أطلقت نيابة أمن الدولة العليا في مصر أمس رئيس "مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية" الدكتور سعدالدين ابراهيم بكفالة مقدارها عشرة آلاف جنيه، في إجراء عقب إشارات رسمية مثلت تراجعاً عن تصعيد مصري اتبع في القضية على خلفية أزمة مصرية - اميركية كان القبض على ابراهيم أحد أسبابها. ولوحظ أن القرار صدر قبل ساعات من إعلان نتائج التحقيق المبدئي في كارثة سقوط طائرة شركة "مصر للطيران" قبالة السواحل الشرقية الاميركية، وبعد ساعات من تصريحات لاثنين من المسؤولين المصريين مثّلت تحولاً في الموقف من قضية "مركز ابن خلدون" التي تفجرت بداية الشهر الماضي إثر القبض على ابراهيم وسكرتيرته السودانية الجنسية نادية عبدالنور وأحالتهما على النيابة التي أمرت بحبسهما احتياطياً لمدة 15 يوماً، بعدما وجهت اليهما تهمة "تلقي أموال من جهات أجنبية مقابل إمدادها بمعلومات مغلوطة عن الأوضاع في البلاد وتؤثر على موقف مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المحافل الدولية ويضر بالأمن القومي للبلاد". واتسع نطاق القضية في وقت لاحق ليشمل آخرين من الباحثين والمتعاملين مع المركز. كما تعددت التهم التي واجه المحققون ابراهيم بها الى درجة "التخابر مع دولة أجنبية هي الولاياتالمتحدة بغرض الإضرار بالمصالح العسكرية والسياسية والاقتصادية للبلاد"، وهي التهمة التي تسببت في جدل كبير ورد اميركي غاضب عكسه لقاء عقد الثلثاء الماضي بين رئيس الحكومة المصرية الدكتور عاطف عبيد والسفير الاميركي في القاهرة دانيال كيرتزر بعد دقائق من انتشار خبر توجيه التهمة بشكل غير رسمي الى ابراهيم. لكن السيد فريد الديب محامي ابراهيم استبعد ان تكون اي ضغوط مورست تسببت في قرار اطلاق موكله. وارجع الفضل في عملية الاطلاق الى تدخل الرئيس حسني مبارك شخصياً، وقال ل"الحياة" "الفضل وحده يعود الى الرئيس مبارك الذي حرص على ان تعرض الامور عليه عرضاً محايداً مجرداً، فاستجاب لنداءاتنا". وأعرب الديب عن سعادته "لكون الحقيقة تجلت امام الجميع"، مشيرا الى ان اسرة ابراهيم سددت مبلغ الكفالة، وان التحقيقات في القضية ستستمر الى حين التصرف بشكل نهائي فيها. واوضح ان قرار اطلاق موكله استند الى كون النيابة "رأت امكان استكمال التحقيقات من دون الحاجة لابقاء ابراهيم رهن الحبس الاحتياطي الذي هو اجراء احترازي في الاساس". وقالت المحامية راندة ابراهيم ابنة رئيس مركز ابن خلدون ل"الحياة" ان القرار "عكس سيادة القانون في مصر رغم بعض تصرفات الجهات الادارية،". ووجت الشكر الى مبارك بعدما اعتبرت انه كان وراء القرار، واشادت ب"كل الجهات التي وقفت الى جانب الحق"، واعتبرت ان "الامور عادت الى طبيعتها"، وشددت على ان والدها سيعود الى ممارسة نشاطه بشكل طبيعي، واستبعدت ان يكون للقضية تبعات تحد من نشاطه. واطلقت النيابة في الوقت ذاته السيدة عبدالنور بكفالة مقدارها 5 آلاف جنيه، وهي كانت تأتي في المرتبة الثانية له من حيث جسامة التهم في القضية، اضافة الى ثلاثة متهمين آخرين هم: عبدالمنعم ابراهيم، وعوض عبده بكفالة مقدارها 500 جنيه وماجدة ابراهيم بكفالة الف جنيه. وكما كانت القضية مسرحاً لتصعيد مصري رداً على الحملات الاعلامية الاميركية ضد مصر والرئيس مبارك شخصياً، بدا أن القاهرة اختارت القضية ذاتها لتعكس تحولاً نحو تهدئة الأزمة مع اميركا الى درجة أن قرار إطلاق ابراهيم سبقه بساعات تصريحات صدرت عن مسؤولين مصريين تضمنت دفاعاً عن ابراهيم. ففي وقت متزامن عقد مسؤولان مصريان مساء أول من أمس لقاءين مع صحافيين مصريين وأجانب سيطرت الأزمة المصرية - الاميركية وقضايا ابراهيم على ما اثير فيهما من نقاش. ففي حين كان الدكتور اسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري يتحدث الى المراسلين الأجانب كان الدكتور مصطفى الفقي مساعد وزير الخارجية يعقد لقاء مع رابطة الشؤون الخارجية في نقابة الصحافيين المصريين. وبدا أن الهدف كان مخاطبة الرأي العام في مصر واميركا في آن، سعياً نحو تجاوز الأزمة والتمهيد لإعلان إطلاق ابراهيم. وشدد الباز في بداية مؤتمره على ان القضية "ليس لها أي أبعاد سياسية" وأنها "تتعلق بوقائع قانونية بحتة يتم التحقيق فيها استناداً الى الأدلة التي تتوافر في شأنها ،وفي ما إذا كان تم انتهاك بعض القوانين والانظمة". ورد الباز على تقارير صحافية تناولت تفاصيل التحقيقات واعتبر أنها "تفتقر الى الدقة والمعلومات الصحيحة"، في اشارة الى مواجهة المحققين لإبراهيم بمعلومات عن تخابره مع مؤسسات اميركية بينها وزارة الدفاع والاستخبارات المركزية. ورغم ان المسؤول المصري شدد على ان احداً "لا يحق له التدخل في أعمال القضاء باعتبار ان قضية مركز ابن خلدون في حوزه النيابة"، إلا أنه نفى أن تكون هناك نية لإحالة ابراهيم على محكمة عسكرية. وقال: "اذاقضى النائب العام بالمضي في القضية فإنها ستعرض على محكمة عادية"، ولم يستخدم الباز اصطلاح التخابر او التجسس للرد على اسئلة المراسلين الذين سألوه عن مغزى مواجهة ابراهيم بالتهمة اثناء التحقيقات حتى لو أنها لم ترد بعد في لائحة الاتهام بشكل رسمي. وقال: "كل ما قيل من روايات في شأن تهم جديدة تتعلق باتصالات معينة هي من قبيل التخمينات المجردة ولا تمتلك أية مصداقية". لكن الفقي كان أكثر تحديداً حين دافع صراحة عن ابراهيم، وقال: "بكل شجاعة استبعد جاسوسية ابراهيم فهو مثقف واستاذ مصري لم يحالفه الحظ في مخالفات مالية وإدارية، لا تصل أبداً الى حد الخيانة، وهي التهمة التي لم توجهها له النيابة العامة حتى الآن. وأرجو ان تمر هذه السحابة التي يُساء استغلالها جداً في الخارج ضد مصر الآن". ومعروف أن الفقي عضو في مجلس أمناء "مركز ابن خلدون" وجاء حديثه ليؤكد التحول في الموقف الرسمي المصري من القضية التي وصفها بأنها "أخذت أكبر من حجمها، مما زاد من تأثيرها". وقال: "كانت تربطني علاقات قوية مع سعد الدين ابراهيم وكنت عضواً في مجلس امناء المركز ومعي كثيرون من النخبة المثقفة في مصر وليس تهرباً مني أن اقول ان قدماي لم تطأ منتدى ابن خلدون منذ العام 1994، ولكن الظروف عقب مؤتمر الاقليات الذي نظمه المركز عام 1994 في قبرص وكذلك عملي سفيراً لمصر في النمسا حالا دون مشاركتي". وشدد الفقي أن أعضاء مجلس أمناء المجلس "لم يكن لهم أي علاقة بالأمور المالية والإدارية في المركز". وسئل عن رأيه في شخص ابراهيم فاجاب: "هو شخصية تحاول التحريض على النقاش في قضايا مهجورة وكان يجانبه الحظ في أن يطرح قضايا سابقة على عصرها او حساسة". وأضاف: "أذكر أنه طلب مني أن اترأس جلسة خاصة بالاقباط في مؤتمر الأقليات وقوبل المؤتمر بمعارضة فذهب به الى قبرص ولم أشارك فيه بالطبع". وخلص الى أن ابراهيم "لم يحالفه الحظ في اختيار التوقيتات المناسبة للمواضيع المختلفة التي يطرحها ومن ذلك خروجه ببعض أو بنتائج هذه المواضيع البحثية الى خارج البلاد".