من الأمور التي لا يعرفها إلا قلة قليلة من الأصدقاء المقربين، انني من هواة المطبخ وانني انتهز أوقات الفراغ وما أقلها في مهنة الصحافة، كي أجرب وصفات جديدة في وقت متأخر من الليل بعد أن تكون زوجتي نامت والاولاد، وبالتالي فإن أي كارثة أقع فيها، تمكن إزالة آثارها تحت جنح الظلام. واعترف بأن نسبة النجاح في تجاربي المطبخية عالية جداً، إذ انني لا اكتفي بتطبيق الوصفات الجديدة التي اعثر عليها في المجلات والكتب المتخصصة، وإنما اعدل فيها وابدل في مكوناتها ضمن حدود معقولة. واعترف أيضاً بأن شهية الزملاء في مكتب لندن مفتوحة دائماً، ذلك أن الأطباق وخصوصاً الحلويات التي لا تجد رواجاً في البيت، تجد من يستهلكها على وجه السرعة بمجرد دخولها إلى ادراج مكتبي. ولذلك كان من الطبيعي أن أبحث عن كتب الطبخ الجديدة من جميع أنحاء العالم، خصوصاً تلك الصادرة بالانكليزية وتتناول المأكولات الشرق اوسطية التي أخذت تشهد في السنوات الأخيرة إقبالاً ملحوظاً في أوروبا. ومهمتي في هذه الحال، متابعة التغييرات التي يدخلها الطهاة الأجانب على الأطباق العربية المعروفة، وبالتحديد، المطبخ اللبناني الذي يحظى بشهرة عربية وعالمية. وكان اهتمامي كبيراً عندما تلقينا في "الحياة" رسالة الكترونية تدعونا إلى مراجعة كتاب صادر في أميركا عن المأكولات اللبنانية. وبالفعل طلبنا نسخة للمراجعة، فوصلتنا بعد نحو عشرة أيام. وكم كانت دهشتنا كبيرة لأن الكتاب لجهة الشكل والطباعة، لا يقارن أبداً بعشرات الكتب الفاخرة التي تصدر في أوروبا عن المأكولات الشرق اوسطية. إذ أنه مطبوع على ورق عادي، ومجلد بالتخريم والشبك، وليست فيه أي صورة ملونة، بل ولا حتى أبيض وأسود باستثناء بعض الرسوم التوضيحية البسيطة جداً...! ومع ذلك أثار الكتاب اهتمامي فقرأته متمعناً، ووجدت انه يستحق الكتابة عنه لا للاعتبارات السالبة التي ذكرتها أعلاه، بل لمسألة أخرى مهمة جداً اعتقد أن معظم الذين كتبوا عن المطبخ اللبناني لا يستطيعون التعامل معها، وهي ان الوصفات في هذا "الكتيب" تعود إلى المهاجرين اللبنانيين والسوريين الأوائل الذين وصلوا إلى أميركا في مطلع القرن وظلوا يتناقلون الوصفات جيلاً بعد جيل من دون أي تعديل. فالوصفات، أو معظمها، تعكس أساليب الطهو القديمة كما كانت في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ولتوضيح القصة أكثر، مؤلفة الكتاب اغنيس جونز 1911 - 1991 ابنة مهاجرين لبنانيين وصلا إلى الولاياتالمتحدة في مطلع القرن العشرين، واستقرا هناك وأنجبا 14 ولداً كانت اغنيس الثانية في ترتيبهم. وقد تعلمت من والدتها وأقربائها الآخرين اساليب الطبخ اللبناني كما كانت معروفة آنذاك، وعملت مع زوجها خلال حياتها الطويلة في محال لبيع المأكولات اللبنانية. ومع أنها ادخلت تعديلات على وصفات الطبخ، إلا أن الأفكار الأساسية كانت لتلك الفترة البعيدة. وهذا الكتاب صدر عام 1983، ويعاد اصداره اليوم مع إضافات ادخلتها بناتها وقريباتها، كنوع من الاحتفال بالألفية الجديدة. وتشير الوصفات وطريقة ترتيبها في الكتاب إلى أن المؤلفة الراحلة إنما ارادتها دليلاً سريعاً وسهلاً لأبرز المأكولات اللبنانية. ويمكن القول إن هناك الكثير من الكتب الأخرى الحديثة التي تفوق الكتاب في هذه الناحية. لكن أهمية الكتاب بالنسبة إلى المهتمين بفن الطبخ وتاريخه تكمن في أنه ذو بعد تاريخي، أي أنه يحمل ملامح الأطباق اللبنانية السورية كما حملها المهاجرون الأوائل إلى القارة الأميركية في مطلع القرن الماضي. حتى الآن لم أجرب بعض الوصفات الموجودة في الكتاب، لكنني سأفعل قريباً... وربما أخبركم عنها في حال نجاحها. ومن المحتمل انني سأبدأ بتلك التي لم أكن قد سمعت بها من قبل، أو تلك التي اعتدنا عليها بمكونات مختلفة عما هو وارد في الكتاب: متبل بندورة، شوربة الحمص، شوربة الحمص والبندورة، كبة مطبوخة بالحمص، مظلوم، عدس وبندورة، نمورة بالبيض... وغيرها. ولنأخذ "النمورة" كمثال على ذلك. فهذه الحلوى الشعبية تعرف بأسماء مختلفة في أنحاء العالم العربي، منها الهريسة والبسبوسة... الخ. وهي تصنع من السميد مع الحليب أو اللبن، أو خليط من هاتين المادتين. وللمرة الأولى اسمع أنها تخلط مع البيض كما في هذا الكتاب. وعنصر الغرابة هنا ان النمورة المعروفة لدينا تبقى صالحة للأكل من دون ثلاجة لأيام عدة، وأشك في أنها ستكون كذلك بعد إضافة البيض إليها... ومع ذلك سنجرب. أما طبق المتبل بندورة فهو أشبه بالصلصات المنتشرة حالياً في أوروبا وأميركا، وأظن أنها وصلت إلى الشرق الأوسط. والطريقة التي يقدمها الكتاب تأخذ في الاعتبار الأذواق المختلفة من حيث البهارات الحادة أو المعتدلة، مع إمكان إضافة أنواع أخرى من الخضار عند الحاجة. ولفت نظري أيضاً وجود أكلة "المأمونية"، وهي كما أعرف طبخة حلبية بامتياز. ولعلها كانت منتشرة في الأراضي اللبنانية في مطلع القرن الماضي. والفارق الوحيد بين وصفة الكتاب والوصفة التي أعرفها أنا وقد تعلمتها في فندق الشهباء - الشام في حلب ان مؤلفة الكتاب تستعمل السميد الناعم، بينما الوصفة الحلبية تستعمل السميد الخشن. وبما انني سبق وجرّبت النوع الناعم من قبل، وفشلت فشلاً ذريعاً... فسوف أقدم على تنفيذ وصفة الكتاب بصورة حذرة، لعل وعسى! قد لا يثير الكتاب، بشكله المتواضع، اهتمامنا، غير أنه يستحق التأمل والتمعن والبحث من قبل الذين يهتمون بالطبخ كفن وهواية... وليس فقط لملء البطن. The Original Lebanese & Middle East Millennium Edition Cook Book by: Agnes John