في نهار ديسمبري بارد عام 1965 تعرفت الى الكسندر سميرنوف، اذ اننا وبالصادفة، انتسبنا الى وكالة ابناء "نوفوستي" في يوم واحد وكانت تلك مرحلة تطور عاصف في علاقات موسكو مع العرب، ولذا شُكل في "نوفوستي" قسم خاص بالشرق الاوسط وشمال افريقيا وغدا سميرنوف من ابرز العاملين فيه ونائباً لرئيس تحريره لاحقاً، وتميز بمعارفه العميقة في اللغة العربية والاسلام وتاريخ الشرق الاوسط. ومنذئذ صارت حياة سميرنوف على صلة وثيقة بالعالم العربي وامضى في مختلف اقطاره 18 عاماً ترأس خلالها مكاتب "نوفوستي" في اليمن وسورية ولبنان حيث قاد من بيروت المركز الاعلامي الاقليمي. وغدا سميرنوف واحداً من ابرز المختصين في الشؤون العربية في الاتحاد السوفياتي وروسيا، بفضل عقله التحليلي وقوة ملاحظته وقدرته الهائلة على العمل اضافة الى معارفه الموسوعية. وفي عام 1978 حصل على شهادة الدكتوراه بامتياز بعد ان اعد اطروحة بعنوان "النزاع في الشرق الاوسط والصراع الفكري - السياسي في حركة التحرر الوطني العربية". وله مؤلفات ومقالات عدة منها كتاب "بيروت تحترق" الذي كتبه عقب الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، وكان هو في العاصمة اللبنانية آنئذ، ومنحه الرئيس السوفياتي حينذاك ليونيد بريجنيف وسام "الراية الحمراء" لقاء أدائه المتميز في لبنان. وبعد عودته الى موسكو درّس في جامعتها واشرف على مواد تتعلق بتاريخ منطقة الشرق الاوسط والتطورات السياسية فيها، وشارك في مؤتمرات علمية عن القضية الفلسطينية عقدت في لبنان وسورية وقبرص والمغرب وروسيا. وحبا الله الكسندر بموهبة عقد الصداقات مع مختلف الاشخاص، فقد كان له اصدقاء من عمال ميناء الحديدة في اليمن ومن الوزراء في سورية ولبنان. لقد احب العالم العربي حباً صادقاً وكان لا يخفي ألمه لأن السنوات التي اعقبت ال"بيريسترويكا" ادت الى وهن في الصلات العربية الروسية التي سلخ نصف حياته لتوطيدها. هذا الرجل الذي ولد في قرية روسية صغيرة تبعد مئات الكيلومترات عن موسكو سيظل في الذاكرة باحثاً متميزاً وكاتباً صحافياً بارعاً، ومثقفاً روسياً محباً لوطنه وصادقاً في حبه للعرب. * مستشار وكالة الانباء الروسية "نوفوستي".