بات من شبه المؤكد أن يعلن الفلسطينيون تأجيل إعلان قيام الدولة الذي كان مقرراً في الثالث عشر من ايلول سبتمبر إلى موعد جديد. والموعدان المرجحان هما الخامس عشر من تشرين الثاني نوفمبر، الذي يصادف ذكرى اعلان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 أو الاول من كانون الثاني يناير ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية. وتعكس التصريحات الصادرة عن المسؤولين الفلسطينيين هذا التوجه الذي ازدادت الضغوط الدافعة إليه من "الأشقاء العرب" و"الأصدقاء العالميين" ممن نصحوا الرئيس الفلسطيني بعدم التسرع في اعلان الدولة قبل اعطاء المفاوضات فرصة اخيرة. وفيما كان الخطاب الفلسطيني في الفترة التي تلت قمة كامب ديفيد ينصب على التصميم على اعلان الاستقلال فإن الأيام الثلاثة الأخيرة التي جرت خلالها عملية تقويم لجولة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات التي زار خلالها سبع عشرة دولة، بدأت تميل إلى التمهيد للتأجيل. وفي هذا السياق، قال نائب رئيس المجلس الوطني تيسير قبعة إن المجلس المركزي هو الذي "سيقرر بشأن التأجيل". وردد وزير التخطيط نبيل شعث، الذي يواصل جولة أوروبية، كلاماً مشابهاً، فقال إن "القرار النهائي بخصوص إعلان الاستقلال أو تأجيله سيصدر قبل يوم أو يومين من موعد 13 أيلول". وأقر رئيس المجلس التشريعي ان "العديد من الاصدقاء الذين التقاهم الرئيس عرفات أسدوا النصح بتأجيل إعلان الدولة على رغم ان غالبية الدول التي زارها عرفات، أكدت ان اعلان الدولة هو حق فلسطيني لا يخضع لفيتو". وكان المجلس المركزي منح في اجتماعاته الاخيرة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حق "التصرف" في توقيت الاعلان. وقال عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة عبدالرحيم ملوح جبهة شعبية، إن اللجنة ستلتئم بعد جولة عرفات الآسيوية لمناقشة الموضوع السياسي وتحديد موعد لقاء المجلس المركزي. وتابع: "يتضح من المعطيات ان غالبية الدول التي زارها الرئيس تؤيد الدولة، ولكنها تريد ان تطمئن إلى امكانية تطبيق الاعلان، كما ان الأقلية تنصح بأن يكون الاعلان نتيجة لاتفاق مع اسرائيل". ويدرك الفلسطينيون ان مؤشرات الموقف العربي تصدر عن مصر التي توقع رئيسها حسني مبارك، أول من أمس، تأجيل إعلان قيام الدولة لتفادي اندلاع صدامات فلسطينية - إسرائيلية، وهو لم يستبعد أيضاً احتمال التوصل الى اتفاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين قبل موعد الثالث عشر من أيلول. ويبدو ان الجانب الفلسطيني قرر فتح الموضوع بصراحة مع "الشقيقة الكبرى" فأمر عرفات بتشكيل وفد يترأسه محمود عباس أبو مازن غادر أمس الى القاهرة وسيضم أيضاً أحمد قريع وياسر عبدربه وصائب عريقات للبحث في تطورات الاتصالات الفلسطينية - الاسرائيلية والفلسطينية العربية والعالمية وآفاق استئناف التفاوض في ظل التحفظ العربي عن القمة المقترحة فلسطينياً والاوروبي والعالمي من اعلان الاستقلال. وليس من المعروف ان كان بعض الدول العربية متحمساً لقمة اسلامية تتبوأ طهران صدارتها ويصدر عنها موقف متمسك بالقدس عز صدوره عن قمة عربية. ومن شبه المؤكد ان لا تلقى الدعوة الايرانية آذانا عربية صاغية، ما سيقصر "الدور الاسلامي" على اجتماعات مندوبي المؤتمر الاسلامي، وفي أحسن الاحوال على مستوى وزراء الخارجية. وحسب مصدر فلسطيني مطلع، فإن العرب سيقترحون احالة قضية القدس من المؤتمر الاسلامي إلى لجنة القدس التي ترأسها المغرب لتصدر قرارات غير ملزمة! ويرى الاسرائيليون في تأجيل إعلان الدولة وانعدام فرصة عقد قمة عربية انتصاراً لديبلوماسيتهم التي تبلغ ذروتها في جولات الوزراء شلومو بن عامي الاوروبية وشمعون بيريز الآسيوية ويوسي بيلين الاميركية، فضلاً عن الزيارة المقررة غداً لايهود باراك الى العاصمة الأردنية عمّان. وبحسب مصادر ديوان رئيس الوزراء الاسرائيلي، فإن الخط الديبلوماسي يهدف الى اقناع العالم والعرب لعرفات بعدم الاعلان عن الدولة وتليين الموقف من القدس كي يتسنى تجديد القمة في كامب ديفيد بعد أن يشكل باراك "حكومة سلام" بضم حزب ميرتس اليساري بثلاثة وزراء وحزب شينوي وحزب المركز وحزب شعب واحد عمير بيرتس، وعضو منشق عن حزب المهاجرين الروس، مع دعم من خارج الحكومة من الأحزاب العربية والحزب المتدين يهودوت هتوراة. وبهذا يضمن باراك غالبية برلمانية تكفيه كي يعقد اتفاقاً مع الفلسطينيين يطرحه في استفتاء شعبي وعلى الناخبين في انتخابات برلمانية مبكرة. وفي لفتة طمأنة للفلسطينيين، سيعين باراك زعيم حزب ميرتس يوسي سريد، المعروف باعتداله، في طاقم كامب ديفيد الجديد. ولتجنيب الفلسطينيين تبعات التراجع عن موعد الثالث عشر من أيلول، فإن باراك مستعد لتجديد قمة كامب ديفيد خلال الجولة المرتقبة للموفد الأميركي دنيس روس في العشرين من الشهر الجاري. وقالت مصادر قريبة من مكتب باراك إن الاتصالات لم تنقطع مع الفلسطينيين في كل المستويات وان تجديد القمة منوط بتليين الموقف من القدس وعدم اضاعة الفرصة سيما وان اليمين يتربص وقد ينجح في جمع تواقيع واحد وستين برلمانياً لعقد جلسة عاجلة للكنيست لحجب الثقة عن باراك. وأكد ذلك رئيس كتلة ليكود في البرلمان رئوفين رفلين، مضيفاً: "إن تم ذلك، فإن باراك لن يتمكن من اجراء مفاوضات حول القدس والمستوطنات وغور الأردن بفقدانه الثقة في البرلمان، ولن يبقى أمامه إلا انتخابات من دون اتفاق مع الفلسطينيين". وسيجتمع الكنيست اليوم بطلب من ليكود لمناقشة اعتزام باراك تجديد التفاوض مع الفلسطينيين، ولكن أي قرار يصدر ليس ملزماً.