يروى أن اثنين كانا يسيران معاً ورأيا شيئاً بعيداً عنهما، فقال الأول لصاحبه: ألا ترى تلك العنزة، فرد عليه الثاني: بل ذاك غراب وليس عنزة. واحتدم الخلاف بينهما، ذاك يقول عنزة والثاني يقول بل غراب، فلما طار ذلك الشيء قال الثاني للأول أرأيت بل كان غراباً، فما كان من الأول إلا أن تعصب لرأيه حتى وهو موقنٌ بأنه على خطأ وقال: "بل عنزة حتى وإن طارت". فصار هذا القول مثلاً بين الناس يُضرب على من يتعصب لرأيه حتى وهو موقن ببطلان ما يرى. وكثيرون هم من يتعصبون لأنفسهم او قبيلتهم او حزبهم حتى وهم يعلمون ان ما يتعصبون له باطل. فهذا قاضٍ يحكي لي وبمرارة انه طلب نقله من محافظة الى محافظة اخرى في بلدنا الحبيب، لأنه بات يخشى على نفسه القتل من اصحاب رتب عالية ينتمون الى قبيلة قُتل منها قتيل، والقاتل من قبيلة اخرى. فما كان منهم إلا ان حاصروا المحكمة بأعداد كبيرة من المسلحين بالرشاشات، مطالبين القاضي بتسليم القاتل ليقتلوه بأيديهم ضاربين عرض الحائط بالقضاء والقوانين والشرع، وهم من كان اجدر بهم ان يحموا القوانين ويجعلوا القضية تأخذ مجراها القانوني العادل. لكنه منطق القوة والتعصب فوق استقلالية القضاء، وفوق شعارات دولة القانون والمؤسسات. وقصة اخرى عاشها طلبة وطالبات المعهد الصحي بتعز، يوم دعم حزب كبير احد الفاسدين، واتهم بقضية تحرش جنسي باحدى طالبات المعهد .... ومن هذا يتضح لنا ان هناك احزاباً مستعدة ان تغطي فساد من ينتمي اليها لتحافظ على سمعة الحزب. وتجعل هذه الاحزاب مصلحة الحزب فوق مصلحة الوطن وثوابت الشعب الدستورية. وما قصة "الثقافية" ورواية "صنعاء مدينة مفتوحة" عنا ببعيد. فالضجة الاعلامية الكبرى التي احدثتها وزارة الاعلام اليمنية، ومن تبعها من الصحف، ضد العلماء، وتحديداً ضد الشيخ عبدالمجيد الزنداني تحت مسمى حرية الصحافة وحماية الابداع الثقافي والادبي وعدم الحجر على عقول الآخرين ومصادرة حرياتهم الابداعية بالتكفير. والحق ان "الثقافية" ارتكبت محظوراً شرعياً بنشرها لتلك الرواية التي تسيء للذات الالهية، باجماع العلماء. لكن نظراً لانتمائها الحزبي للمؤتمر الشعبي الحاكم، ولكونها تتبع وزارة الاعلام، يأتي وزير الاعلام الى المحكمة ليحشر انفه ويعترض على قرار المحكمة، ويلتف على القوانين ولا يحترم استقلالية القضاء .... ويرفض الخروج من المحكمة إلا ومعه سمير اليوسفي رئىس تحرير "الثقافية". وتشن بعدها صحف الوزارة وكل متعصب لها حرباً لا هوادة فيها على أعداء الحرية والابداع! ويتناسون ان صحفاً كثيرة منها صحيفة "الشورى" وصحيفة "الأيام" وصحيفة "يمن تايمز" وصحيفة "البلاغ" يحاكم الصحافيون الذين يكتبون فيها، ويحبسون، وتغلق بعض هذه الصحف اشهراً، ومع ذلك ما دافع عنه احد، ولا عن حرية الصحافة، ولا عن حرية الابداع، لماذا؟ لأنهم بكل بساطة لا ينتمون الى المؤتمر الشعبي العام .... عبدالغني المجيدي - يمني مقيم في جد