توفيت ليل أول من أمس السيدة سلمى بيسار مروة، ابنة زعيم طرابلس الراحل الدكتور عبداللطيف بيسار وحرم الشهيد كامل مروة مؤسس جريدة "الحياة". وكانت الفقيدة تولّت رئاسة جريدتي "الحياة" و "دايلي ستار" عقداً كاملاً بعد اغتيال زوجها عام 1966. وقد صارعت المرض مدة طويلة، لإصابتها بالسرطان قبل نحو 15 عاماً، ورحلت عن 76 عاماً. ولدت الست سلمى، كما كان الناس يسمونها، عام 1923 وترعرعت في بيت سياسي كبير. كان والدها جرّاحاً ماهراً تخصص في معاهد برلين في مطلع القرن وعاد الى طرابلس ليبني لنفسه شهرة واسعة تعدّت شمال لبنان الى الساحل السوري وجبال العلويين. وقد بنى الدكتور بيسار زعامته السياسية على مناهضة الانتداب الفرنسي في لبنان وسورية، وكان من المحركين والممولين لمعظم حركات العصيان والاضراب في طرابلس، وقد قضى من مرض اللوكيميا وهو سجين لدى السلطات الفرنسية عام 1942. أما والدة الفقيدة، فكانت سيدة ألمانية من برلين اسمها ألما شنايدر. صيف 1948، تعرفت الست سلمى إلى صاحب "الحياة" الصحافي الشاب كامل مروة وكان عائداً لتوّه من حرب فلسطين، وكانت هي أكملت سنتها الاولى من الحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت. ولم يمضِ شهران حتى تزوّجا. وشهدت الفقيدة خلال عقدين من الزمن صعود نجم زوجها في عالمي الصحافة والسياسة. وبذلت من الثروة الكبيرة التي ورثتها عن والدها الكثير لدعمه وإنجاح صحيفته. بعد اغتيال كامل مروة عام 1966، توّلت الفقيدة رئاسة كتلة مؤسسات "الحياة". وكانت "الحياة" في عهدها أقسى معارضة مما كانت في زمن زوجها للتيار الذي كان يمثله الرئيس جمال عبدالناصر، إذ هي لم تغفر للرئيس المصري يوماً دور مخابراته في تدبير عملية الاغتيال. وعلى رغم فقدان الجريدة شيئاً من بريقها بسبب غياب مؤسسها، فإن الفقيدة استطاعت أن تحفظ لها دورها السياسي البارز في العالم العربي. وقد جابت الاقطار العربية مرّات عدة خلال الستينات والسبعينات واجتمعت مع الكثيرين من زعماء تلك الحقبة وسياسييها، أبرزهم الملك فيصل بن عبدالعزيز وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد وولي عهده الأمير عبدالله والملك حسين بن طلال وولي عهده الأمير حسن والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس الحبيب بورقيبه والرئيس أنور السادات والرئيس جعفر النميري وغيرهم. وكان منزلها، كل يوم أحد، قبلة لكبار السياسيين اللبنانيين والزوار العرب والديبلوماسيين، يلتقون إلى طاولة الغداء في تقليد يعود الى أيام زوجها الراحل. ولعلها كانت في كل ذلك المرأة اللبنانية الأكثر اطلاعاً على شؤون المنطقة وشجونها. بعد اندلاع الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 توقفت "الحياة" و "دايلي ستار" عن الصدور قسراً، وانتقلت الفقيدة مع عائلتها إلى السعودية فالاردن، بدعوة من ملكيهما. ثم استقرت في باريس حيث أمضت القسم الأكبر من هجرتها القسرية عن لبنان. وعند عودة "الحياة" الى الصدور من لندن عام 1988 بالتعاون بين انجالها والأمير خالد نجل وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، لم ترضَ الفقيدة الخروج الى دائرة الضوء سوى مرّة واحدة، وكان ذلك للمشاركة في حدث كان له دلالة رمزية كبيرة لها ولعائلتها، وهو الاحتفال عام 1989بإطلاق أول طبعة بالأقمار الاصطناعية ل"الحياة" في العالم العربي... من القاهرة، العاصمة التي طالما خاصمتها! وقد أمضت الست سلمى سنواتها الاخيرة في دارتها الواقعة على تلة دير القلعة في بيت مري، وسط حديقة جميلة مترامية، تطل على بيروت، وبحرها الواسع، وستوارى في طرابلس اليوم السبت ويتقبل أولادها جميل وكريم ومالك وحياة ولينة العزاء قبل الدفن وبعده والثاني والثالث، وفي ذكرى الاسبوع في منزل الفقيدة في بيت مري. ترسل برقيات التعزية الى رقم الفاكس التالي: 562138/1/961 و[email protected]