بلغ التنافس ذروته بين المرشحين للرئاسة الاميركية، ما يذكر بمعركة قاسية خاضها الرئيسان ريتشارد نيكسون وجون كينيدي. وظل الفارق بين المرشحين شبه معدوم على رغم الاداء الجيّد نسبياً للديموقراطي آل غور في المناظرة التلفزيونية الثالثة والاخيرة مع منافسه الجمهوري جورج بوش ليل اول من امس. وبدا ان المعركة لن تحسم إلا ميدانياً وتحديداً بأصوات ولايتين هما ويسكونسن وميشيغان اللتين بدأ بوش فيهما حملة مكثفة امس، فيما سعى المشرفون على الحملتين الى تنشيط القاعدة الحزبية وحضها على التصويت في محاولة لكسب فارق بسيط للفوز. شاهد الناخبون الاميركيون المرشحين الديموقراطي والجمهوري للرئاسة وجهاً لوجه للمرة الأخيرة قبل موعد الانتخابات في 7 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، في المناظرة التلفزيونية الثالثة التي قدما فيها كل ما لديهما من طروحات لتحسين الاوضاع الاجتماعية، من دون ان يأتي اي منهما بجديد. وبعد المناظرة، استنتج معهد "غالوب" للاستطلاع ان الناخبين ما زالوا منقسمين بشكل شبه متساو. وأعطى شكل المناظرة التي سمحت للطرفين بالتنقل على المنصة اثناء الاجابة على اسئلة مواطنين، فرصة للمرشح الديموقراطي آل غور بأن يصول ويجول، ما خفف من جموده المعروف وبدا أقل وجوماً. أما المرشح الجمهوري جورج بوش، فكان يتقدم باتجاه السائل ويجيب على السؤال واقفاً من دون ان يقوم بحركات مقدمي برامج ال"توك شو" الأميركية. ومنذ اللحظات الأولى، بدا أن غور يريد أن يتبع اسلوباً هجومياً على خصمه بعدما فشلت جهوده في المناظرتين السابقتين لتعزيز شعبيته لدى الرأي العام، نتيجة ظهوره بمظهر الهادئ وغير المتعجرف، ما عرضه لانتقادات. وعاد غور للبس ربطة عنق حمراء بدلاً من زرقاء كما في المناظرة الثانية. أما بوش فالتزم بربطة حمراء خلال المناظرات الثلاث. وسيطرت مواضيع محلية على المناظرة، حاول خلالها غور اظهار قدرته في ادارة الحلقات من طريق ذكر ارقام واحصاءات. وشدد على اظهار وجهات الخلاف بينه وبين بوش الذي اعتمد في أجوبته وردوده على الحريات، لينتقل في كل مناسبة الى التركيز على الفارق بينه وبين الاخير. وخلال المناظرة التي استغرقت تسعين دقيقة، كرر بوش مرات عدة ان غور يفضل توسيع حجم الحكومة. وصوّره على أنه مبذر كبير مما سيزيد العجز ويبدد الفائض الحاصل. وشدد بوش في المناظرة على انه سيكون توحيدياً ويعمل مع الحزبين لانجاز ملفات تهم المواطن الاميركي بدل "التناحر السياسي". وذكر أيضاً بالأمور التي وعد بها كلينتون وقررت ولم تنجز خلال السنوات الثماني الماضية وبينها اصلاح الرعاية الصحية وقانون الضمان الاجتماعي. وكرر بوش مرات عدة الجملة "الفرق بيننا، اني استطيع أن أنجز شيئاً ايجابياً للشعب. هذا هو السؤال في حملة الانتخابات هذه". ولجأ غور الى انتقاد سجل بوش في ولاية تكساس التي يحكمها الاخير، وخصوصاً في مواضيع التعليم والرعاية الصحية، وهو الاسلوب ذاته الذي اتبعه في المناظرة الثانية واعتقد معاونوه أنه أدى غرضه. وذكر غور ان ولاية تكساس تقع في المرتبة الخمسين في الولاياتالمتحدة في موضوع تأمين الرعاية الصحية. ورد بوش بالقول ان المهم هو تقديم الرعاية الصحية وليست بوليصة تأمين. وتساجل المرشحان بقوة حول موضوع من يستفيد من خفض الضرائب. وأصر غور ان مشروع بوش لخفض الضرائب يهدف الى افادة الاغنياء في الولاياتالمتحدة والذين يمثلون واحداً في المئة من الناس. ورد بوش منتقداً اياه بأنه "منفق كبير" وان خفض الضرائب يجب أن يطال الكل. وأيد المرشحان قانون عقوبة الاعدام ووصفاه أنه يشكل رادعاً للجريمة ويخفض من معدلها. ولم تحظ السياسة الخارجية بقسط كبير في المناظرة، على رغم الأحداث العالمية وتحديداً في الشرق الأوسط، باستثناء سؤال وجه للمرشحين عن كيفية تصرفهما لمواجهة ما يحصل في الشرق الأوسط. وشدد بوش على خصوصيات القيادة وضرورة الوقوف الى جانب الأصدقاء وتحديداً اسرائيل، اضافة الى الالتفات الى الدول العربية المعتدلة. وأيد جهود الرئيس كلينتون لايجاد حل للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي لأنه "من الضروري التحدث بلغة واحدة في هذه الأيام". اما غور فابتعد في جوابه عن الخوض في التفاصيل وتحدث عن دعم القيم الاميركية والحريات وحقوق الانسان. ساد انطباع ان غور سيطر على المناظرة الثالثة، ولكن وجد انقسام حول ادائه. وبالفعل تحدث غور بشكل أطول على رغم وجود مهلة دقيقتين للردود. واضطر المحاور المذيع جيم ليهرير الى تذكير غور مرات عدة بالتقيد بتعليمات المناظرة. اتجاهات الناخبين لكن هل استطاع أي من المرشحين تغيير آراء الناخبين؟ أجمع المراقبون والمحللون على ان معظم الناخبين حسموا خيارهم من خلال الالتزام الحزبي وتأييدهم لبرامج المرشحين التي عرضت خلال الحملات الانتخابية. ولم تتبق الا نسبة لا تزيد عن الخمسة في المئة من "غير المؤيدين" أو "المتأرجحين". وكل هذه الاتجاهات تشير الى أن المعركة الرئاسية لا تزال صعبة التكهن وستكون الأكثر سخونة منذ المعركة بين الرئيسين الراحلين ريتشارد نيكسون وجون كينيدي والتي فاز فيها الاخير بأقل من 80 ألف صوت. وفي استطلاع أجرته شبكة "اي بي سي" الاخبارية التلفزيونية، تعادل المرشحان ب41 في المئة، ما يشير الى أن غور صحح الانطباع الذي ساد بعد المناظرة الثانية حين اعتبر 46 في المئة ان بوش فاز، في مقابل 30 في المئة لغور. وأجرت الشبكة ذاتها استطلاعاً فورياً بين ناخبين مستقلين، أظهر ان غور فاز في المناظرة بنسبة 47 في المئة في مقابل 44 في المئة لبوش وهي المرة الأولى التي يفوز فيها غور مع ناخبين مستقلين. ويعتقد استراتيجيو الانتخابات من الحزبين ان العامل الأساسي للفوز هو تنشيط القاعدة الحزبية وحضها على التصويت يوم الانتخابات للتعويض عن الانقسام الحاصل بين الناخبين والتعادل المسيطر. واستمر التمايز بين الرجال والنساء، فما زال بوش يتمتع برصيد كبير من اصوات الرجال، بينما تميل النساء الى الحزب الديموقراطي عموماً ومرشحه غور.