العنصران الأساسيان في القضية الفلسطينية، هما: الشعب والأرض. في ما يتعلق بهذه الأخيرة "الأرض"، لا نعتقد أن هناك خلافاً مع أي طرف على أهميته، بل وجوب تحصيل ما يمكن تحصيله من الأرض المغتصبة لإقامة دولة أو كيان، بشرط ألا يأتي هذا على حساب العنصر الآخر، وهو الشعب الفلسطيني. ولعلنا لا نغالي إذا قلنا إن الخلاف الجوهري، في المحصلة، يتمثل في النتائج كافة المترتبة على هذه الإشكالية: إشكالية سبق أحد عنصري المعادلة على الآخر، من حيث ترتيب الأولويات، وإذا كان من تأكيد، هنا، فهو عدم ترجيح أحد عنصري المعادلة، أو عدم تغليب أحدهما على الآخر. إذ كلاهما مهم وأساسي. نقول هذا، لأن الاتجاه العام والمعلن في أوساط السلطة الفلسطينية، هو التركيز على عنصر "الأرض"، وتأجيل الحديث عن العنصر الآخر، والذي قلنا إنه الشعب الفلسطيني "اللاجئ" سواء في الداخل أو في الخارج، وهو الاتجاه الذي بدا بصورة واضحة: بدأ من قمة "واي ريفر" الى قمة "كامب ديفيد-2" لاحظ غياب مسؤول ملف اللاجئين عن الوفد الفسطيني المشارك في هذه الأخيرة. ونحن إذ نحاول إثارة هذه الإشكالية، هنا، إلا لأنها قيد البحث، في ما يبدو، بناء على الظروف والملابسات كافة التي بدت بوضوح في "كامب ديفيد -2"، وهو الأمر الذي لا يعني سوى أن الاستحقاقات باتت وشيكة، ومن الممكن أن تصل خلال الفترة المقبلة الى الاستحقاق الكبير، نعني مبادلة "بعض الأرض" بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني "اللاجيء". ولعل ذلك هو أحد أهم الدوافع الرئيسية وراء الموقف الإسرائيلي الرافض - ظاهرياً - لخطوة إعلان الدولة الفلسطينية، خصوصاً أنه موقف غير مبرر واقعياً وموضوعياً.. كيف؟ في كل الأحوال، لن يعود اللاجئون إلى "إسرائيل" ...، هذا ما قاله باراك مراراً. وبحسب زئيف شيف، الخبير العسكري في صحيفة "هآرتس"، ومجمل التصريحات الرسمية للجنرال باراك ووزرائه، فإن: "الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح، ويحظر عليها إقامة معاهدات عسكرية، باستثناء الاتفاق الأمني مع إسرائيل، أو مع إسرائيل والأردن في إطار نظام أمني إقليمي، أما القدس، فستبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، وسيكون هناك توافق على التعامل مع الأماكن المقدسة في إطار صيغة الفاتيكان" لاحظ ردود الفعل المتولدة في إسرائيل، إزاء الاقتراح الاميركي في شأن القدس. بناء على ذلك، نود أن نطرح الفرضية التالية: تُرى، ما هي الاحتمالات المتوقعة، أو التي يمكن توقعها، في حال إعلان السلطة الوطنية الفلسطينية، نفسها، دولة الفلسطينيين المستقلة على أرض فلسطين في 13 أيلول سبتمبر المقبل؟ هي مجرد فرضية، والتساؤل المعبر عنها سياسي، وليس حقوقياً، ذلك أن السلطة الفلسطينية لها كل مقومات الشرعية الدستورية: فرئيسها منتخب، ومجلسها التشريعي منتخب. وإذا أردنا الاسترسال في الجانب الحقوقي الدستوري، فإن الدولة الفلسطينية التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية، في اجتماع مجلسها الوطني في الجزائر العام 1988، اعترفت بها دول كثيرة أكثر من مئة دولة، مباشرة أو غير مباشرة، أكثر - ربما - من الدول التي تعترف بإسرائيل وتتبادل معها العلاقات الديبلوماسية، بل إن كلاً من الإعلان، والاعتراف لا يزال قائماً، ولم يتم التراجع عنه. ولعلنا لا نغالي إذا قلنا إنه على رغم كون الإعلان عن الدولة سيتسم بالطابع القانوني، إلا أن الاعتراف القانوني بوجود دولة فلسطينية - على رغم أنها محتلة - يكتسب أهمية قصوى تجاه مسألة الدولة، فهي - ينبغي أن نلاحظ - قائمة ومعترف بها، من وجهة نظر معظم دول العالم، بصرف النظر عن أنه يتم التفاوض حولها في إطار "عملية السلام" ألا يتم التعامل مع الرئيس الفلسطيني ك"رئيس دولة". نتوقف، إذاً، عند الفرضية بمعناها السياسي. وهنا، نكون - مباشرة - في مواجهة التساؤل: ما هي احتمالات التصادم، عندئذ؟ عندئذ، وكما يتوقع الكثيرون، فإن ثمة رد فعل إسرائيلياً عنيفاً، سوف يتبعه رد فعل فلسطيني عنيف آخر، بحيث تتصاعد التوجهات المتشددة، ويسيطر التطرف لا سيما في ظل ما سوف يروجه التيار اليميني المتشدد من أن أمن إسرائيل يتعرض للخطر. وتكون النتيجة هي الدفع بالمتطرفين، القوميين والدينيين، مرة أخرى إلى "الحكم" في إسرائيل، لتعود الدائرة المفرغة التي أوصلت "عملية السلام" الى طريق مسدود. وعندئذ، فإن الاحتمال الأرجح، هو عودة الجيش الإسرائيلي الى احتلال مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. إذ أن "أذكياء" حزب العمل، كانوا وضعوا نوعاً عجيباً من "شرعية" عودة الاحتلال، اسموه "إعادة الانتشار" للجيش الإسرائيلي، وليس "انسحابه". وهو تحوط يمكن - بسهولة - وصفه ب"العجيب"، من حيث اشتراطه، ومن حيث الموافقة عليه. لا لأن وطن الفلسطينيين الراهن، يحتوي أكثر من ستين ألف بندقية، وآلاف المقاتلين وسط ديارهم وقراهم ومدنهم، وإنما لأن عودة الاحتلال الى ما كان عليه ليس إنجازاً أو انتصاراً. ليس إنجازاً، لأن اتفاقات أوسلو، وما بعدها، هي إعلان حقيقي من جانب إسرائيل بأن الاحتلال فشل فشلاً مطلقاً في إذابة القضية الفلسطينية، كما أنه "عودة الاحتلال" ليس انتصاراً، لأنه فشل - من قبل - فشلاً مطلقاً في توفير الأمن ل"الإسرائيليين"، ولا نقول ل"إسرائيل" بطبيعة الحال. ثم، إذا كانت عودة الاحتلال، في ما يبدو، سوف تكون هي الحل، فلماذا فاوض، وما يزال يفاوض، الإسرائيليون: على إعادة "بعض الأرض"، وإعادة "بعض السيادة"، وإعادة العلم الفلسطيني، بل والمشاركة في مفاوضات الوضع النهائي، مع طرف اسمه "الفلسطينيون"، وعلى أرض لا يزال "الإسرائيليون" يقولون عنه "أرض إسرائيل"، وحول مستقبل شعب يصرون على تسميته ب"سكان المناطق" .... فرضية إعلان الدولة الفلسطينية في موعدها المقرر، هي إذاً أكثر من ضرورية، على الأقل، حتى لا يفقد هذا الإعلان صدقيته، فينسحب ذلك على "الدولة"، وعلى مؤسسيها، أيضاً. فما الذي يمنع قيام هذه "الدولة - النواة؟"، ولماذا يتم حرمان شعب من تقرير مصيره على أرضه؟ ولماذا يصر البعض على اللعب بورقة "الدولة الفلسطينية" كحركة "مناورة خشنة"؟! * كاتب مصري.