اقتحامية: هذا هو الوصف الأفضل الذي يمكن التعبير به عن شخصية هذه المغنية اللبنانية التي فرك الكثير من مشاهدي التلفزيون في لبنان والعالم العربي عيونهم وآذانهم وهم يشاهدونها. كان الفيديو كليب الذي طلعت به أغنية "بدّي دوب" جريئاً، في الصورة أولاً، وفي نوعية الكلمات واللحن، حتى بدا أن التباساً حصل وان هذه الحسناء هي أجنبية طاب لها ان تغني بالعربية، فغنت ورقصت وعبّرت عن عواطفها في شكل جديد، مختلف، مفاجئ. وثمة مَن رآه مِن المشككين عبارة عن كسر "مزراب العين" أو تجسيداً لمقولة "خالف تعرف"، فخالفت هذه الصبية، وعُرفت، وانتهت الحكاية! غير أن كل هذه الأمور لم تكن شيئاً بالنسبة الى اليسار خوري التي اختارت اسم أليسّا اسماً فنياً لها. لم تكن شيئاً لأن طبيعة أليسا الشخصية لا تختلف عن طبيعة هذه الأغنية وهذا الفيديو كليب وتلك الحيوية الشبابية: "حاولت أن أعبّر عن نفسي وعن أحلامي وعن طبيعتي، لا أن أتقمّص امرأة أخرى تغني للعذاب والهجر والفراق والانتظار الذي لا ينتهي"، تقول أليسا وهي تتحرك على كرسيها اكثر من ستين مرة في الستين دقيقة: "أشعر أنّ في داخلي أمواجاً تتدفق ولا تتركني حتى أن أجلس بهدوء... هل يتصوّر أحد ذلك"، تضيف أليسا مؤكدة أن ما تقوم به في الفن هو مرآة حقيقية بلا أي رتوش أو كذب أو احتيال على الذات وعلى الجمهور، لما يدور في عقلها، وينفجر في قلبها من المشاعر الواضحة تماماً بالنسبة اليها، "ولو انها قد تكون غامضة بالنسبة الى الآخرين" بحسب أليسا. خلال فترة وجيزة احتلت أغنية "بدي دوب" المرتبة الرابعة في استفتاء جدّي في وسيلة اعلام خليجية حول أجمل أغنية عربية خلال 1999. كانت أليسا تتوقع نجاح الأغنية، غير أنها لم تكن تتوقع أن تحتل هذا الموقع الذي يكاد يكون وقفاً على نجوم الغناء العرب الأكثر شهرة وانتشاراً وسطوة، وقد فتحت أبواباً إضافية أمامها، وشركة الانتاج الاجنبية تعلّقت بها أكثر فأكثر. ومع أن أليسا تعترف أنها تأخّرت في إصدار أغنيات جديدة، وان المسافة التي تفصل بين "بدي دوب" والشريط الغنائي الجديد لها تقارب السنتين، فإنها لا ترى ذلك نقطة ضعف، وخصوصاً أن الأغنيات الجديدة تحاول فيها أليسا أن تميل قليلاً نحو الأنغام الشرقية وأسلوب الأداء الشرقي ولو من ضمن توزيع موسيقي غربي الملامح. بمعنى أن الجديد الذي ستضعه في التداول سوف يكرّس علاقتها بجمهور أحبّها، وقد يكون مساحة لها للالتقاء بجمهور آخر تبحث عنه من دون أن تنقاد الى ما لا تحب هي، مما قد يحب ذلك الجمهور! المطرب راغب علامة، راقت له جرأة أليسا، ونوع الأغنية التي تقدّمها، فسعى الى أن يكون له فيديو كليب معها. وهكذا، بدأ، أخيراً الجمهور العربي يتابع أغنية "بتروح بتغيب" التي تجمع راغب وأليسا وقد سجلت صوتياً في باريس، وصورت في لبنان تلفزيونياً. وراغب يضع محاولته هذه في سياق تغيير بعض ما اعتاد الناس رؤيته فيه، ثم استجابة لإعجاب أبداه الجمهور العربي "للدويتو" المنتشر حالياً، ثم كنوع من لفت الانتباه الى امكانات هذه المغنية "الصادقة في ما تقول وتفعل" والتي اكتشف فيها راغب انسانة غير عادية، بمعنى روح الشباب. وتذهب أليسا في رفض الأغنيات التقليدية الى حد ان أي نص يحمل فكرة غير متطابقة مع افكارها في الحياة وفي الحب، ترفضه "حتى ولو كان من ذهب". لا تجد في نفسها حتى امكان قبول لأن تغني ما لا تشعر به أو ما لا يلامس حقيقتها كفتاة تبحث عن التغيير في المعنى والمبنى. وحين تناقشها في أن هذه المسألة دقيقة، وبحاجة الى التروّي على رغم صوابيتها، تعترض وتعلن أن قناعاتها الشخصية والفنية هي التي تقول لها ذلك، وإذا كان لا بد من أن نغني فليكن غناؤنا كما نحن، لا كما يريد الآخرون. "وحين يُضطر أحدهم الى مسايرة الجمهور، فلا بأس من أن تكون المسايرة مدروسة وليست على حساب القناعات المبدئية، لأن الأغنية راحت تتردى عندما أراد الجميع أن يكونوا نسخاً متشابهة وليس بينهم من يتجرّأ على مخالفة السائد... أما أنا فلست في حاجة الى مسايرة إلاّ نفسي، وحتى الآن أنا رابحة"... لو انقادت أليسا الى آراء بعض الناس إثر فيديو كليب "بدي دوب"، لاختفت عن الأنظار، لأن بعضهم لم يكن يرى فيه الا خروجاً على "القواعد والمعادلات" السارية، وهي قواعد ومعادلات "لا تخدم انسانية الفنان ودوره في أن يعبّر عن جيله هو لا أن يكرّر مَن سبق وما سبق". لكنها، كانت واعية تماماً ان الخروج عن النص... الغنائي سوف يؤدي في النهاية الى أن تثبت قدرتها وصوابية فكرتها، فدافعت عن وجهة نظرها بحرية، وببساطة أيضاً، وبلا "فذلكات"، وتتابع الدفاع في شريط غنائي جديد يحمل عنوان "وآخرتا معك" الذي يبدو كأنه انقلاب على العناوين الباردة ذات "الركاكة العاطفية الشائعة التي أمجُّها"، فضلاً عن كونه انقلاباً مستمراً في فهم الأغنية ووظيفتها ومستوى حضورها و"تعبيرها عن الذات"... تُصرّ أليسا. الشاعر الياس ناصر، رئيس جمعية المؤلفين والملحنين، هو كاتب جميع أغنيات أليسا حتى الآن. "تعجبني أفكاره، وتجدده يستهويني" تقول أليسا، ولا تخفي أنها رفضت ألحاناً وكلمات عدة، وسترفض من دون أي خجل، حتى ولو كانت تلك الكلمات والألحان من أشخاص ذوي شهرة. "أريد الشهرة؟". تتساءل أليسا، وتردّ بسرعة "نعم، أريدها، إنما بشروطي لا بشروط السوق، وبمزاجي لا بمزاج الاستهلاك". إقتحامية، هذا هو الوصف الأفضل، والأجمل لأنثى مثلها تغني وتسعى الى التجديد أياً كانت مواصفاته.