في المؤتمر الذي عقده في فيلادلفيا، رشح الحزب الجمهوري حاكم ولاية تكساس جورج بوش الإبن لرئاسة الولاياتالمتحدة. وهناك دلائل كثيرة تشير الى أنه سيصبح الرئيس المقبل للولايات المتحدة وبالتالي سيطبق برنامج حزبه المتعلق بدعم قوي لحملة تطيح صدام حسين عن السلطة. فمثل الكثير من الجمهوريين المجتمعين في فيلادلفيا، يعي جورج بوش بأن سياسة أميركا تجاه العراق قد باتت في تخبط وفوضى. فمفتشو الأممالمتحدة الذين طافوا أرجاء العراق بحثاً عن الأسلحة الممنوعة قد طردواو ويُشك في إحتمال عودتهم الى القيام بواجباتهم. فالسياسة الأميركية الساعية الى "إحتواء" عراق مشاكس عن طريق التفتيش والعقوبات الإقتصادية، والتي يتخللها بين فترة وأخرى قصف جوي ومحاولات إنقلابية موسمية وفاترة، قد باءت بالفشل. وبات واضحاً بأن الحل الوحيد ازاء الخطر الذي يشكله صدام يكمن في خطة عازمة ومستمرة لإزاحته عن السلطة. بات تحالف مجلس الأمن، الذي قام في وقت مضى لمواجهة صدام، ممزقاً اليوم حول فرض إذعان العراق لقراراته الدولية الشجاعة وإن كانت غير مقنعة المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل. اما اللجوء في بعض الأحيان إلى القصف الجوي لفرض إدخال لجان التفتيش الدولية على العراق فساعد صدام على الخروج من كل أزمة أقوى مما كان قبلها. إن الدعم الدولي للعقوبات الدولية، ونتيجتها الظاهرة في إفقار الشعب العراقي، قد تبدد. واذا لم نجد سياسة بديلة ومؤثرة، فإن صدام بأسلحته الكيماوية التي أخفاها عن المفتشين وحماها من القصف الجوي، سيبرز من حطام سياسة "الإحتواء" كأنه المنتصر الحتمي في "أم المعارك" وسيستمر الكابوس على شعبه وعلى المنطقة. إن تصور المخاطر الكامنة في السماح لصدام حسين بإعتلاء سدة الوجود المهيمن في الخليج عملية مرعبة ورهيبة. هذا الشخص الذي أعدم الألوف من مواطني العراق، وأستخدم غاز الأعصاب ضد مدن كاملة، واعتدى على جيرانه وضرب آخرين بالصواريخ، ولا يزال يسعى الى الحصول على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية، حتماً يستحق رد أقوى من تضييقات تجارية وصواريخ كروز ومحاولات لإرضاءه من قبل كوفي عنان. خلال السنوات الإثنتين المنقضية كان المحور الرئيسي في ما يتعلق بالعراق هو إلتزامه بقرارات الأممالمتحدة حول برامج الأسلحة المحظورة. ولكن حتى بوجود المفتشين في داخل العراق لم يكن هناك إحتمال جدي بالكشف عن أسلحة الدمار الشامل لدى العراق. فالعراق بلد كبير والمساحة المطلوبة لإخفاء هذه الأسلحة صغيرة. إن المعلومات الإستخباراتية التي قدمها صهر صدام الهارب دفعتنا لفترة وجيزة إلى ما نبتغيه، ولكن صدام رد بإيقاف التفتيشات المبنية على اخباريات حسين كامل ونقل الدلائل والوثائق التي تدينه الى مخابئ جديدة. واذا عادت لجان التفتيش الى عملها في العراق فإن مثلهم سيكون كالذي يبحث عن إبرة في كومة من التبن. وفي إستطاعة صدام ان يفرض "فيتو" فعلياً على من سيفتشه، ما أدى إلى إختيار خلف ضعيف لبتلر، يجعل من فكرة برنامج تفتيش قوي ومستقل مجرد أضحوكة. وحتى إذا إستطعنا أن نحدد مخابئ الصواريخ أو الأسلحة الكيماوية والبيولوجية فهذا لا يعني بالتالي أننا سنستطيع أن نصادرها أو تدميرها. فإذن، ماذا علينا أن نفعل؟ ما هي السياسة الجديدة التي ينبغي علينا إتباعها كبديل ل "إحتواء" وهمي يستطيع صدام فيه ان يتابع برامجه لأسلحة الدمار الشامل بدون رقيب فيما تنجرف سياسات الغرب في الهزيمة وتنهار العقوبات تلقائياً؟ على الولاياتالمتحدة وحدها إذا إقتضت الضرورة، ومع أصدقائها إن أمكن، ان تساند المعارضة العراقية بشكل عاجل وجاد. علينا أن ننظّم ونموّل ونجهّز وندرّب ونحمي معارضة عراقية تمثل الشعب العراقي كافة. ان نجاح مشروع كهذا ليس سهلاً ولا مؤكداً. ولكن في هذا المشروع عنناصر للنجاح اكبر من حملة قصف جوي جديدة أو مساع لحبك مؤامرات ضد صدام بين ضباط عراقيين متقاعدين. إن مشروعاً جدياً لإطاحة نظام صدام يبدأ بتشجيع فصائل المعارضة المختلفة بالإنسجام وراء قيادة وخطة صلبة. عليهم ان ينحّوا جانباً اختلافاتهم التي تشلّ عملهم كشرط للدعم الغربي. وفي غياب دعم كهذا وفي حال بلغت معارضة حد اليأس ليس من المفاجئ ان يتشاجر الأكراد حول موارد قليلة وان يحاول سياسيون في المنفى الاستيلاء على القيادة. إن مفتاح وحدتهم هو الوعد بدعمهم في مساعيهم ضد صدام. ولتمويل تحالف للمعارضة، علينا صرف البلايين من الأموال العراقية المجمدة، كما علينا أن نرفع العقوبات الدولية عن أي مناطق غير خاضعة لسيطرة صدام. إن معظم نفط العراق يقع في مناطق لا يسيطر عليها صدام أو من السهل أن يفقدها إذا وجدت حكومة للمعارضة فيها. وهذا سيولد إنتعاش إقتصادي كبير وسيجذب الهاربين من نظام صدام ولا سيما العسكريين منهم. علينا ايضاً أن نقدم الدعم اللوجستي والعسكري للمعارضة العراقية. مر عامان على إصدار قانون تحرير العراق من جانب الكونغرس ووقعه رئيس الجمهورية لتحقيق هذه الغاية. وللأسف، عارضت الإدارة الحالية أي تطبيق فعلي لهذا القانون وعملت على تشويهه. إن جورج بوش سيعكس هذه السياسة وسيقدم الدعم الشامل لمعارضي صدام. وأخيراً علينا أن نكون مستعدين لإستخدام القوة الجوية لحماية المعارضة في أي بقعة تتمكن من تحريرها. لن يسمح صدام لأي إدارة للمعارضة بالعمل من دون أن يحاول تدميرها. ولكن إذا أراد أن يسترد هذه المناطق المحررة، عليه أن يحشد دروعه بكمية وافية لطرف مهاجم يستعد أن ينقض على طرف مدافع. هذا الأمر سيجعل قواته التي لا يستطيع أساساً الإعتماد عليها عرضة لنيران الطائرات الغربية. إن المناهضين لهذه الخطة يتوقعون أن تحصل كارثة إذا تبين أن الغطاء الجوي وحده غير كاف على حماية المعارضة من جيش صدام. ولكنهم يخطئون بتصورهم بأن المعارضة ستسعى الى اشتباك واسع مع القوات العراقية في حين أن الموقع الدفاعي أجدى بكثير. الحقيقة تقضي بأن ليس في وسعنا أن نحارب كل حروب العالم كما نود. ولكن في وسعنا أن نساعد هؤلاء الذين يشاركونا قيمنا الديموقراطية. لا نحتاج لأن نرسل قوات برية كبيرة إلى العراق عندما يوجد وطنيين عراقيين مستعدين لتحرير بلدهم, ولكن الحاجة الى عدد محدود من القوات الخاصة أمر وارد. إن الإعتراض الرئيسي على هذه الخطة هو أنها لن تنجح لأن المعارضة ضعيفة وغير مقتدرة. طبعاً هذه هي حال المعارضة، وتنطبق هذه الحال نفسها على المعارضة لتشاوسيسكو حتى لحظة سقوطه في رومانيا. إن المشككين يتغافلون عن القوة التي تكتسبها المعارضة في حال الحصول على الدعم الغربي. لقد تمكن المؤتمر الوطني العراقي من إحراز درجة مؤثرة من التكاتف والتوجه الجدي، وهو فعل ذلك بدون الإسناد المرجو عن طريق قانون تحرير العراق. وبهذا الإسناد، الذي سيأتي حتماً في إدارة بوش المقبلة، سيستطيع المؤتمر مواجهة صدام مباشرة. إن إدارة كلينتون ومسانديها لا يعون القوة الكامنة في تحد جرئ وجدير بالثقة لأهم أساس في نظام صدام، وهو الإحساس بين العراقيين بأنه لا يقهر. وعندما يرى الشعب العراقي بأن هذا التصور غير صحيح، سيتحول الخوف إلى إندفاع لإطاحة أحد أبشع الطغاة في تاريخنا الحديث. تُدان الولاياتالمتحدة احياناً لعدم اكتراثها بمعاناة المسلمين. إن مسلمي العراق قد عانوا بشكل رهيب تحت نظام صدام. إن جيران العراق المسلمين مهددون بإعتداءاته. وتستطيع أميركا أن تبين إهتمامها بشعوب العراق والخليج عن طريق مساعدة المقاومة العراقية على تحرير أرضها. ولكن نحتاج الى إدارة جديدة لفعل ذلك. * مساعد وزير الدفاع في عهد ريغان ومستشار المرشح الجمهوري للإنتخابات الرئاسية جورج بوش.