاء ثم الانهيار، مفسحاً المجال أمام تحويل الجهود والطاقات الأميركية من ميدان الإنفاق العسكري الى مختلف الحقول المنتجة، محققاً بذلك الرخاء والازدهار، ويشدد بعض الجمهوريين على أهمية الدور الذي لعبته "الثورة المحافظة" التي قادها الرئيس السابق للمجلس النيابي في الكونغرس نيوت غينغريتش، في اعتراض الميل الديموقراطي الى تبديد المكاسب التي تحققت في عهد الرئيس ريغان، على حد تعبيرهم. وثمة من يخرج الرخاء الذي تشهده البلاد من إطار القرار السياسي ويعيد فضله الى الأسلوب الذي اعتمده ألن غرينسبان، مدير الهيئة المصرفية المركزية الاتحادية، في توجيه الاقتصاد وضبط الأسواق المالية، بينما يجد البعض الآخر في الانتقال من اقتصاد التصنيع الى اقتصاد المعلومات قاعدة الرخاء الجاري. ليس هذا الجدال حول تحديد الجهة التي يعود إليها الفضل مجرد نقاش فكري، ذلك أن توظيفه السياسي في سياق الحملة الانتخابية للجانبين يكسبه أهمية قصوى. وبذل الديموقراطيون جهداً ملحوظاً في هذا الإطار، وذلك عبر الربط التفصيلي للتطورات الإيجابية التي شهدتها التسعينات بالخطوات المحددة التي اتخذتها حكومة الرئيس كلينتون. ولذلك، فإن البرنامج السياسي الذي اعتمده الحزب الديموقراطي في مؤتمره العام الذي انعقد الشهر الماضي في مدينة لوس انجليس، وجرى فيه تكريس اختيار نائب الرئيس آل غور مرشحاً للحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، جاء تقويماً للمرحلة السابقة بقدر ما هو عرض لخطة العمل.
الازدهار والتقدم والسلام
يختصر الشعار الذي اعتمده الديموقراطيون لمؤتمرهم مضمون هذا البرنامج كما يختزل الخطاب السياسي للحزب. ويتألف من ثلاثة عناوين: الازدهار والتقدم والسلام. فتحت الازدهار جرى إدراج الإنجازات المكتملة التي تحققت في عهد كلينتون مع التشديد على الدور الحازم لنائب الرئيس غور في تثبيتها وعلى جهوزيته لضمان استمرارها وتعزيزها. وتحت التقدم، تم سرد الإنجازات الجزئية التي ما زالت تتطلب جهوداً كثيفة للاكتمال، مع التأكيد على صلاحية غور من دون سواه لمهمة الإكمال. واشتمل السلام على الشق الخارجي من السياسة الأميركية، وهو جانب، على رغم أهميته الموضوعية، يبقى ثانوياً بالنسبة لأكثرية المواطنين الأميركيين، باستثناء المعنيين منهم نتيجة للعلاقات القومية أو الدينية، مثل اليهود والكوبيين.
ويعمد الديموقراطيون في برنامجهم، كما في مختلف الخطب والكلمات التي يلقيها البارزون منهم، على المفاضلة بين حال الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي التي تشهدها الولايات المتحدة اليوم، والوضع المتأزم الخطير التي عانت منه البلاد خلال عهد الرئيس السابق جورج بوش، والد المرشح الجمهوري الحالي، الذي كاد أن ينحدر الى صدام عرقي أو تمرد شعبي. فالبطالة اليوم في حدها الأدنى، والعمالة في أوساط الأقليات العرقية الأفارقة والهيسبانيك اللاتين في أعلى مستوياتها، وأعداد المعتمدين على نظام الإنعاش الاجتماعي تدنت الى مستوى لم تشهده منذ قرابة 30 عاماً.
وفي حين يلجأ الجمهوريون الى محاولة نقض الفضل الديموقراطي في تحقيق هذه الإنجازات من دون التشكيك بصحتها، فإن بعض الأوساط العمالية تشير الى أن ثمن المكاسب كان مرتفعاً، إذ أن معظم فرص العمالة الجديدة التي تحققت كانت لدوام غير كامل أو لوظائف غير خاضعة للتنظيم النقابي أو في قطاع الخدمات غير المتطورة. ونتيجة ذلك لم يتحسن الدخل الحقيقي إلا بقدر ضئيل، في حين أن ساعات العمل ازدادت، والاطمئنان الى المستقبل المهني تراجع.
ثمن اقتصاد المعلومات... وحلول
ويتطرق الديموقراطيون بصيغة غير مباشرة في برنامجهم الى هذه الاعتراضات، إذ يشير البرنامج الى أن الانتقال من اقتصاد التصنيع الى اقتصاد المعلومات الذي ابتدأ في التسعينات، يشكل للبعض صعوبات لا بد من تجاوزها عبر اعتماد الخطة الديموقراطية الداعية الى توفير فرص التدريب والنجاح لكل المواطنين. أما الخطوط العريضة لبرنامج - خطة الحزب الديموقراطي فهي، أولاً الاستمرار بالتزام الانضباط في إدارة الأموال العامة، أي متابعة تسديد الدين العام والاقتصار في تخفيف العبء الضريبي على أوجه محددة. ثانياً الاعتماد على الازدهار الحالي لتعزيز وضع صندوق الضمان الاجتماعي وبرنامج العناية الصحية بما يضمن استمراريتهما للأجيال المقبلة، ولاسيما أشارت التوقعات حتى الأمس الى أن هذين البرنامجين في طريقهما الى الإفلاس في العقود المقبلة. ثالثاً الاستثمار في الإنسان، أي في الشعب الأميركي، عبر توفير فرص التربية والتعليم والتدريب. رابعاً، متابعة تحديث الهيئات الحكومية وتشذيبها وحوسبتها لضبط الهدر وتحسين الأداء. خامساً، فتح الأسواق العالمية الجديدة أمام الإنتاج الأميركي. سادساً تنشيط الإنتاجية عبر مكافأة التفوق وتمكين المواطن من التأثير على القرار في السياسة وفي مكان العمل على حد سواء.
تسديد كامل الدين العام في 12 عاماً
وفي موضوع الانضباط وإدارة الأموال العامة، يتضمن البرنامج الديموقراطي تعهداً من الحزب بتحقيق إنجاز تاريخي هو تسديد كامل الدين العام ضمن مهلة 12 عاماً. يذكر هنا أن بداية هذا الدين المتقلب ارتفاعاً وانخفاضاً وفق السياسة والأوضاع الاقتصادية تعود الى النصف الأول من القرن التاسع عشر. وفي حين يؤكد الديموقراطيون أن تسديده بالكامل أصبح بمتناول اليد، فإن هذا التوقع رهن باستمرار الوضع الاقتصادي الحالي، من نمو ورخاء، وهو وضع تجاوز لتوّه التوقعات والمعدلات التاريخية. فالبعض يرى أنه حتى إذا كان للسياسة التي انتهجتها حكومة الرئيس كلينتون قدراً من الفضل في تحقيق الازدهار، فإن الصحة الاقتصادية للولايات المتحدة مشروطة بعوامل عدة بعضها لا شك خارج سيطرة الحكم. لذلك، فإن بعض الأصوات المشككة تعتبر ان وعد آل غور بتسديد الدين العام هو مجرد مناورة انتخابية، ولا سيما أن المهلة التي حددها لهذا التسديد تتجاوز السنوات الثمان التي من شأنه أن يقضيها في سدة الرئاسة كحد دستوري أقصى، إذا حالفه الحظ في الانتخابات المقبلة وتلك التي تليها عام 2004. ويرفض أنصار آل غور هذا التشكيك، مشددين على التزامه بمواقفه المبدئية بغض النظر عن فاعليتها الانتخابية. ويمكن الإشارة في هذا الخصوص الى الشق الثاني من موضوع الانضباط في إدارة الأموال العامة، أي مسألة تخفيف العبء الضريبي.
مسألة الضرائب
ولا شك في أن الهاجس الضريبي يشكل أحد الهموم الرئيسية للمواطن الأميركي، إذ يتجاوز العبء الضريبي الاتحادي ثلث الدخل كمعدل عام، إضافة الى ما تقتطعه الولاية والمحلة وصندوق الضمان الاجتماعي وبرنامج العناية الصحية من حصص. فالجمهور الأميركي عموماً يستجيب بشكل ملموس لدعوات تخفيف هذا العبء. وتمكن أكثر من مرشح مغمور من البروز على الساحة السياسية عبر اعتناق برنامج يقتطع الضرائب، أو حتى يلغيها، بغض النظر عن واقعية هذه الطروحات. والمرشح الجمهوري جورج بوش الابن أدرج حسماً ضريبياً عاماً في برنامجه. أما خطوات تخفيف العبء الضريبي التي يقترحها آل غور، فهي خطوات موجهة بشكل أرصدة ضريبية تستفيد منها جهات محددة أهمها العائلات التي تعنى بتربية الأطفال، إضافة الى الطلاب المسجلين في المعاهد العليا، والمهنيين الساعين الى تطوير كفاياتهم، والشركات العاملة على تأهيل المستفيدين من صندوق الإنعاش الاجتماعي. فاقتراح غور ليس حسماً ضريبياً، وهذا أمر لا شك في أن بوش سيذكر الجمهور الأميركي به كلما سنحت له الفرصة.
ثمة ثمن انتخابي قد يتحتم نتيجة عدم اعتماد الحسم الضريبي، غير أن غور أدرج في برنامج حزبه تعهداً آخر له طابع تعويضي، من شأنه أن يلغي التأثير السلبي لموضوع الحسم الضريبي، وهو تحقيق "الأمان التقاعدي" للمواطنين الأميركيين، عبر خطوات تنظيمية عدة لبرامج التقاعد في القطاع الخاص، وعبر إنقاذ صندوق الضمان الاجتماعي وبرنامج العناية الصحية وتعزيزهما. فغور يقترح توجيه قسم من الفائض الحاصل من الجباية الضريبية لتعزيز رصيد صندوق الضمان الاجتماعي. يذكر هنا أن نظام الضمان الاجتماعي تأسس في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، والمواطن الأميركي يحصل بموجبه عند بلوغه سن التقاعد على دخل شهري تتفاوت قيمته بحسب سنوات العمل ومدى مساهمته السنوية في صندوق البرنامج. وفي حين تراكم على مدى الأعوام بعض الرصيد لهذا الصندوق، فإن تسديد المبالغ المستحقة شهرياً للمتقاعدين يتم في الدرجة الأولى عبر الاعتماد على مساهمات العاملين الحاليين. وبما أن الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية شهدت ارتفاعاً حاداً في مستوى الولادات، فإن إنتاجية جيل ما بعد الحرب ساهمت باستقرار نظام الضمان الاجتماعي في الربع الأخير من القرن العشرين. ولكن نسبة الولادات لدى هذا الجيل كانت منخفضة نسبياً، ما جعل اقترابه من مرحلة التقاعد ينذر بأزمة، إذ يتعذر توفير المعاشات التقاعدية لأبناء هذا الجيل من مساهمات الجيل الذي يليه الذي يقل عنه عدداً، ولاسيما أن تطور العناية الصحية رفع من نسبة المسنين في المجتمع الأميركي. ثم إن الحكومات الأميركية المتعاقبة عمدت الى الاستدانة من الرصيد الفائض لصندوق الضمان الاجتماعي في أيام بحبوحته.
الضمان الاجتماعي
ولكن الحديث عن الأزمة أخذ بالانحسار في الأعوام الماضية مع تحقيق فائض في الموازنة. وقد جعل غور من تبديد هذه الأزمة أحد الأهداف الرئيسية لبرنامجه، وتشير استطلاعات الرأي الى أن موضوع إنقاذ برنامج الضمان الاجتماعي أكثر أهمية بالنسبة لغالبية الأميركيين من الحصول على حسم ضريبي. ولا شك في أن رهان غور هو على صواب هذه الاستطلاعات.
ويعمد الديموقراطيون الى التشكيك بصدق نيات خصومهم الجمهوريين إزاء برنامج الضمان الاجتماعي، إذ يطالب المرشح الجمهوري عملياً بتمكين المساهم في البرنامج من استثمار مساهمته في الأسواق المالية، ويرى الديموقراطيون في هذا الطرح الذي يحظى بتأييد في الأوساط الشعبية نتيجة التقدم الهائل لأسواق الأسهم في العقد الماضي، دعوة مبطنة لتقويض صندوق الضمان الاجتماعي عبر تعريضه لمخاطر التقلبات التي قد تكون جسيمة في هذه الأسواق. إضافة الى التحذير من مخاطر طرح بوش، يتقدم غور باقتراح مضاد يمكّن العامل من تقديم مساهمة إضافية يجري استثمارها في أسواق الأسهم من دون المساس بحرمة صندوق الضمان الاجتماعي.
ويعتبر الجمهوريون أن غور يبدي التناقض في موقفه وقناعته بشأن المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة، فهو من جهة تعهد تعزيز صندوق الضمان الاجتماعي على أساس استمرار الرخاء والنمو، ولكنه من جهة أخرى، يرفض استثمار أرصدة هذا الصندوق في أسواق الأسهم خشية التفريط فيه على حد تعبيره، ما يشير الى عدم ثقته باستمرار الرخاء، ثم ان تقديم غور لاقتراحه المضاد، وفق رأي الجمهوريين، هو دليل على إمساك بوش بزمام المبادرة وشاهد على الاستجابة الشعبية لطروحاتهم. ويشيرون الى أنهم وضعوا غور في موقع رد الفعل في موضوع التربية أيضاً، إذ إن الموقف الجمهوري يدعو الى تقديم المساعدات المالية بشكل "قسائم دراسية" للأهلين الراغبين بتسجيل أطفالهم في المدارس الخاصة، وهو موقف يلاقي استحساناً شعبياً، ولكنه بنظر غور يتسبب باستنزاف التمويل المخصص للمدارس الرسمية، بدلاً من مضاعفة الدعم لها بما يكفل رفع مستواها.
تعزيز التعليم الرسمي... والانترنت
ويشكل موضوع التربية العنصر الثاني في البرنامج الذي أقره الحزب الديموقراطي. وضمّن غور هذا البرنامج مجموعة مفصلة من الخطوات الهادفة الى إحاطة الطلاب بالمعلمين من ذوي الكفاية وبالمناهج الدراسية الخلاقة وبالتجهيزات المتطورة، بغية رفع مستوى الطالب الأميركي. بما في ذلك الترخيص للمدارس ذات الإدارات الخاصة. ولكن المبدأ الثابت في اقتراحات غور هو تعزيز دور المدرسة الرسمية، ورفض طرح "القسائم الدراسية". وبطبيعة الحال فإن بوش سوف يعمد الى إظهار هذا الرفض على أنه إنكار لحق الأهلين في اختيار الطريقة المناسبة لتعليم أطفالهم.
ويستفيض البرنامج الديموقراطي في تفصيل الاتجاهات المتعددة التي يعتزم غور تنفيذها، في حال فوزه، في حقل التدريب والتأهيل والتعليم العالي، بدءاً من الرصيد الضريبي الذي سبقت الإشارة إليه، وصولاً الى إقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص تتولى مهمة ردم الهوة الفاصلة بين المنخرطين في الاقتصاد الجديد القائم على المعلومات والذين ما زالوا خارجه. كما أن غور الذي تولى في الأعوام الماضية ضمن حكومة الرئيس كلينتون ملف التطوير المعلوماتي يتقدم في البرنامج الديموقراطي بمزيد من الأفكار المستقبلية، بما في ذلك مشروع "البنية المعلوماتية العالمية"، ومشروع "الإنترنت التالي"، ومشاريع التقنيات الحياتية، مشدداً على ضرورة الاستثمار فيها لضمان الاحتفاظ بالتفوق الأميركي. ويتضح هذا التوجه المستقبلي كذلك بالعناية التي يوليها البرنامج للمسائل القانونية التي يطرحها التقدم المرتقب في هذه الحقول، ولاسيما الخطر الداهم على الخصوصية واحتمال حصول التمييز الوراثي. ويحاول غور إبراز الاهتمام بالاقتصاد الجديد من دون إهمال عنايته المستمرة بالاقتصاد القديم، مستعيداً سجله في إقامة المناطق الاقتصادية في النواحي الأقل تطوراً في الولايات المتحدة، وداعياً الى تعزيز دور المزارع الأميركي، وتحسين الأوضاع المعيشية في المناطق الريفية، وتطوير الأسواق الخارجية للمحافظة على الدور الصناعي للولايات المتحدة.
الحد من انتشار الأسلحة
وإذا صحّ أن الجمهوريين يمسكون بزمام المبادرة في موضوعي الحسم الضريبي والقسائم الدراسية، فإن الديموقراطيين هم حتماً أقرب الى رأي الأكثرية الشعبية في موضوع الأسلحة، ومطالبتهم بصيغة تضمن الحد من انتشارها خارج إطار المشروعية. بينما تقوم المعارضة الجمهورية نظرياً على أساس الدفاع عن الحق الدستوري بالاحتفاظ بهذه الأسلحة، التي غالباً ما تترجم عرقلة لأي خطوة هادفة الى ضبط تنظيم حمل السلاح. والموقف الجمهوري هو أن المجرمين لن ينصاعوا لأي تنظيم أو حظر، فتبقى الأسلحة بأيديهم وترفع من أيدي المواطنين المتقيدين بالقانون. ويهمل هذا الطرح واقع أن الكثير من الحوادث نتيجة طفرة الأسلحة ووقوعها في أيدي الأطفال. ويرجح أن لا يكون الفرز الحاصل في المجتمع الأميركي إزاء هذا الموضوع بين أقلية متشبثة باعتراض ضبط الأسلحة النارية وأكثرية محبذة لحصوله مسألة ذات تأثير في الانتخابات الرئاسية، وذلك لثبات الفريقين في مواقفهما وولائهما، للحزبين الجمهوري والديموقراطي على التوالي. وهذا الواقع ينطبق أيضاً على موضوع الحق بالإجهاض، الذي يحظى بتأييد الغالبية العظمى من الديموقراطيين، في مقابل الاعتراض عليه الذي تؤيده أكثرية نسبية ضمن الحزب الجمهوري.
فالبرنامج الديموقراطي يتضمن سرداً بالخطوات التي اتخذتها حكومة كلينتون للدفاع عن حق الإجهاض والسعي الى ضبط الأسلحة والحد من الإجرام ومكافحة آفة التدخين لدى المراهقين تحت عنوان التقدم، متعهداً استمرار غور بهذا النهج. وتحت هذا العنوان، يذكر البرنامج كذلك موضوعين يشير غور إليهما بغزارة في مواقفه الخطابية، أي البيئة والاقتصاد، وإصلاح نظام التمويل الانتخابي، إلا أنه ثمة تفاوت في الإنجازات التي تحققت في هذين الموضوعين، وفي احتمالات تطويرها في حال فوز غور. ذلك أن حكومة الرئيس كلينتون تمكنت من تطبيق نظام توافق بين البيئة والاقتصاد وكان لغور دوره في هذا المضمار، لكنها عجزت أو امتنعت عن خوض غمار الإصلاح المالي الانتخابي.
لا خلاف على السياسة الخارجية
أما القسم الثالث من البرنامج الانتخابي، وتحت عنوان "السلام" فمخصص للإنجازات والمواقف في السياسة الخارجية، بدءاً من كوسوفو، وصولاً الى الشرق الأوسط، مروراً بإيرلندا الشمالية، مع التشديد على أهمية العولمة، وتعزيز التحالفات القائمة، ومد اليد الى خصوم الأمس الصين خصوصاً والعمل على نشر الديموقراطية والاقتصاد الحر لتحقيق الازدهار العالمي، وتحديث القوى المسلحة، والعمل على إزالة المخاطر المتسببة بالفوضى وعدم الاستقرار بما في ذلك الحد من انتشار الأسلحة، ومكافحة الإرهاب، واعتراض تجارة المخدرات والأوبئة، ولا سيما الإيدز قبل اكتمال حدوثها، كشعار للسياسة الخارجية الأميركية.
وعلى رغم بعض التباين في المواقف، لمجرد غرض الاعتراض الخطابي أحياناً، فإن السياسة الخارجية ليست جوهر الخلاف بين الديموقراطيين والجمهوريين. فغالباً ما يشير الجمهوريون الى أن الاختلاف الأساس بينهم وبين الديموقراطيين هو في موضوع تثمين مبادرة المواطن وحرية قراره. ففي موضوع الضرائب، يعتبر الجمهوريون أن موقفهم الداعي الى الحسم الضريبي يمنح المواطن حرية التصرف بماله، بينما يشترط الديموقراطيون الانصياع لأهدافهم. وكذلك الحال في موضوع التربية، فالحزب الديموقراطي، على ما يراه الجمهوري، يريد أن تكون الدولة وصية على المواطن تفرض عليه ما تقرر أنه من مصلحته وتمنعه عن غيره، بينما يضع الموقف الجمهوري الثقة بالمواطن انطلاقاً من قناعته بحقه المبدئي التصرف بماله.
ويعتبر الديموقراطيون أن الجمهوريين يحاولون إغراء الأفراد أو تضليلهم أو استثارة جشعهم على حساب الصالح العام من أجل توفير الحسم الضريبي لقلة ثرية ليست بحاجة إليه. ولكن التعبير عن الموقف الجمهوري بهذا الشكل قد يؤدي بالديموقراطيين الى منزلق شعبوي يعرضهم للاتهام بإثارة الطبقية، فيكلفهم بالتالي تأييد "الوسط" الاجتماعي الاقتصادي العزيز على قلب كل من الحزبين. فالديموقراطيون فعلاً في موقع دفاعي على أكثر من صعيد، والمطلوب من غور أن يجد صيغة خطابية لمواقفه تسقط عنها صفة الوصاية على المواطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.