لولا مقتل الجنرال ضياء الحق، زعيم باكستان في ذلك الحين، في حادث الطائرة الشهير، يوم 17 آب اغسطس 1988، هل كان سيكون في امكان السيدة بنازير بوتو أن تصبح رئيسة للحكومة الباكستانية، بعد حادث الطائرة بشهور قليلة، وبفضل الانتخابات الديموقراطية العامة التي شهدها ذلك البلد بعد مقتل ضياء الحق؟ من المؤكد أن الجواب هو: لا. فضياء الحق لو لم يقتل في حادث الطائرة، لكان ظل الى فترة من الزمن غير محددة، رئيساً للحكومة الباكستانية، فهو كان الرجل القوي في ذلك البلد طوال سنوات حكمه، وكان مدعوماً بشكل واضح من الولاياتالمتحدة الأميركية، اضافة الى أنه كان ذا شعبية كبيرة لدى العامة، آتية من مصدرين: أولهما كونه حقق نوعاً من الرخاء الاقتصادي منذ استيلائه على الحكم في انقلاب عسكري في العام 1977، ما ردّ الى الباكستان بعض الروح الذي كانت فقدته بفعل انفصال اقليمها الشرقي عنها، وثانيهما كونه ساند الأميركيين في تدعيم وتقوية المجاهدين ضد الوجود السوفياتي والحكم الشيوعي في افغانستان، وهو أمر كان ينال رضى غالبية الشعب الباكستاني في ذلك الحين. فإذا اضفنا الى هذا سيطرة ضياء الحق التامة على الجيش يمكننا ان نفهم المحللين الذين كانوا يتوقعون له ان يبقى في السلطة لسنوات طويلة. ويمكننا ايضاً ان نفهم المعارضين لحكم ضياء الحق، وعلى رأسهم آل بوتو، والأوساط الديموقراطية في الباكستان، من الذين كانوا يعرفون ان زعامة ضياء الحق وشعبيته أمران سيكون من شأنهما تحوله الى عقبة تقف في وجه الديموقراطية، فإذا اضفنا الى هذا كون ضياء الحق قد أصر على اعدام ذو القفار علي بوتو على رغم تدخل العالم كله، يمكننا ان نفهم أيضاً مبلغ العداء الذي كانت تكنه لرجل الباكستان القوي فئات عديدة من الناس. ومن هنا حين تحطمت طائرته يوم 17/8/1988، فيما كان عائداً على متنها من باما والبدر، سارع الكثيرون الى تأكيد، ما أكدته السلطات لاحقاً: لم يكن سقوط الطائرة وليد حادث أو عطل ما، بل كان بفعل عمل تخريبي. وقال هؤلاء ان كثيرين لهم الآن مصلحة في "ازاحة هذا الدكتاتور عن السلطة" بدءاً بالسوفيات الذين كان يزعجهم تصديه لهم في افغانستان، عن طريق دعمه للمجاهدين، وصولاً الى القوى الباكستانية المعارضة التي كانت تراه عقبة في وجه الديموقراطية، مروراً بانصار آل بوتو الذين لم يغفروا له أبداً جريمة اعدام ذو الفقار علي بوتو. مهما يكن في الأمر فإن ما زاد العداء لضياء الحق في بعض أوساط الشارع الباكستاني في ذلك الحين، ما تبين بسرعة من ان الرجل لم يقتل في الطائرة وحده، بل قتل معه على متنها السفير الأميركي الى باكستان ارنولد رافيل، وكذلك الملحق العسكري الأميركي في اسلاماباد هربرت واسوم، ناهيك بعدد كبير من ضباط الجيش الباكستاني. ولقد تساءل المواطنون الباكستانيون بغضب في ذلك اليوم: ما الذي كان يفعله المسؤولان الأميركيان الكبيران في رفقة رئيس الحكومة الذي كان في جولة تفقدية للقوات العسكرية المرابطة هناك. والواقع أن الناس لم يستسيغوا كثيراً ذلك الأمر الذي كشف عن مبلغ تدخل السلطات الأميركية في شؤون الدفاع العسكرية الباكستانية. وهكذا، أسهم ذلك في تخفيف حدة الحزن على ضياء الحق، حين رحل على تلك الشاكلة، بل ان أوساطاً عديدة كانت مناصرة له، وجدت في موت الأميركيين معه، سبباً للتخلي عن خلفائه ومناصريه. من هنا، كان من الطبيعي حين جرت الانتخابات العامة خلال الشهور التالية، ان تفوز المعارضة، محققة بذلك ما كان ذو الفقار علي بوتو قد قاله، بعد ان اطاحه ضياء الحق في انقلاب العام 1977، ثم سجنه: "اذا حدث واغتالني ضياء الحق، فإنني سوف احكم هذا البلد من عمق اعماق قبري". والحال ان علي بوتو حكم بالفعل من خلال ابنته، ولسنوات طويلة، أما ضياء الحق فقد اختفى وتنفس الكثيرون الصعداء لدى غيابه عن ساحة العمل السياسي وانضمامه في القبر الى خصمه علي بوتو، على تلك الشاكلة التي كانت مهينة له، مدمرة لانصاره. الصورة: ضياء الحق على سلم الطائرة يستقبله راجيف غاندي.