أكد الرئيس حسني مبارك ان مساندة مصر للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات "تقوم على دعم القرار الذي يتخذه بنفسه". وقال: "نحن لا نملي عليه قراراً لا يوافق عليه ولا يتفق مع مطالب الشعب الفلسطيني". لكنه اوضح ان عرفات "لن يجرؤ يوماً على توقيع قرار بالتنازل عن المقدسات الاسلامية والتاريخية وحقوق شعبه المشروعة". واضاف مبارك في حديث نشرته مجلة "روز اليوسف" أمس: "منذ بدايات مفاوضات السلام وحتى اليوم لم يحدث ولو مرة واحدة ان قلنا للزعيم الفلسطيني ان يقبل هذا او يتنازل عن ذاك. فنحن لا نستطيع ذلك ولا نقدم اي نصائح من هذا النوع، لأن كل رئيس وكل زعيم أدرى بمصالح شعبه واهدافه الوطنية والقومية". وتابع: "كنت انا الذي اقنعته بالسفر الى كامب ديفيد، وكل ما حرصت على قوله له ان يقبل ما يراه متفقاً مع اهدافه ومصالحه وان يرفض ما يراه مجحفاً". واعتبر ان ما حدث في كامب ديفيد "لم يوافق عليه عرفات ولا يستطيع ان يوافق عليه أي انسان في العام العربي والاسلامي، إذ ان احداً منا جميعاً لا يستطيع ان يفرط في القدسالشرقية والمسجد الاقصى". وعن الاتصال الهاتفي الذي جرى مع الرئيس بيل كلينتون قبل انهيار مفاوضات كامب ديفيد، قال مبارك: "طلب منا ان تقوم مصر بمساندة عرفات، وكان ردي اننا نسانده وسنظل نسانده في أي قرار يتخذه بنفسه ويرى انه يتفق ومصالح شعبه، فالامر هنا متروك له وتقدير الموقف في يده وحده. وعندما يتخذ قراراً بنفسه في هذا الشأن فإننا سنقف معه ونؤازره". واضاف: "عندما سألت عرفات عما دار في كامب ديفيد وشكل الاتفاق الذي قدموه له اكد لي انه لم يحصل على شيء وانهم يتحدثون عن ولاية دينية على القدس، وانه ليس هناك بين العالم العربي او الدول الاسلامية من يجرؤ على الموافقة على هذا العرض. وهذا كلام صحيح، فلا عرفات ولا أي رئيس عربي او إسلامي يستطيع ان يوافق على ذلك". ووصف الرئيس المصري مسألة القدس بأنها "على درجة عالية من الحساسية". ولاحظ ان دوائر غربية واميركية "لا تتفهم جذورها الحقيقية وابعادها بالنسبة الى الرأي العام في مصر وفي كل مكان عربي، اسلامي ومسيحي". وقال انه يتفق مع ما أكده الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر في هذا الصدد عندما قال ان تنازل أي زعيم عربي عن الحقوق التاريخية في القدس هو بمثابة "انتحار سياسي". وقال مبارك: "لن نجد احداً في العالم العربي او الاسلامي يوافق على غير ذلك، ومن هنا ليس من المعقول ان نأتي بعد أكثر من عشرين عاماً لنتحدث عن قضية ملتهبة مثل قضية القدس بهذه البساطة وهذا التسطيح للامور". واضاف: "قلت لرئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك ان قضية القدس اخطر واصعب مرحلة في المفاوضات، فهي تمس الاديان وجذور المعتقدات الدينية، وان اي تنازلات في القدس ستؤدي الى انفجار الاوضاع في شكل لا يمكن لاحد السيطرة عليه، وان الارهاب سيظهر مرة اخرى وسيجد مبرراً قوياً لممارسة نشاطه. وفوق كل ذلك، فإن عرفات حر في قراره وانه يقبل ما يراه متفقاً مع مصالحه ولا يمكن ان يقبل ما يراه إجحافاً بحقوق شعبه وتطلعاته". ووصف الحملة التي تشنها اطراف في الادارة الاميركية ضد مصر بأنها "مفتعلة وتنبع اساساً من عدم دراية كافية من جانب من تطوعوا لخوض هذه الحملة". وقال: "يستطيع أي انسان ان يعرف من يقف وراءها وهي في الوقت نفسه حملة لا تحقق شيئاً مفيداً لأي طرف من الاطراف بل على العكس تماماً فإنها ستضر بأهداف عملية السلام وتعمل على عرقلتها مرحلياً". واستطرد: "لقد وصل الامر بأحد الكتاب الاميركيين في اشارة الى ما كتبه الصحافي الاميركي جيم هوغلاند في صحيفة "الواشنطن بوست" ان طالب بتغيير البيئة السياسية كلها في الشرق الاوسط حتى يمكن حل قضية القدس". وتساءل مبارك: "هل هذا كلام معقول أو مقبول؟ ... وهل نغيّر كل الزعماء والرؤساء في المنطقة لأنهم لا يوافقون على التنازل عن الحقوق الشرعية والتاريخية في القدس؟ ... وماذا بعد ذلك: هل نغير أيضا شعوب المنطقة التي تتمسك بهذا الاتجاه؟". وتابع: "ان الرؤساء العرب في موقفهم بالنسبة للقدس يستجيبون اساساً لرأي عام غالب وكاسح في كل ارجاء المنطقة". وتساءل مجدداً: "أليس هذا اتجاهاً ديموقراطياً بالدرجة الاولى، أم ان الديموقراطية هنا اصبحت شيئاً آخر مختلفاً". وعن ردود صحف مصرية ازاء الحملة الاميركية ضد مصر، اكد مبارك انه فوجئ بهذه الردود وانه لم يطلب من احد ان يكتب، كما لم يطلب مسؤول مصري ذلك. واضاف: "الصحافة المصرية هي التي نبهتنا الى المقال الساخر لتوماس فريدمان في موضوع لا يتحمل سخرية او استخفافاً، ولعل حرية الصحافة والصحافيين في مصر تتضح من خلال هذا التناول للرد على ذلك المقال لأنه لو كان احد من المسؤولين ينسق أو يصدر تعليمات بالرد لما كانت كل الصحف والمجلات تناولت الموضوع في يوم واحد". واعتبر مبارك ان ما يتردد في دوائر اميركية عن ان في مصر تقويضاً للمجتمع المدني والجمعيات غير الحكومية "يأتي ايضا في اطار الحملة". وقال: "لا بد لمن يريد ان يشوّه الموقف ان يقول مثل هذا الكلام" الذي وصفه بأنه "غير حقيقي بالمرة ولا يحدث في مصر ولن يحدث". وشدد على ان المجتمع المدني "شريك اساسي مع الحكومة والقطاع الخاص في القيام بأدوار متكاملة في عملية التنمية التي تعتبر ثمرة أساسية لعملية السلام واهم الاهداف الرئيسية بالنسبة الى شعوب المنطقة من أجل حياة افضل للجميع".